العدد 3733 - الأحد 25 نوفمبر 2012م الموافق 11 محرم 1434هـ

الأجهزة الإلكترونية وغربة البيوت

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كنت انتظر لإنزال بعض البرامج في هاتفي حينما رأيت طفلين في عمر الثامنة تقريباً، دخلا المحل لشراء أشرطة الألعاب الإلكترونية، ويبدو أنهما من الزوار المنتظمين لشرائها!

دارت في ذهني للحظاتٍ كيف تغيرت الأزمنة، وكيف يسمح لهم الآباء بما يشترونه؟ فبعضها قد يكون شديد العنف، ما يؤثر سلباً عليهم، وقد يصابون بالعدوانية. وما هو الوقت المسموح لهم للعب بها؟ وماذا عن دروسهم؟

وشرد ذهني ليعمل مقارنة سريعة ما بين البراءة في زماننا وبين زمان أطفالنا، فبعد أن كنا نتسرب خلسةًً بعد المدرسة لشراء الحلويات كالآيسكريم والشوكولاتة التي كانت محرمة علينا لأنها مفسدة للشهية قبل الغداء، وكانت هي الشيء الأخطر الذي كان مخيفاً أيامنا!

كانت خياراتنا محدودة، ولم تكن ضارة كألعاب اليوم، كما كانت بريئة ومسلية حين نقارنها بألعاب أطفالنا التي تصيبهم بالإدمان. كما كانت القراءة أهم ألعابنا، إلى جانب ألعاب الشطرنج والطاولة و»التيلة» وركوب الدراجة وتطيير الطائرات الورقية والكثير من الألعاب البسيطة الأخرى! وبمشاركة إخوتنا ووالدينا كنا نرتب وننظف البيت ونتعاون على غسل الصحون وزيارات الأهل والأصدقاء كعائلة متجانسة ومتشاركة مُحِبة وسعيدة، ولم نشعر بأنه ينقصنا شيء! وكان ذلك يزيد من الحميمية بين الأهل، ويخلق نوعاً من التعاون الأسري والتدرب على شئون حياتنا.

كان لدينا الكثير من الوقت للجلوس معهم، والتمتع بالأحاديث الشيّقة ومناقشة ما يدور بأفكارنا وفي العالم، من سياسة وتاريخ وقصص، والتعرف على العالم وأمور الدنيا، مع سماع نصائح الوالدين والضحك مع الجميع، وتبادل الخبرات الحياتية وما تكونه من نضج في الشخصية.

أما اليوم فالجميع مشغولون كباراً وصغاراً، ولم يعد هنالك وقت للكلام أو العمل المشترك، وقلّت الزيارات ولمة العائلات؛ فالأم قد تعمل في وظيفة ثم تعود لمتابعة شئون المنزل والأطفال، وما تبقى لديها من الوقت تشغله بالآيباد والكمبيوتر، وبعدها تمسك الآيفون أو الجالكسي أو مشاهدة التلفزيون وحيدةً، ولا وقت لمجالسة الأبناء، فهم أيضاً مشغولون بأجهزتهم ولن يستجيبوا لما تقوله.

والوالد بعد العمل يكون وحيداً، وأيضاً مع الأجهزة الإلكترونية ومدمناً بممارسة الألعاب الإلكترونية ( video games ) أو على النت والشات! ولا دخل له في شئون البيت، ويعتبرها مسئولية الزوجة حيث لايزال يعيش بعقلية «السي سيّد»! كما تحتل مباريات الكرة الدولية والمحلية الاهتمام الأكبر، ولها قدسية خاصة.

أما الشباب فلقد أبدعوا بتنزيلها من على النت، وأصبحوا مدمنين بشكلٍ غير طبيعي على جميع الألعاب الإلكترونية وبدرجاتٍ تتخطى حبهم لآبائهم وعائلاتهم، ويتفوق حتى على الهامبرجر!

والمؤسف أنهم يتابعون أدق التفاصيل عن لاعبي الكرة الأجنبية الأفاضل، وبلدانهم ومن اشتراهم ولباسهم، وتقليدهم في حلق شعورهم! لقد باتوا يعرفون عنهم أكثر مما يعرفونه عن مجتمعهم وإخوتهم وآبائهم، بل أكثر من أنفسهم! وبهذا نرى أنه لم يعد هناك وجودٌ للعائلة، والكل يعيش وحيداً وهم تحت سقفٍ واحد!

لقد غابت الحميمية بين العائلة وانشغل الجميع بكل شيء، وسُرقت الأوقات لصالح الإلكترونيات وتفككت العائلة وأصبحت تعيش في غربة البيوت ودفء الأجهزة الحديدية. وبالرغم من رؤيتهم لبعضهم إلا أنهم غرباء ولا توجد بينهم حميمية زمان؛ لأن هذه الوحدة مع الأجهزة تخلق الكثير من الانعزال والأنانية والجمود العاطفي.

لقد أصبحت العلاقات من نوع «تحصيل حاصل»؛ نظراً للحاجة المادية ولزوم الإعاشة التي تضطرهم للتواجد في بيوت العائلة، وذلك يفسر قسوة القلوب في التعاملات العائلية اليومية، وظهور طبقة عقوق الوالدين، وعدم احترامهما أو المساهمة في تقديم أي دعمٍ لهما وعلى الأخص الدعم العاطفي.

وتزداد الحالة عندما يخرج الأبناء من البيت العائلي، فنراهم يزدادون غربةً وابتعاداً، لأن الأمر يصبح بعدها خارجاً عن إرادتهم إذا ما تركناهم صغاراً يلعبون ويدمرون نفوسهم الغضة البريئة، وينسون الوالدين والأقارب ويبتعدون، وتصبح زياراتهم للأهل نادرة.

إنها الحضارة الحديثة والخطيرة التي تمكنت من الإنسان بإشغال جل وقته في أشياء لا قيمةً حقيقية لها. هي سرقت أبناءنا من أحضاننا وأضاعتهم في غياهب الأجهزة المدمرة وبإذنٍ رسمي منا، علنا نتدارك ذلك قبل فوات الأوان إن لم يكن قد فات فعلاً!

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 3733 - الأحد 25 نوفمبر 2012م الموافق 11 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:30 ص

      عصر المعلومات

      إنه جيل السرعة وجيل توفر المعلومة بشكل سريع جدا جدا جدا، جيل أنظمة المعلومات يعني أن كل فرد له نظام أو أكثر وكل نظام مشوق في طريقة العرض وجلب المعلومة

    • زائر 8 | 3:16 ص

      عجيب

      السؤال الذي يستحق عناء البحث له عن جواب: اشلون الناس تعيش وسط هالمشاغل و نمط هالحياة؟ لابد من انه انجاز في ادارة الوقت

    • زائر 7 | 3:14 ص

      شكرا على اثارة الموضوع بهذه الاهمية ولكن

      اثارة الموضوع عمل جيد ولكن اين الحلول المقترحة من قبل الكاتبة عتقد بانه موضوع ناقص

    • زائر 6 | 3:12 ص

      شكرًا لك

      موضوع ملموس في كل بيت ، بل إشكالية حديثة وجدت في بيوتنا ، فيا ترى ما الحلول ؟

    • زائر 5 | 2:45 ص

      إي والله...

      وعلى المدى البعيد سنرى تأثيرات هذه التطورات بشكل مخيف على مجتمعاتنا التماسكة والمتسمة باجتماعيتها وعفويتها... والله يستر من الجاي

    • زائر 3 | 2:32 ص

      شكرا على اثارة الموضوع بهذه الاهمية ولكن

      اثارة الموضوع عمل جيد ولكن اين الحلول المقترحة

    • زائر 1 | 10:10 م

      هناك ما هو أهم

      هناك ما هو أهم وأولى بالاهتمام والكتابة لان هذا النوع من الكتابات لها مجالها

اقرأ ايضاً