العدد 3711 - السبت 03 نوفمبر 2012م الموافق 18 ذي الحجة 1433هـ

دور الجيوش في الدفاع عن الوطن وحفظ السلم الأهلي

يعقوب سيادي comments [at] alwasatnews.com

.كاتب بحريني

من أجهزة الدولة الحديثة المهمة أن يكون لها جيش مدرب ومسلح بأحدث العتاد والسلاح، بحيث ينافس ويتفوق على ما للعدو المحتمل، ومهامه مرتقية لحماية الوطن من أي اعتداء خارجي بالرد الفوري، أو بالبدء الاحترازي، مستخدماً ما يناسب تحقيق الغاية إلى أعتى الأسلحة.

ولكون الجيش حامياً للوطن واستقلاله، في شعبه وأرضه وبناه التحتية ضد كل من عادى الوطن من الخارج، فهو معتمد أساساً على أبناء الوطن، فمَن هو أكثر إقداماً وأكثر استعداداً للتضحية لحماية وطنه؟ فجنوده وضباطه وقادته في جميع رتبهم، هم أبناء الوطن، ويستعين بخبرات تدريبية عملية عامة من دول صديقة وحليفة، ويستورد من السلاح أطوره مصحوباً بخبراء من الدولة المعنية لتدريب عناصره الوطنية على إجادة استخداماته وإعداد مدربين وطنيين لتدريب اللاحق من استيراد السلاح أو المعدة العسكرية ذاتها، فالخبراء ليسوا أصلاً في الجيش الوطني، بل مهامهم مربوطة بأداء وظيفة محددة الوقت والإنجاز، يتقاضون مقابلها ثم يعودون من حيث أتوا.

وفي معيار الاستدامة، لا يجوز الاعتماد على جنودٍ غير أبناء الوطن، ولا حتى من الدول الجارة والحليفة والصديقة مهما كان توافق الدولة مع دولهم سياسياً وأمنياً وتحالفاً، إقليمياً أو دولياً، فالقاعدة هي الجيش الوطني، وعند الحاجة فقط، يحق للدولة الاستنجاد بجيوش الدول الحليفة، فقد رأينا كيف دبّ صراع كاد أن يصل إلى الاحتراب المسلح مع دولة صديقة، ما دفع الطرفين للتسابق على شراء السلاح، والتهديد بالحرب.

والدول الحديثة التي تحكمها علاقات متوترة إقليمياً، تعمد إلى سن قانون الخدمة العسكرية لتدرب كل قادرٍ من المواطنين، على حمل السلاح، ليكونوا بمثابة قوة احتياط تؤدي واجب الدفاع عن الوطن عند محن الحروب، وبهذا القانون يصبح حقاً للوطن على المواطن، وواجباً على المواطن تجاه الوطن، الدفاع عنه عبر التأهل على استخدام السلاح، وإجادة استخدامه، وبعد التدريب والإعداد يُجرَد المواطن من سلاحه ليُخزن في أماكن تخزين السلاح المحروسة من قبل الجيش، فلا يكون السلاح متاحاً لكلّ من هب ودب، يصله لغير تلقيه الأمر العسكري بأداء الخدمة العسكرية، ولا دخل هنا لتوجهات المواطن ومواقفه السياسية والمدنية، فهو في غير الحروب مواطنٌ مدنيٌ محرومٌ من استحواذ وحمل السلاح.

عناصر الجيش لا يحملون سلاحاً في منازلهم مهما قل شأنه، فالسلاح مكانه معسكرات التدريب والثكنات العسكرية وساحات الوغى وأماكن حفظه السرية، وتحكم حمله إجراءات معقدة تمنع استغلاله، وتحفظ إحصائياته. وفي حالات الحروب يُوزّع السلاح حسب المشاركين في الحرب دراية وحاجة لاستخدام أي نوع من السلاح الخفيف الذي يحمله فرداً، أما السلاح الثقيل المتحرك، كالطائرات والدبابات والمدرعات وقاذفات القنابل... إلخ، فمكانها الدائم المعسكرات والمطارات العسكرية، استخداماً للتدريب وتخزيناً. وهناك السلاح الثقيل الثابت، كمنصات الإطلاق والرادارات والتي تكون مثبتة في نقاط لازمة طوال الوقت، ويعتبر مكانها ثكنة عسكرية لها حرمتها.

والمُتّبَع لدى الجيوش، الطاعة العمياء حين تلقي الأوامر العسكرية من حامل الرتبة الأعلى، دون الاعتداد بمن يكون بالاسم، ولا حال نزعه البزة العسكرية، إذ إنه يكون حينها مواطناً مدنياً لا شأن له بالعسكرية. ويعرف المجند رتبة آمره من نياشين تُفصح عن رتبته، ولذا فإنه من أولويات العسكري أن يجيد بامتياز ما تُفصح عنه هذه النياشين، ويكون العسكري منتبهاً حاضر الذهن، ومُستصغِراً ذاته أمام من يعلوه رتبةً، جاهزاً في أية لحظة لتنفيذ أي أمر. ولذلك نجد أن الجندي لا يُحاسَب إلا فيما يخالف به ذلك، أما المسئولية العسكرية والوطنية والوظيفية الأعلى، فهي من مسئولية الآمرين العسكريين من ذوي الرتب القيادية. وإعلان التعبئة قد يكون سراً عسكرياً حسب الغاية، وإعلان الحرب، مسئولية وطنية عليا، يقوم عليها أعلى مستويات القيادة السياسية والعسكرية.

بعد هذه المقدمة، نأتي لدور الجيش في حفظ السلم الأهلي، فهناك حالات متعددة يلزمها إجراءات عسكرية يقوم بها الجيش دون مس بداخل الوطن، إذ إن مهامه الأساسية حمايته من أي اعتداء خارجي:

- الحالة التي تكون نتاج خوض الحرب، الأمر الذي يستوجب الحفاظ على جبهة داخلية مدنية متراصة تسند الجيش وتمده بالدعم النفسي، وديالكتيكياً يستمد المجتمع في جبهته الداخلية الدعم المادي والنفسي من الجيش، ولمنع أي احتمال من اختراق العدو للجبهة الداخلية التي ضررها ربما كان أشد منه، ولهذا تُعلن حالة الطوارئ العسكرية، التي يتسلم فيها الجيش مهام حفظ الأمن ويقود كل الجهات الأمنية الأخرى المعنية، مع استمرار باقي السلطات المدنية في السلطة التنفيذية (الحكومة)، من بعد إعلان حالة الطوارئ، وبلاغات تأمر الأطراف باتباع تصرفات بعينها، وأولها التعليمات التي تحفظ للمواطنين أمنهم وسلامتهم من جراء تداعيات الحرب والالتزام بها، والإبلاغ عن أي اختراقات للعدو، والدعوة ربما لتشكيل مليشيات شعبية يقودها الجيش لدحر العدو في الداخل. فيكون الجيش المختص الوحيد بحالة الحرب.

- الحالة التي تتمثل في حفظ النظام حيث تعجز الجهات الأمنية الأخرى تأمين ذلك، وهي حالات نادرة يكون فيها تصادم عنيف مسلح بين فئتين أو فئات الشعب، من مثل التصادمات الطائفية والإثنية سواءً كانت دينية أو سياسية. أو صراع مسلح بين الشعب والسلطة التنفيذية متمثلة في قواها الأمنية، أو حالات الصدام المسلح بين أجنحة السلطة التنفيذية باستغلال تحيز قوات حفظ النظام.

هنا أيضاً يستلزم الأمر إعلان حالة الطوارئ، لإجبار الأطراف على إلقاء سلاحها وتسليمه للجيش، من أجل وقف العنف والفض بين الأطراف المتحاربة، وتعود الحالة إلى الاستقرار، لِيُصار إلى الحل الوطني عبر الحوار والتوافق. ويصل الأمر في كلتا الحالتين في إجراءات الجيش، إلى إعلان الحرب على الطرف الباغي والمستأسد، الرافض لتسليم سلاحه أياً كان هذا الطرف، وتجريده من سلاحه بالقوة العسكرية.

- وهناك حالةٌ أخرى، هي الصدام السلمي بين الشعب والسلطات القائمة عبر التظاهرات والمطالبات الجماعية والتعبير عنها بجمع شعبي يمثل أو يربو إلى الغالبية، فيعلن الجيش حالة السلامة الوطنية تحسباً، ويلزم ثكناته أو ينزل لمحيط التظاهرات حمايةً، مراقباً تطورات الوضع، دون تدخل، وذلك إلى حين جلوس الطرفين للتحاور والتوافق، إلا في حالة أن ينزع أحد الطرفين إلى العنف، سواءً السلطة التنفيذية متمثلة في قوات الأمن، أو الشعب، فيجري ما يجري في الحالة الثانية عليه.

وكذلك التصادم السلمي بين السلطة التشريعية والسلطة التنفيذية (الحكومة)، وهو إجراء احترازي لِئلا تتطور الحالة لاستخدام السلطة التنفيذية، العنف المفرط من خلال استخدام قوات حفظ النظام.

أما الكوارث الطبيعية فيلزمها إعلان حالة السلامة الوطنية ليتكاتف الجميع، الجيش والسلطة التنفيذية بكل قواها والشعب، من أجل درء الضرر والتخفيف عن الجميع بالعلاج.

أما أمر تحريك الجيش في كل الحالات، فلا يأتي إلا من خلال أمر من القائد الأعلى للجيش حسب الدستور، ولكن الأولى والأصح إشراك القرار الشعبي من خلال التداول مع البرلمان الممثل الحقيقي للشعب، وتصديقه على القرار.

إقرأ أيضا لـ "يعقوب سيادي"

العدد 3711 - السبت 03 نوفمبر 2012م الموافق 18 ذي الحجة 1433هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 13 | 10:58 ص

      لنضع هذا المعيار ونقيس ماهو عندنا..

      وفي معيار الاستدامة، لا يجوز الاعتماد على جنودٍ غير أبناء الوطن..

    • زائر 11 | 10:14 ص

      أصبح دور الجيوش

      أما الوطن فهو لايهم ،

    • زائر 9 | 6:35 ص

      استغفر الله

      نعم الحرب الوحيدة التى دخلتها كانت ضدي ولاازال اعاني من اثارها نفسيا نعم لا اعرف كيف اتخلص من هذا الكابوس والضغط النفسي كيف صدقت اصحاب الرتب واعتديت على اخواني ..ادعوا الله ليل نهار ان يقبل توبتي واستغفاري

    • زائر 12 زائر 9 | 10:40 ص

      التوبة

      عليك اولا الاعتذار لمن اساءت لهم وبعد ذلك التوبة لله سبحانه وتعالى وسوف يذهب عنك الكابوس المزعج

    • زائر 7 | 5:23 ص

      سلطات ولا سلطان

      الكلمات ليست قليلة الا أن اللباس وتلبيس بعض المفاهيم ثياب على الموضة قد يذهب بأصل المعني الى كلمة للمتداول ليس في أسواق المال بل في المجتمعات.
      فليس من الخفيات أن أي نظام له أساس ومحور وقانون يرتكز علية وله أجهزة تمثل عناصر هذا النظام. فإذا كان النظام واحد والقانون لا يكون له سلطة واحدة . فالجيش والشرطة - أجهزة أمنية تتعاون في ما بينها لحفظ أمن الوطن والمواطن. بينما مجالس البلديات والمحافظات تعمل كأجهزة تنفيذيه مثلها مثل بقية المجالس.
      فأي سلطة تكون فاعلة ولها نافذة كالتنفيذية و التشريعية?

    • زائر 6 | 5:15 ص

      غاب القانون أم تعددت السلطات

      الأعمال كثيرة منها الغير خيرية لكنها مشهورة وقد لا تتماشى وعمل الجيوش هي الابتسام في وجوه الناس، وترك الخصام وإفشاء السلام. فكلها شرعية وقد لا تكوم مرعية لكن لها أسس وقواعد.
      عمل الجيش كما الشرطة أجهزة أمنية للمحافظة على الإنسان وأشياءه الخاصة والعامة والوطن لم يخلق الإنسان من التراب والدم في علاقة شرعية بلا عقد زواج. وقد لا يكون من البديهيات أن الوطن ومن عليه من نبات وحيوان وإنسان مسئولية أجهزة أخرى مثل المجالس البلدية ومن في حكمها؟

    • زائر 5 | 4:27 ص

      رب ارجعوني,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,,

      قلبت المواجع والفجائع يا كاتب, وليتك تركت الجراح علها تندمل, وتركتنا والحل الأمني القديم الجديد المطهر والمستتب, فما نحن اليوم فيه ليس إلا من بركات الجيوش,

    • زائر 4 | 1:24 ص

      الحرب الوحيدة التي عشتها

      كانت ضدي!!!!!

    • زائر 2 | 12:08 ص

      ابوعبداللة

      تدرب الجيوش علي ولاء معين اما ان تعطي الولاء الي الوطن ومثال مصر و تونس او انها تعطي الولاء الي القيادة و المجند لا يعرف التعامل مع اعمال الشغب في المدن فهو مدرب علي اساس مواجهة الاعداء وليس مظاهرات اي كان نوعها ستكون ردة الفعل لدية اطلاق الرصاص علي الهدف و هو ما تم تدريبة علية ان يصيب اي جسم متحرك في المنطقة المراد حفظها انزال الجيوش الي الشوارع لمواجهة حراك معين يدل علي محاولات قتل الحراك الي الابد واراقة الدماء .وادخال البلدان في فوضي عارمة

اقرأ ايضاً