العدد 3678 - الإثنين 01 أكتوبر 2012م الموافق 15 ذي القعدة 1433هـ

صحوة شعوب... لا صحوة طوائف

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

فيما كان العالم العربي في الجوار يتشكل من جديد بعد هبات الربيع العربي التي اقتلعت جذور أربع دكتاتوريات عربية (في تونس، مصر، ليبيا، ثم اليمن) ومازالت نسائمه تهدد بعض الأنظمة التي لا تحسن التعامل مع واقع جديد أخذ يفرض نفسه بحكم الأمر الواقع؛ تجري محاولات مستميتة للتعتيم على أية مؤشرات دالة على وجود تأثيرات سياسية وميدانية في دول حوض الخليج المترعة بالنفط، وقد جرت خطوات استباقية لدى بعض الأنظمة الخليجية لامتصاص أية تأثيرات محتملة لهذه الهبة المباركة على شعوب دول مجلس التعاون جاءت على شكل تحسين مستوى الدخل وتغييرات طفيفة في بعض الوجوه والحقائب الحكومية مع إطلاق وعود بتسريع وتيرة الإصلاح السياسي.

فيما يعنينا في البحرين، يجري تصوير الحراك المطلبي الذي يستهدف الانتقال إلى مستوى متقدم من الإصلاح السياسي يعيد الحياة في شرايين مشروع الاصلاح الذي جرى تعظيم منافعه منذ فبراير/ شباط 2001 في الإعلام الرسمي وقد قوبل بترحيب وتأييد شعبي واسع، وقد كانت له عوائد ومنافع اجتماعية واقتصادية لا تنكر، لكنه كان يحتاج إلى تسريع وتيرته كما صرح بذلك مسئولون رسميون، فيما الأزمات الاجتماعية والسياسية تزداد تعقيداً مع مرور الوقت.

تروى قصة عن حكيم الصين كونفوشيوس، أنه مرّ على مقربة من جبل «تاي» فأبصر امرأة تقف إلى جانب أحد القبور وتبكي بمرارة وحرقة، فأرسل إليها تلميذه «تسي – لو» يسألها عن سبب بكائها، فقالت: لقد قتل نمر والد زوجي في هذا الموقع، وقد قتل زوجي أيضاً، وها هو ولدي قد مات الميتة نفسها أيضاً. فقال المعلم: ولماذا لم تتركوا هذا المكان؟ فردت المرأة: ليست هنا حكومة ظالمة، فقال المعلم لحظتها: «تذكروا قولها يا أولادي... إن الحكومة الظالمة أشد فظاعةً من النمر». والحياة في غابةٍ أفضل من الحياة في مجتمع دون قانون.

تشيع في المجتمعات التسلطية بعض الممارسات التي تستهدف تخريب العلاقات بين المواطنين، وتدمير أي شعور بالندية والمساواة بينهم، كما تسود حالة من الاسترابة الدائمة بنوايا الآخر، تتعزّز من خلال عقيدة أمنية تبالغ في إظهار مخاطر وهمية تحدق بالمجتمع ومؤامرات محتملة قد يتعرض لها من قبل خونة لهم أجندات خارجية تريد بالوطن سوءاً. وقد مارس الاستعمار اللعب بالورقة الطائفية قديماً، واستحسنتها بعض الأنظمة العربية التي لم تستفد من الاستعمار إلا أسوأ ما فيه، وأثناء ذلك يتم تجنيد العيون والجواسيس لإحصاء الأنفاس وسماع دبيب النمل، والمجتمع في كل ذلك يعيش في دوامة من الخوف والقهر الدائم. وقد ينجح الاستبداد في بسط نفوذه في مجتمع مغلوب على أمره حتى حين؛ لكن إرادة الشعوب دائماً هي الأقوى. هكذا يعلمنا التاريخ وتعلمنا دروس الربيع العربي الطازجة والبليغة.

يذكر إمام عبدالفتاح إمام تجربة اجتماعية رهيبة في كتابه «الطاغية»، ويقول «ان العادة جرت في بلاد فارس قديماً عندما يموت الملك أن يترك الناس خمسة أيام بغير ملك وبغير قانون، بحيث تعم الفوضى والاضطراب جميع أنحاء البلاد، وكان الهدف من وراء ذلك هو أنه وبنهاية هذه الأيام الخمسة، وبعد أن يصل السلب والنهب والاغتصاب إلى أقصى مدى، فإن من يبقى منهم على قيد الحياة بعد هذه الفوضى الطاحنة سوف يكون لديهم ولاء حقيقي وصادق للحاكم الجديد، إذ تكون التجربة قد علمتهم مدى رعب الحالة التي يكون عليها المجتمع إذا غابت السلطة السياسية».

ذكرتني هذه العادة الفارسية القديمة الغريبة بما كنا نعيشه في بعض الفترات، حين كان المواطن يخشى أن يذهب لشراء خبز العشاء لأسرته، ويرتعب من السير وحيداً في الطرقات ليلاً أو نهاراً، ولا يأمن على نفسه وهو في سيارته ذاهباً أو عائداً من عمله. وحين كان المواطن يفضّل أن يتعايش مع المرض مهما اشتدت أوجاعه على الذهاب إلى مستشفى أو مركز صحي، قد يتعرض فيه للإهانة وسرقة ممتلكاته والتعريض بمذهبه ومقدساته الدينية... وكان الله بالسر عليما.

لست ممن تستخفه الشعارات السياسية والوعود المزوقة، ومعظم البحرينيين يدركون أن كل من حمل همّ الناس واقترب من أوجاعهم، وكان الوطن حاضراً في كل تفاصيل نشاطه اليومي هو شخص يحب البحرين، يحبها بحق. النبل والانتماء الوطني هو ما يجعل البعض من خيرة البحرينيين الشرفاء يعمل بلا تعب أو ملل ويصل الليل بالنهار من أجل أن يسود العدل والقانون والكرامة للبحرينيين كافة، ويجب أن يعي من يتعين عليهم الوعي أنه لا يمكن بأي حال من الأحوال أن يبذل المرء روحه وماله وحريته لمجرد إرضاء أطراف خارجية أو تحقيق أجنداتها! تلك تهمة سمجة لا يصدقها إلا من أصيب بالخرف.

أكتب هذه الكلمات والبحرين تودع ضحيةً جديدةً في عمر الورود من ضحايا العنف والتي تدور رحاها في بلد السلام والمحبة «الغائبة».

في كتابه «طبائع الاستبداد»، يقول عبدالرحمن الكواكبي عن هذه الحالة الملازمة للمجتمعات العربية: «لو كان الاستبداد رجلاً وأراد أن ينتسب لقال: أنا الشر، وأبي الظلم، وأمي الإساءة، وأخي الغدر، وأختي المسكنة، وعمي الضرر، وخالي الذل، وابني الفقر، وابنتي البطالة، ووطني الخراب، وعشيرتي الجهالة».

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3678 - الإثنين 01 أكتوبر 2012م الموافق 15 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 4 | 3:38 ص

      جميل

      مقال جميل وممتع

    • زائر 3 | 2:57 ص

      طوائف ورمان الطائف

      رمان الطائف قد لا تجده في حائل بينما موضوع الطائف والطوائف ففيه الكثير من اللطائف. فمن طاف بالبيت ليس كمن لم يحج.
      لا يستبعد أن الكثير من الناس قد طافوا بالبيت العتيق الذي جمع الشعوب والقبائل، فلا دخل لسيادة ولا قتادة في الموضوع. لكن كيف مزقت أو شتت الشعوب بالقائل
      فلم تمسي في حائل لكن حالها المائل جعل من الطائف يتحول الى طوائف.
      فهل المسألة في شتان أم في النسيان أن الأنس ليس جان؟

    • زائر 2 | 2:06 ص

      «تذكروا قولها يا أولادي... إن الحكومة الظالمة أشد فظاعةً من النمر»

      تروى قصة عن حكيم الصين كونفوشيوس، أنه مرّ على مقربة من جبل «تاي» فأبصر امرأة تقف إلى جانب أحد القبور وتبكي بمرارة وحرقة، فأرسل إليها تلميذه «تسي – لو» يسألها عن سبب بكائها، فقالت: لقد قتل نمر والد زوجي في هذا الموقع، وقد قتل زوجي أيضاً، وها هو ولدي قد مات الميتة نفسها أيضاً. فقال المعلم: ولماذا لم تتركوا هذا المكان؟ فردت المرأة: ليست هنا حكومة ظالمة، فقال المعلم لحظتها: «تذكروا قولها يا أولادي... إن الحكومة الظالمة أشد فظاعةً من النمر». والحياة في غابةٍ أفضل من الحياة في مجتمع دون قانون.

    • زائر 1 | 1:22 ص

      متهم ب ا ل ط ا ئ ف ي ة

      بالإمكان اسقاط هذه العبارة على بقية الدول.. باستثناء البحرين فلم يصحوا شعب بأكمله.. لا زالت احدى الطوائف في سكرتها العمياء التي تقود الى عسير للأبد،، ناهيك عن ان من المكون الذي يحمل الراية لم يكن نائما ليصحوا، بل له الفخر انه دائم اليقظة وان غفى بعض اللحظات التاريخية المكلفة كغفوة عام 2001م .

اقرأ ايضاً