العدد 3710 - الجمعة 02 نوفمبر 2012م الموافق 17 ذي الحجة 1433هـ

مصر وحكم الإخوان... سلطة الجماعة أم سلطة الدولة؟

منبر الحرية comments [at] alwasatnews.com

مشروع منبر الحرية

ثمانون سنة منذ نشأة جماعة الإخوان المسلمين، وهي في صراع ليس فقط مع ثقافة المجتمع وإنما مع السلطة السياسية الحاكمة، بدأ ذلك بالفترة الليبرالية في النصف الأول من القرن الماضي والذي شهد تعددية سياسية وفكرية كان الإخوان موجودين فيها وفق رؤيتهم الفكرية والدينية، وليس وفق منطق هذه التعددية التي كان يتناوب فيها الحكم حزب الأغلبية المعارض ممثلاً في الوفد مع أحزاب أخرى لأنهم كانوا يطبقون نظرية مرشدهم التي تقول إنه «ليس هناك تحزب في الإسلام»، ولذلك فالحياة السياسية بتعدديتها تعتبر خارج فكرهم. وحتى عندما اشتركوا بعد ثورة يوليو في وضع دستور 54 كشأن أي قوة سياسية أخرى، كان هناك في الخفاء مخططهم الذي يسعون إليه والمتفق مع منطق كرههم للتحزب، ولولا الصدام الذي حدث بينهم وبين الرئيس جمال عبدالناصر في خمسينات القرن الماضي بعد مؤامرة اغتياله وانقلابه عليهم بتفكيك تنظيمهم وسجن قيادتهم، لاكتملت الصورة التي كانوا يحاولون أن يرسموها للمجتمع المصري.

وقد مرت عقود من حظر تنظيمهم في ظل وجود حاكم ديكتاتور قوي من عبدالناصر مروراً بالسادات وحتى الرئيس السابق مبارك، ولم يتخلوا عن أيديولوجيتهم، وباتوا باستغلالهم الدين في ظل الاستبداد السياسي الذي كان كفيلاً بألا ينشر العدل بين فئات المجتمع ما جعل طاقة المجتمع تتوجه صوب الرأسمال الديني الذي يمسك بجزء من زمامه الإخوان وما تفرع عنها بعد ذلك من جماعات إسلامية أخذت شكل العنف في مواجهة النظام الحاكم والمجتمع.

وعلى رغم أن عصر مبارك قد شهد ظهور الإخوان داخل البرلمان في دورات 84 و87 و2000 و2005 بشكل ملحوظ، حيث دخلوه ليس بكونهم حزباً سياسياً وإنّما بشكل مستقلين، إلا أن تفاعلات السنة الماضية من عمر الثورة المصرية التي حدثت فيها تحولات كثيرة من سقوط النظام السابق وبروز قوى سياسية جديدة بما فيها ظهور حزب ممثل للإخوان باسم «الحرية والعدالة»، طرحت تساؤلات كثيرة من بينها: هل هذا حزب حقيقي أم ديكور في الحياة السياسية يجارون به الواقع بما فيه القوى السياسية والمديرين للمرحلة الانتقالية ممثلين في المجلس العسكري ليتمكنوا من أن يهيمنوا بمنطق أدوات النظام السابق من خلال حزب مهيمن على السلطات الثلاث جاء عن طريق الانتخابات.

فالانتخابات البرلمانية إذا كانت قد جاءت بأغلبية برلمانية إخوانية ربما ظهر ذلك بكونه أمراً عادياً ناتجاً عن الانتخابات، وربما نظر إليه البعض لكونه ظاهرة صحية لتمثيل الإسلاميين نتيجة وجودهم المنظم. إلا أن واقعة تشكيل لجنة الدستور بالشكل الذي أظهر إصرار الجماعة على أن تكون قواعد كتابة الدستور بيدها، ثم المفاجأة بترشيح مرشح لهم في آخر لحظة للرئاسة في شكل يخالف كل وعودهم على مدار العام الماضي من قبل قيادات الجماعة بأنهم لن يرشحوا أحداً للرئاسة، أظهرت قدراً كبيراً من الأجندة الخفية التي طالما ظلت يعمل بها الإخوان في الخفاء منذ نشأتها والمتمثلة في فرض نظرية الحكم الخاصة بها في حالة التمكين.

فالطريق هنا بات مفتوحاً للإخوان للسيطرة على السلطات الثلاث، البرلمان بمجلسيه والحكومة والرئاسة، دون أي اعتبار من بعيد أو قريب لقوى أخرى موجودة في المجتمع، وهو ما أخذ يزيد من المخاوف لدى النخبة والرأي العام الذي بدأ ينتفض من هذا الانحراف في تصرفات الإخوان والتي لم تكن غريبة عنها على مدار الثمانين سنة الماضية. والأمر الذي يجعل الاعتقاد بأن الأدوات الديمقراطية التي أوصلتهم إلى هذا الوضع ما هي إلا وسيلة استخدموها دون أن يحيدوا عن نظريتهم في الحكم والتي كانوا يؤمنون بها في السابق في عهد مرشدهم الأول حسن البنا، والتي تحرّم التحزب والأحزاب.

ومن هنا يأتي التساؤل الثاني عمّا هو شكل توزيع السلطة في نظرية الإخوان للحكم والتي بدأت تتبلور في العام الماضي من الثورة… حيث إننا هنا إزاء سلطة رباعية الأبعاد، هرمية التدرج مبنية على السمع والطاعة وليست سلطة ثلاثية يحدث بينها توازن سلطات. فالإخوان في نهجهم للسلطة الرباعية الأبعاد يدشنون سلطة جديدة في الحكم تعلو على سلطة رئيس الجمهورية ممثلة بالمرشد ومكتب الإرشاد ومجلس شورى الجماعة الذي اتضح في الكثير من التفاعلات أن لها الكلمة العليا في الكثير من القضايا التي من المفروض أنها ليست من اختصاصها، مثل تحديد الأعضاء المئة لوضع الدستور ليختارها الأعضاء المنتخبون بعد ذلك بشكل فيه إلغاء لإرادة هؤلاء بمجرد كونهم ينتمون لحزب الجماعة، ثم تأتي بعد ذلك سلطة الرئيس، فالبرلمان، فالحكومة.

فالمرشد بمكتب الإرشاد هو الذي سيقرر، والرئيس الذي سيكون منتخباً من الشعب هو الذي ينفّذ ويكون مهيمناً بمساعدة الحكومة، ثم البرلمان يشرّع ويوافق على ما يأتي به الرئيس والحكومة دون أن يكون هناك مساس أو محاسبة للمرشد بمكتب الجماعة. والسؤال ماذا عن باقي الأحزاب والقوى السياسية الأخرى؟ هنا ستأتي الإجابة الشافية والمانعة من وجهة نظرهم، أننا أمة إسلامية واحدة، وليس فينا أحدٌ يخالف رأي الأمة أو الجماعة. ومن هنا نكون بصدد تأسيس ديكتاتورية حكم الجماعة باسم الدين، وعودة الخلافة الإسلامية التي بات مع وجود مسلمين في كل بقاع الأرض غير محددة المكان ومستحيلة التنفيذ.

وسيكون الطريق أكثر سهولةً من النظام السابق في تدشين هذه الحالة من الاستبداد غير البعيدة عن عقلية هذه المجتمعات التي يسهل السيطرة والتحكم في عقليتها نتيجة ليس فقط للظروف المجتمعية السيئة من الفقر والأمية وإنما للضعف الشديد تجاه كل ما يرتبط بالدين أو بالأساطير والغيبيات.

فما هو واضح أن الإخوان، وفقاً لنظريتهم، يوزعون الحكم والمناصب والسلطات داخل كادر الإخوان بشكل لا يتقيد بنظم الحكم الحديثة إلا في الشكل فقط، أما جوهره فلا يعكس غير أيديولوجيتهم التي تتعارض مع مدنية الدولة الحديثة من المؤسساتية وإعلاء قيمة القانون من المساواة في الحقوق أمام أبناء الوطن الواحد. ومن هنا فالنظرية الجديدة للحكم الإخواني ربما ستكون فريدة في نوعها، لكونها تحمل تمييزاً وعنصريةً ليس ضد أصحاب المذاهب الدينية الأخرى وإنما ضد المنتمين للدين الإسلامي نفسه.

ولكن السؤال هل يسهل تطبيقها في هذا العصر الذي أسقط فيها الشباب نظاماً ديكتاتورياً امتد لعقود؟ فإذا كان هناك سلطة في التحكم في عقول الأغلبية، إلا أن الأجيال الجديدة أيضاً - ليست كما كان في الماضي - لديها رؤية وحرية في الاختيار ولديها طرقها المختلفة لمعرفة الحقيقة. فالإخوان غاب عنهم أن المجتمع لن يرحمهم بمخططهم، وأن الحكم في عصر لم تعد تخفى فيه الحقائق وازدادت فيه تطلعات الناس، لن تسكت عن هفوة نظام الحكم الذي بات يدشنه الإخوان. فالناس لن يأكلوا شعارات ومظاهر خادعة بقدر ما يريدون أن يحيوا عيشة كريمة.

أسئلة كثيرة ستجيب عنها تفاعلات الواقع في مصر بكل حالات الزخم وصراعات القوى التي برهنت على أن كل فريق بات يعطى أولوية لوجوده ومصالحه حتى لو كانت على حساب الوطن.

إقرأ أيضا لـ "منبر الحرية"

العدد 3710 - الجمعة 02 نوفمبر 2012م الموافق 17 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 7:16 ص

      الاخوان فى الميزان

      قرات الشعوب أفكار وشعارات الاخوان فى الفتره الماضيه ام الان فالاخوان في الميزان بعد وصولهم للحكم وعند الامتحان يكرم المرأ او يهان ، فلنعطهم فرصه للحكم ومن ثم معرفة حقيقتهم من القضايا الاساسيه للأمه ومدي صحة وصدق مواقفهم

اقرأ ايضاً