العدد 3689 - الجمعة 12 أكتوبر 2012م الموافق 26 ذي القعدة 1433هـ

مساحة حرة-دمشق

دمشق .. ؛

أسمع فيروز تغني «رُدني إلى بلادي»

وأقول... هذه ليست دمشق التي أعرفها...

دمشق الحبلى بالمطر والأحلام... وأغاني البسطاء...

دمشق...

الأنثى التي تستعد بكامل أنوثتها للعابرين.. فلا يغادرونها أبداً، لفرط ما أن ذاكرتها خصبةٌ بالحكايا...

المدينة التي تدفعك للتساؤل... أيهما سمعت أولاً... صوت الأذان أم جرس الكنيسة؟

دمشق... الأزقة القديمة الغارقة برائحة الخبز كل فجر / عبق القهوة، صوت فيروز، الباعة المتجولون، الشوارع المبللة بالماء، تحايا الصباح، شتائم سائقي الباصات، زجاجات السكارى والعاطلين عن العمل،

والطريق الطويل الطويل... بين الحاضر والماضي، بين الفرح والحزن، بين زهر الياسمين وأشجار الزيتون، وبين الغربة والوطن

دمشق...

دمشق اليوم لا تعرفني...

والشوارع التي كانت طفولتي تعبرها نحو المدارس، صارت مليئة بالجثث وبالحفر...

قفزت جدار مدرستي المثقوب بالرصاص (حديثاً)... وخلف الجدار، على الطريق الترابي...

فتشت عن شجرةٍ كنا قد كتبنا عليها ذكرى شقاوتنا... ولم أجدها...

ولم أجد خيام الغجر المنعزلين خلف البساتين البعيدة، ولا خيام النازحين عن وجعهم المحتل، ولا الياسمينات التي زرعناها قرب شجرة السرو الكبيرة.. قرباناً لأحلامنا وللندى

فتشت عن أصدقاءٍ تقاسمت معهم غبار الشوارع... فوجدتهم يختبئون خلف حواجز حجريةٍ... كلٌ في جهةٍ، يتبادلون الرصاص بلا تكلفٍ... كأنهم يتبادلون الشتائم على طاولة النرد...!

رأيت صديقاً يهبط من السماء كي يلمس ما تبقى من أوتاد خيمته ثم يمضي،

ولم يكن بحاجة للنداء كي يحييني بابتسامة الفلسطيني الذي لا ينكسر:

- لقد فوتوا عليك فرصة قتلي يا صديق

- فلسطيني مثلك لا يموت... كيف تركت أرضك وذهبت للسماء؟

- أرضنا هناك، سرقت قبل ميلادي وميلادك، وما تبقى هنا زيتون وزعتر، ونوم مؤقت

- من قتلك؟

- صديقانا اختلفا على الهوية... وكانت خيمتي أول ضحية

ثم غنى «بلاد العرب أوطاني»... وتلاشى في صدى الكلمات

ومضيت أبحث عما تبقى في البلاد من ذاكرة...

ملعب كرة القدم... صار قاعدةً لتولد قذائف الهاون ثم تتلاشى... حاملةً معها أرواح الحالمين في الريف الدمشقي

محل الفلافل... مغلق لأن دبابتين تتبجحان أمامه

بائعو الخضار غائبون عن الحياة... والعبور قربهم هدية ثمينة... قد يخسر معها القناص رصاصة أو رصاصتين

مقاهي المدينة... صارت متحفاً للفرح...

جدار الزاوية المختبئة بين الأزقة... يستند عليه ملثمٌ تثقله بندقيته ويقطع نفسه جرحه

على الجدار دم...

في المكان ذاته... تعانق عاشقان واختبرا قبلتهما الأولى... ثم افترقا يحلمان بمستقبل لا يشبه اليوم

فتشت عن دمشق في دمشق... ولم أجدها

لم أجد ذاكرة تشبه ما تركت، ولا حلماً دافئاً تتقاسمه القلوب...

لم أجد أنثىً تنتظر منذ عشرة أعوام... حبيباً لا يأتي... ولم أجد نفسي... ؛

فتشت... وسط الرصاص ولم أجد صوتاً لفيروز يغني...

لكن فيروز كانت تغني «أُحب دمشق»

رديني يا دمشق... إلى بلادي...

حسين مرزوق

العدد 3689 - الجمعة 12 أكتوبر 2012م الموافق 26 ذي القعدة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 7:46 م

      أول مره أتصفح ( صحيفة الوسط البحرينيه ) وددت أن أسجل ودي وتقديري للقائمين عليها من سيدات وساده ،، اتمنى لكم النجاح // باسم ألشمري - بغداد -

    • زائر 4 | 1:33 م

      لنغني معاً

      سوريا التي ما كنت متعلقةً بها..كأنت\r\nو بساتين الخضرة و الثغر الحسن\r\nدمشق التي كنت تحدثني مطوّلاً عنها\r\nصارت منصةً لاستعراض عضلات الحرب\r\nبعد أن كانت ملاذاً للباحثين عن السلام والحب\r\nلذا؛\r\nلنغني...\r\nلنصلي...\r\nلخلاصها من كل هذه الويلات\r\nرائع جدا\r\nوردي،

    • زائر 3 | 1:29 م

      فيروز لاتغني

      فيروز غنت للمدائن وكنا نحسبها فال حسن وما توقعنا يافيروز وصوتك الاخاد الذي اختار القمر جارا ان تكون مدئننا خرائب بعد ان كانت عمائر حضارات الزمن الماضي الجميل غنيت يافيروز الى القدس فاين القدس اليوم غنيت يا جارة القمر الى بغداد فاين بغداد عن ذلك الزمن الجميل غنيت يا فيروز عن دشق وفي عقر دارها واذا هي اليوم مهزلة للتاريخ بعد ان كانت هي التاريخ ونخاف اليوم يافيروز ان تغني الى مدائننا فعذرا يافيروز لاتغني فنحن لانساوي شيئا في هذا الزمن

    • زائر 2 | 4:40 ص

      من اجمل ماقرات

      اخيرا *-*

    • زائر 1 | 4:25 ص

      مقالة حبلى بالالم

      مقال يشبه رقص الكلمات فوق الالم، مليء بالمشاعر، بالذكرى، بملحمة الحياة والموت، وبذاكرةٍ لا تموت، وبذاكرةٍ لن تموت، ستحيا دمشق، انثى جميلة تتزين كلما غادرها حزن

اقرأ ايضاً