العدد 3688 - الخميس 11 أكتوبر 2012م الموافق 25 ذي القعدة 1433هـ

حوارٌ مع صديق حقوقي مصري حول هموم حقوق الإنسان (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

إنني كمتابع لقضايا حقوق الإنسان في مصر، وما يصدر من بيانات من التنظيمات الحقوقية، لاحظت ثلاثة أمور بالغة الخطورة، أولها وجود موقف مضاد تماماً لأجهزة الدولة، بغض النظر عن عيوبها وهي تستحق النقد الكثير، ولكن النقد أحياناً يصل إلى مرحلة هدم الدولة، وهو ما عُبر عنه الفكر الفوضوي في أوروبا في القرن السابع عشر، ولا أعتقد أن هذا هو هدف منظمات حقوق الإنسان، ولكنه أحد المزالق التي ينبغي مراجعة النفس بشأنها. الثاني وجود حالة من النقد المبالغ فيه ضد الحكومات الانتقالية أو حتى ضد آية حكومة في أية دولة، وهو ما يدفع أحياناً لرد فعل عكسي، كموقف الحكومة البريطانية من مظاهرات بعض الطلبة احتجاجاً على مصروفات الجامعة، وكيف تعاملت الحكومة معها، سواء تصريحات رئيس الوزراء والحكومة والبوليس بل البرلمان، بما في ذلك المعارضون والمؤيدون، حيث أظهروا وحدة الموقف والحرص على سلامة الدولة ونظامها. ونموذج الإذاعة البريطانية وإيمانها بحرية الرأي، ومع ذلك قدمت اعتذارها لخطأ وقعت فيه فيما أسمته بروتوكول التعامل مع جلالة ملكة بريطانيا العظمى رئيسة الكنيسة البريطانية، ورمز الدولة.

وخذ نموذج أوروبا في رفض أية مراجعة تتعلق بالمحرقة اليهودية، وأين جارودي والحرية الأكاديمية والبحث العلمي؟ وغير ذلك كثير، وقارن ذلك بما يحدث في بلادنا العربية، ومصر خصوصاً.

الثالث إن ما يحدث الآن في مصر من مطالب فئوية متنوعة لها بعض مبرراتها، ولكن من أين الوفاء بها دون عمل منتج وإيجابي؟ فالحالة الآن أدت إلى ما أسماه الثوريون الحقيقيون مثل ماوتسي تونج وقبله لينين، إلى ما أطلق عليه المراهقة الفكرية الثورية لليمين أو اليسار، وأدت هذه المراهقة بثورة 25 يناير/كانون الثاني إلى الوقوع بين فكي الرحى: الحكم العسكري أو الديني، وكلاهما من حيث المبدأ والممارسات ضد حقوق الإنسان بالمفهوم السائد حالياً في العالم، ونردده نحن في العالم العربي.

ولعل الخلافات في اللجنة التأسيسية لصياغة الدستور ليست إلا نموذجاً لذلك، وفي بعض ممارسات الحكم القائم كما أشار بعض الكتاب والناشطين السياسيين أنه الصورة المكررة أو المعكوسة لنظام مبارك غير المأسوف عليه، إنهما مثل وجهي العملة الواحدة، وهو ما قامت الثورة ضده. ولعل أهم أسباب هذا الوضع الخطير، عدم وجود خطة استراتيجية للثورة، واندفاع قوى مخلصة بلا تروي للاحتجاج كمبدأ وليس كوسيلة، والانقسامات بين القوى الثورية والوقوع في فخ الثورة المضادة، وهذا ما حذرت منه في كتابي عن ثورة 25 يناير (صدر في مصر، أغسطس/آب 2011) ونشر معظمه كمقالات صحافية، وتم مناقشته في ندوة بالمجلس المصري للشئون الخارجية. وما أرغب بقوله إن الثورة المضادة، مسألة حقيقية وثابتة طوال التاريخ الإنساني، ولكن الخطأ أو العيب فينا نحن - الناشطون والمهتمون بحقوق الإنسان- لأننا نركز على أنفسنا وننسى الآخرين، ولا نتصور أن لهم حقوقاً أو مصالح ونندفع للعمل ضدهم، فيردون علينا بثورة مضادة تحبط كل ما نرغب في تحقيقه، وأحياناً تعيدنا للوراء، وخير شاهد أحداث الثورة الفرنسية التي استمرت زهاء مئة عام.

النقطة الرابعة إنني أشعر بالحزن الشديد لأن ثورة 25 يناير العظيمة التي قادها الشباب النقي الواعي بالبعد الفكري والسياسي ولديه الشجاعة والإقدام والتضحيات، لكنه لم يكن واعياً بأساليب العمل السياسي والمناورة السياسية، وطلبوا منه بخبث أو ذكاء يقرب من الخبث أن يستمر واقفاً في ميدان التحرير، وذهب الآخرون للعمل وسط الجماهير، وخداعهم بأساليب ملتوية، فانتهت الثورة إلى حالة من الإحباط للكثيرين، وسيطرة فئة يصعب التخلص منها، وآمل ألا تكون أكثر استبداداً من نظام مبارك البغيض، الذي أذاق الشعب الفقر والعذاب، وجعلنا كمصريين أضحوكةً بين الأمم، ساعياً للتوريث في نظام جمهوري، ناسياً أنه في دولة ذات حضارة عريقة، موهماً نفسه وخادعاً شعبه بأنه ببقائه يضحي من أجلهم! إن هذا لشيء عجاب أن يحدث في نظام جمهوري، كما سلط علينا من زبانيته من سام هذا الشعب سوء العذاب، والفقر من مسئولين في وزارتي الداخلية والمالية، حيث أهمل الأمن الإنساني والجنائي للفرد لمصلحة أمن النظام، وأهملت مصالح الطبقات الفقيرة والمتوسطة لمصلحة الجباية. ولا أقول ذلك الآن، ولكني قلته في «الأهرام»، عندما كان فيها آنذاك قدر محدود من حرية الرأي، ولم تتراجع كما حدث الآن، وعادت لسيرتها السابقة في التسبيح بحمد ولي النعم الخديوي العثماني، ويمكن الرجوع للأهرام في عصر الملتزم الهارب في بلاد الإنجليز الآن، والذي كان متخصصاً في جباية الضرائب وتلبيس الباطل بالحق، والتفنن هو وأشباهه في نهب ثروات هذا الشعب، وساعد في نشوء عصابة من الإقطاع والرأسمالية الجديدة المتوحشة التي نهبت الأرض وأفسدت أجهزة الدولة.

الصديق بهي الدين حسن: هذه بعض الأفكار التي تعبر عن هموم أردتها للمشاركة وتبادل الرؤى، ليمكننا أن نعيد بعض التوازن لفكرنا وسلوكنا، وأنا أعرف تفانيكم وإخلاصكم للقضايا الحقوقية، ولكن الإخلاص بذاته لا يكفي، ولابد من تقدير مواقف ومصالح القوى المختلفة في المجتمع حتى يمكن أن يحدث التغيير المنشود، فكم من المخلصين عبر التاريخ ضاعت أحلامهم، وأحبطت جهودهم، بسبب التركيز على جانب واحد من الحقيقة، وهي «حمالة أوجه»، ولا يستطيع إنسان بمفرده أو حتى جماعة صغيرة أو كبيرة أن تصل إليها بصورة كاملة.

وتقبل تقديري واعتزازي بكم وبالعاملين المخلصين من أجل حقوق الإنسان في العالم بأسره، وخصوصاً في عالمنا العربي ومصر صاحبة الحضارة العريقة.

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3688 - الخميس 11 أكتوبر 2012م الموافق 25 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً