العدد 3727 - الإثنين 19 نوفمبر 2012م الموافق 05 محرم 1434هـ

عاشوراء... و«الإحياء الجديد»

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

عندما كنت في تايلند الصيف الماضي أدهشني العدد الهائل لتماثيل «بوذا» المنتشرة في الطرقات وعند مداخل المباني، وفي الحدائق والأماكن المفتوحة.

كنت أجد في كل زاوية وزقاق المظاهر الدينية ماثلة كجزء من ثقافة البلد وتقليده، ولم يكن مستغرباً أن تجد حسناء تايلندية تقف بوقار في طريق عام وهي تضم كلتا يديها إلى نحرها أمام التمثال المقدس. شعب يقدر عدد سكانه بنحو 66 مليون نسمة، ويضم خليطاً متنوعاً من الأديان والمذاهب يعيشون في تسامح «حقيقي»، ويتحوّل كل مواطن فيه بوذياً كان أو مسلماً أو مسيحياً أو هندوسياً إلى «حارس أمين» لأصغر تمثال لبوذا موضوعاً في أصغر زقاق في هذا البلد الذي يقع في المرتبة العشرين في العالم من حيث عدد السكان.

في تايلند لا تجد بوذياً يستفزه وجود المسجد، ولا تجد مسلماً يبدي تبرماً من هذا العدد الهائل من التماثيل التي تملأ البلاد طولاً وعرضاً. الرموز الدينية هناك مقدسة وعابرة للخصوصيات المذهبية والدينية، فهي على اختلافها تمثل «الهوية» الجامعة لشعب قرّر أن يعيش بسلام، شاقاً طريقه في سبيل نهضة اقتصادية وتجربة سياسية واعدة.

في البحرين هناك تقاليد مرتبطة بإحياء ذكرى شهادة الإمام الحسين بن علي (ع)، وهي إلى جانب كونها مناسبة إسلامية، فإنها تعبّر عن ثقافة مجتمع لها من العراقة والرسوخ التاريخي ما يؤهلها للتحول إلى «تقليد وطني» تتضافر فيه كل الجهود الأهلية والرسمية لحراسته والمساهمة في دعم عملية إحيائه بالشكل الملائم. غير أن ما تتناقله الأخبار الميدانية لا يبشر بخير مع الأسف، فقد حدث استفزاز صارخ تمثل في عمليات إتلاف وإزالة لليافطات والرايات الدينية التي تنتشر هذه الأيام في مناطق شيعية خالصة من قبل مجموعات محسوبة على قوات مكافحة الشغب، وهو نهج لا نجده يحقق الأمن والسلام الاجتماعي، بل يهيئ الساحة لمزيد من الصدامات العنيفة ويقود لمواجهات لا تحمد عقباها.

لقد ظلت هذه المراسم الدينية تقليداً حياً لدى معظم المجتمعات الشيعية، ويذهب بعض الدارسين للتراث بأن هذه المراسم بدأت في المجتمعات الشيعية في صيغتها المنظمة منذ القرن السابع الميلادي؛ وقد اعتُبر إحياء عاشوراء منذ ذلك الحين من أكثر الممارسات الاجتماعية والثقافية أهمية في هذه المجتمعات.

لقد اختُزلت المراسم الدينية لمناسبة عاشوراء في فترات الاضطهاد السياسي وكانت تمارس بشكل خاص ضمن المنازل، في حين أن هذه المراسم شهدت تطوراً وتوسعاً مكانياً ضمن المجال العام في الفترات التي حظيت بها المجتمعات الشيعية بدعم الدولة أو تجاهلها؛ حيث أضحت مراسم جماهيرية تتفاعل مع المجال العام. وكان من نتيجة التطور الحاصل في عملية الإحياء اتساع وتنوع واضح في طرق الإحياء ما أدى لظهور فنون بصرية هائلة، فنشأ المسرح الملحمي الديني، وتطوّر كماً ونوعاً «أدب النعي» الحسيني الذي يحمل في الكثير من مضامينه مدلولات سياسية واجتماعية تعكس أوضاع الحالة الجماعية للمعزين.

وفي البحرين، شهدت مراسم إحياء عاشوراء تطوراً ملفتاً من حيث استغلاله في المجالات التي تخدم المجتمع وتعزز تماسكه الاجتماعي وتعمل على تقديم يد العون والمساعدة لمن يحتاجها، وربما تمثل حملة الإمام الحسين للتبرع في نسختها 14 ضمن هذا الشكل الحضاري الجميل من الإحياء، كما عكف البحرينيون على تسخير الجانب الإعلامي في نشر أهداف النهضة الحسينية في الإعلام التفاعلي، ودخلت المرأة والطفل ككوادر فاعلة في عملية الإحياء.

«الإبداع الإنشادي» هو أحد أوجه ثقافة الإحياء الجديد لدى البحرينيين، فعبر «الإصدارات الصوتية» المتميزة لمنشدين دينيين مخضرمين وشباب بالتعاون مع شعراء صقلتهم مهارة النظم، وساعدتهم خبرتهم الطويلة في هذا النوع من الكتابة الأدبية التي لا تكون بعيدة في الغالب عن ظلال الحاضر وإن استمدت موضوعها الأساسي من أحداث التاريخ الإسلامي الغابر، ولمثل هذه الإصدارات الصوتية رواج كبير في المجتمع تتكثف بصورة واضحة في هذه الأيام.

غير أن المقلق هو بروز بعض الظواهر السلبية في عملية الإحياء العاشورائي؛ أبرزها ما وفد على مجتمعنا من ممارسات خاطئة يتم استنساخها من بيئات اجتماعية تختلف كل الاختلاف عن أعراف وثقافة المجتمع المحلي، لعل أبرزها رواج ما يعرف بـ «ركضة طويريج» التي وفدت من العراق، و «المشي على الجمر»

التي وفدت من شبه القارة الهندية، ناهيك عن «ضرب القامة» وهي ظواهر نتمنى من علماء الدين أن يتصدّوا لها بشجاعة وحكمة لما لها من ضرر كبير على الصورة الحضارية والسمحة للإسلام.

ولابد هنا من استذكار موقف المصلح الديني السيدمحسن الأمين العاملي (ت 1952) الجريء والشجاع في مواجهة بعض هذه المظاهر السلبية التي ارتبطت بطقوس عاشوراء، حيث واجه السيدالأمين هذا الأمر بمشروع إصلاحي يستهدف «إصلاح» المنبر الحسيني ما علق به من أحداث تاريخية مشكوك في دقتها، ثم «تخليص» الشعائر الحسينية من بعض المظاهر السلبية والتي كان أبرزها «ضرب الرؤوس بالسيوف والقامات وبعض الأفعال المستنكرة، وقد صار ذلك كالعادة التي يعسر استئصالها ولاسيما أنها ملبسة بلباس الدين» كما قال في موسوعته «أعيان الشيعة».

ولقد قام السيدالأمين فيما يتعلق بإصلاح المنبر الحسيني بتصنيف كتاب «المجالس السنية في مناقب ومصائب النبي والعترة النبوية» في خمسة أجزاء ليكون مصدراً يعتمده الخطباء في إيراد أحداث التاريخ الصحيحة. ولقد أحدثت مواقف السيدالأمين الإصلاحية في أواخر العشرينيات من القرن الماضي انقساماً حاداً في المجتمع والحوزة العلمية، فقد أيده فيها المرجع الديني السيدأبوالحسن الأصفهاني (ت 1945) الذي كان قد أفتى قبله بحرمة استعمال السيوف والسلاسل والطبول والأبواق، إلا أنها لم تثر ضجة، لأن الأصفهاني اكتفى بطرحها كفتوى ولم يعمل على تحويلها إلى حركة إصلاحية.

واجب إظهار عاشوراء بالمظهر اللائق يقع على عاتق علماء الدين، والمجتمع أفراداً وهيئات، وحيث يدرك كل طرف مسئوليته الأخلاقية والشرعية فإننا سنتمكن من جعل هذه الفعاليات مراسم حضارية بكل المقاييس.

*********

إلحاقاً بموضوع «آل قاروني: ذكريات الغربة الطويلة» الذي نشر الأسبوع الماضي ضمن هذه المساحة، يتعين تصحيح ما قد يبدو أنه قد صيغ بشكل ملتبس بعض الشيء؛ وهو أن لقب «القاهري» بدأ في العام 1925 مع سيدمحمود سيدمحمد سيدعبدالقاهر «القاروني». كما نشير إلى أن السيدحمزة القاروني (1890 – 1942) هو من مواليد البحرين، وكان قد قدم مع والده سيدعبدالقاهر إلى البلاد لفترة لم تطل فيما يبدو، إذ سرعان ما عادت العائلة للمحمرة ثم لم تلبث أن عادت «عودتها الثانية» لتستقر في البحرين منتصف القرن الماضي.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3727 - الإثنين 19 نوفمبر 2012م الموافق 05 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 8:03 ص

      السلام عليكم والسلام على الحسين وعليى اولاد الحسين

      لم تذكر بروز بعض الظواهر السلبية مثل كثرة المضيفات وكثرة الأكل والتجمع عند المضيفات ووضع المسجلات والتلفزيونات والسماعات التي تصرخ باعلى صوتها غير مهتمين بالمنازل المجاورة ...

    • زائر 4 | 4:05 ص

      كربابادي

      أوافقك الرأي في مسألة ضرب القامات والمشي على الجمر واختلف معك في ركضة طويريج .. نتفق او نختلف في الرأي والمهم تجنب التسقيط.

    • زائر 1 | 10:05 م

      استهداف الشعائر يستفز المواطنبن

      استهداف الشعائر يستفز المواطنين وستبقى قضية الحسين حية في قلوب الاحرار مهما صيقوا الخناق

اقرأ ايضاً