العدد 3681 - الخميس 04 أكتوبر 2012م الموافق 18 ذي القعدة 1433هـ

حوار مع صديق حقوقي مصري حول هموم حقوق الإنسان (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

الأخ الأستاذ بهي الدين حسن المحترم

رئيس المركز المصري لدراسات حقوق الإنسان

بعد التحية والتقدير لشخصكم الكريم اسمح لي بعد أن اطلعت على الموضوع المعنون «البيان الختامي هل من ثورة مضادة في مجلس الأمم المتحدة لحقوق الإنسان» بإبداء بعض الملاحظات المخلصة بصفتي مهتماً بقضايا حقوق الإنسان في الوطن العربي بل في العالم بأسره وأنا أقول هذا من واقع متابعتي واهتمامي التي تعرفونها جيداً ليس اليوم وإنما منذ أكثر من 25 عاماً حتى الآن أي منذ 1985 وإليكم بعض تلك الملاحظات:

الملاحظة الأولى فنية تتعلق بالموقع الإلكتروني الذي أصبح أكثر دندشة وربما هي زخرفة بحيث لا يسهل متابعته بل يصبح المرء في دوامة من التعرف على ما يرغب الموقع الإلكتروني في نقله للشخص المتابع بسهولة ويسر وليس بإرباكه بكل هذه الإعلانات ذات الصلة حقاً، ولكنها لا تركز على الرسالة وإنما تؤدي للإرباك، وهي متأثرة بطريقة الإعلانات وربما الإعلانات الأميركية المعروفة ومناهج الإعلام الأميركي كما تعلمون في المناهج الصحافية الأميركية التي تعلمناها في مقررات الإعلام في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية بجامعة القاهرة منذ أوائل الستينيات في القرن الماضي، والفوارق بين الإعلام الأميركي والإعلام الأوربي، ولست في مقام استذكار الدروس التقليدية السابقة فالعالم تغير وكذلك تغير الإعلام ووسائله، وإن كان الهدف واحداً وربما المضمون بقي كما هو وإن تغيرت الطريقة والإخراج. أما بالنسبة للموقع الإلكتروني فأعتقد أن النمط التقليدي في وضع البيانات في مرفق يسهل نقله ومتابعته بصورة أفضل وصديقة للاستعمال والمستعمل في الوقت نفسه كما يقال.

الملاحظة الثانية تتعلق بمضمون الرسالة والعنوان اللافت للنظر بتعبير الثورة المضادة في مجلس حقوق الإنسان، وهذا يعطي الانطباع بأن منظمات حقوق الإنسان تضيق ذرعاً بالنقد من الأطراف الأخرى، أي أنها انزلقت مثل كثير من نظم الحكم، وخصوصاً في بلادنا إلى الديكتاتورية الفكرية على الأقل، وهي أخطر أنواع الديكتاتوريات. كما أن الاستعمار الجديد هو أخطر مراحل الرأسمالية المتوحشة مع التقدير للمرحوم كوامي نكروما وكتابه المشهور والقريب عنوانه من هذا المصطلح. وكما يعتقد بعض رجال الدين المحترمين أن قولهم هو الرؤية السليمة والصحيحة ولا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها، علماً بأن موضوع حقوق الإنسان ينتمي لمناهج العلوم الاجتماعية ويتناول القضايا الإنسانية. وهي قضايا ليست خلافية فحسب بل قابلة للاجتهاد ووجهات النظر، وصدق الإمام الشافعي عندما قال: «رحم الله امْرَأً أهدى إليّ عيوبي». وقال ببلاغة وعمق رؤية: «هذا رأيي صواب يحتمل الخطأ ورأي غيري خطأ يحتمل الصواب». وقبل عدة قرون من مجيء المفكر الفرنسي فولتير الذي أعلن «أخالفك رأيك ولكنني أدافع عن حقك في إبدائه».

الملاحظة الثالثة أن أي إنسان ليس معصوماً من الوقوع في الخطأ مهما علا قدره، والأنبياء معصومون فقط فيما يتعلق بإبلاغ رسالة الله، وليست في حياتهم الإنسانية البشرية العادية، كما ذكر معظم الفقهاء، ومن ثم فإن الإنسان الفرد ليست لديه الرؤية الكاملة عن الأوضاع في أي بلد مهما كان انتماؤه إليها، لأن مراحل التطور التي تعلمناها في التحليل السياسي وخصوصاً التحليل السياسي الهيجلي الديالكيتكي ثم الماركسي المادي، ترتبط وتؤثر في البنية الأساسية، والبنية الفوقية تتأثر بها بالتبعية، باعتبارها الأساس. ومن ثم فإن مسألة الكتابات والتعليقات الخاصة بحقوق الإنسان تحتاج لأسلوب جديد في المتابعة والكتابة والتحليل والفهم يأخذ في الحسبان الواقع القائم، ومراحل التطور السياسي والاجتماعي والثقافي، وأيضاً التجارب المتنوعة لمختلف الدول.

إن اكبر التصورات غير الدقيقة التي تقع فيها للأسف بعض منظمات حقوق الإنسان هو تجاهلها لفهم الواقع الاقتصادي والاجتماعي والسياسي والثقافي في أوطانها، والتركيز على ما يسمى المفهوم العالمي لحقوق الإنسان، وهو مفهوم صحيح شكلياً ونظرياً، ولكنه لا وجود حقيقياً له على أرض الواقع، في أية دولة، لأن قضايا حقوق الإنسان في الدول المتقدمة مثل أوروبا وأميركا تعيش في ازدواجية المعايير، وأنت خير من يعرف ذلك، كما حدث في مؤتمر دربان على سبيل المثال، وكما هي حالة الفلسطينيين وإسرائيل والدور الغربي وخصوصاً الأميركي. وما يحدث في بعض الدول سواء من ناحية الفقر أو الإفقار المتعمد لطبقات عديدة في مجتمعات عديدة، وفي مقدمتها المجتمع المصري في عهد نظام حكم الرئيس السابق، بحكم الرأسمالية المتوحشة أو التوجهات العنصرية ضد فئات معينة في المجتمع ومنها المسلمون في أوروبا وأميركا وغير ذلك، ولكنهم يوهموننا أن ما لديهم هو النموذج العالمي الواحد والوحيد الصحيح، ونحن بحكم تخلفنا ومعاناتنا نصدقهم وننخدع بدعايتهم.

وأنا من المؤمنين بأن القول إن مبادئ حقوق الإنسان عالمية هو قول صحيح من حيث المبادئ العامة النظرية، وليس صحيحاً من حيث التطبيق العملي الفعلي، حتى في الولايات المتحدة حيث تختلف النظرة داخلها من ولاية لأخرى. ويطالبنا البعض مثلاً بإلغاء عقوبة الإعدام في حين أن اليابان وبعض الولايات الأميركية وغيرها من الدول المتقدمة، تطبق عقوبة الإعدام. ويطالبوننا بالانضمام للمحكمة الجنائية الدولية ومعظمهم ليسوا أعضاء فيها. ويطالبوننا بالسماح بالمثلية الجنسية وليست كل دولهم تأخذ بذلك، فضلاً عن تعارضه مع قيمنا وتراثنا وديننا وقوانين تطور البشرية، كما تجلى في العذاب الذي حاق بقوم سيدنا لوط، وتعمل منظماتهم الحقوقية الصادرة من برلماناتهم بقوانين وتمويل وطني في بلادنا، ولا تهتم بحقوق الإنسان في أوطانهم والتي يموّلها بأريحية غير معهودة دافع الضرائب الأميركي كما يقولون، لكي تعمل في بلادنا وليس في بلادهم، كما هو شأن ما يسمى بلجنة الحرية الدينية الأميركية. فالكونغرس الأميركي يشرع للعالم، وليس ما ينطبق على العالم من تشريعات يصدرها، يمكن أن يطبقه في أميركا التي لها تشريعات أخرى... لأن الإنسان لديهم من طينة مختلفة، ونحن في بلادنا من الذكاء الفطري والإبداعي حيث نأخذ منهم التمويل ونعمل بأجندتهم لمصلحة شعبنا الفقير البائس لكي نصل لمستوي طينتهم الراقية المتميزة.

الملاحظة الرابعة أن أكبر أخطاء أو مزالق العمل الحقوقي هو تحول الحقوقيين إلى سياسيين، ومن ثم تؤثر عليهم انتماءاتهم السياسية كما تؤثر على موقفهم الحقوقي، فمن ينتمي إلى جماعتي أو حزبي أو ديني أو طائفتي أو عرقي بل إلى قريتي ونحو ذلك، فهو دائماً على حق، ومن لا ينتمي إليها فهو دائماً على باطل، وصدق السيد المسيح عندما قال: «عجبي لمن يرى القذى في عين أخيه ولا يري الخشبة التي في عينه».

إنني أعتقد أن مصداقية واحترام منظمات حقوق الإنسان تنبع من رؤيتها الموضوعية للقضايا الحقوقية من منظور علمي ومحايد، وكما نسب للرسول الكريم محمد بن عبدالله عليه الصلاة والسلام ما خلاصته أنه قال عندما أتى إليه خصمان، لعل أحدكما هو أكثر فصاحة من صاحبه فأحكم لصالحه بما ظهر لي، ومن حكمت له ظلماً ضد أخيه فقد حكمت له بقطعة من النار... وللحديث تتمة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3681 - الخميس 04 أكتوبر 2012م الموافق 18 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً