العدد 3751 - الخميس 13 ديسمبر 2012م الموافق 29 محرم 1434هـ

قصة «مناهل»

قاسم حسين Kassim.Hussain [at] alwasatnews.com

كاتب بحريني

هذه ليست قصةً لأحد القصَّاصين والروائيين، وإنما بطلتها ومؤلفتها شابة بحرينية من هذا السواد الأعظم في هذه الأرض الطيبة.

مناهل، قرأت قصتها قبل أيام، منشورةً في العدد التجريبي الأول الذي أصدرته «جمعية البحرين لرعاية مرضى السكلر»، واختارت صورتها للغلاف، وقصتها وسط العدد، الذي اشتمل على فعاليات الجمعية وبعض الهمسات الصحية والأدبية في 16 صفحة. وتقوم على إصداره مجموعة من الفتيات ويقوم بالتنسيق والمتابعة شاب آخر. كما اشتمل على زاوية للكاريكاتير، تتناول عدة قضايا مؤرقة لمرضى «السكلر»، من بينها الزواج دون فحص طبي، وعدم وجود كرسي للمريض فينصحه موظف الاستقبال بإحضار كرسي من بيته، وقلة الكادر الطبي في طوارئ مستشفى السلمانية المركزي، وما تعانيه الممرضات من ضغوط ومهمات تثقل كاهلن.

الجميل في هذا الإصدار «سكلر»، والذي اختار له المخرج خطاً متكسراً، أن هذا الطاقم أغلبه من المتطوعين وليس من المصابين بالمرض، في وقتٍ يشهد العمل التطوعي تراجعاً في المشاركة، رغم تخصيص الأمم المتحدة يوماً للاحتفال بالمتطوعين (5 ديسمبر)، حيث أشاد أمينها العام، بان كي مون، هذا العام بـ «روح التطوّع التي ترتكز على قيم التضامن والثقة المتبادلة، ومن خلال بذل الوقت وتقديم المهارات دون انتظار عائد مادي، حيث ترتفع معنويات المتطوعين أنفسهم لشعورهم أن لديهم هدفاً ليحققوه».

قصة مناهل تقدّم صورة مشجّعة للفتاة البحرينية الدؤوبة، التي سجلت حضورها في مختلف الميادين، التربوية والاجتماعية والثقافية والسياسية. وخصوصية هذه القصة أنها فتاة مصابة بمرض فقر الدم المنجلي، «تحمل في قلبها طموحاً لا يعرف الكلل، ونجاحاً لم يثنه تخاذل أو ملل». تحدّت الظروف والصعاب، وتفوَّقت على مرضها، ولم تتوقف عند الحصول على شهادة الدبلوم في الهندسة المعمارية، بل حصلت على البكالوريوس والماجستير في هندسة المساحة. وكثيراً ما كانت تواجَه بسؤال تقليدي: هل أكملت الثانوية؟ فتجيب بكل اعتزاز: نعم، وانهيت الماجستير وأطمح للدكتوراه. وحين سُئلت عن سر هذه الإرادة أجابت: «مصدر إيماني رب رحيم، أما ثقتي فمن اجتيازي لصعوبات لم ولن استسلم لها». وتعيد الفضل لأهلها باعترافها بدور والدتها الحنون، التي ألهمتها أن المرض اختبار يجب اجتيازه.

عاشت طفولتها في المستشفى، وكان عليها أن تتكيف مع مرض مزمن تتقلب أعراضه كالطقس، وكان الأطباء يجزمون بموتها في الخامسة أو السابعة من عمرها، ولكنها عاشت وواصلت حياتها بكفاحها. وكان هدفها إكمال تعليمها، ورغم غيابها المتكرر بسبب نوبات المرض، إلا أنها كانت متفوقة في دراستها.

الأكثر إثارة في الموضوع، ما تعرّضت له مناهل من موقف أمام زميلاتها في الجامعة، حين أوقفها دكتور أحد المواد وخاطبها أمام الجميع: «انظروا! تريد مني أن أوقع على أوراق إجازتها المرضية، فهي لا تحتاج لذلك، فمكانها الطبيعي هو البيت أو المستشفى، فلا أعرف لماذا تجهد نفسها». ظن الجميع أنه سيكون آخر يوم لها في الجامعة، إلا أنها أثبتت لزميلاتها وللدكتور أنها تمتلك من طاقة التحدي والثقة ما لا يملكه كثيرٌ من الأصحاء. وتهمس له من بعد وهي تفتخر بامتلاكها شهادة في المسح الجوي الفوتوغرافي، لا يحملها إلا قليلون: «شكراً لك لأنك كنت أحد الحفر التي تمكنت من قفزها».

مناهل تقدم لنا درساً بليغاً في الإرادة وتحدي الصعاب، وتختمه بالقول: «إن كانت الحياة مدرسة، فالسكلر أعظم أساتذتها». إنه فن تحويل الألم إلى... أمل.

إقرأ أيضا لـ "قاسم حسين"

العدد 3751 - الخميس 13 ديسمبر 2012م الموافق 29 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 16 | 1:40 ص

      مناهل

      زائر2
      لايوجد حظ ..بل يوجد ارادة وتكيف مع الذات انت من تستطيع تغير وجهت نظر كل بشر تجاهك..
      زائر3
      روحك الأجمل..لا تعولي قصور بدنك على المسؤلين لن يعرف احدا كبر حجم معاناتك اكثر من شخصك الكريم..مع العلم لست موظفة حكومية..
      زائر 4
      لا أملك حقا في رد على كلاماتك لأنه ايماني بان الرب اهداني مرض وبه رحمة.

    • زائر 15 | 12:16 ص

      تتمة مناهل

      الزائر5
      نعم هو دكتور جامعي ولكن اخلاق لا تدرس في جامعات
      الزائر6
      العلم سلاح
      الزائر7
      نعم اهلي من اسموني مناهل فكل الشكر لهم وماهذا إلا جهد يسير لأرد لهم جميل تربيتي اما سفيرة فوق العادة فهي كبيرة جدا على كائن صغير كمناهل
      الزائر 10-11-12
      الأمل نبته مزروعة بأحشاء كل انسانتمنو بالايمان بها وتظللنا بظلها حين نعمل على تغذيتها ..لست سوى بشر مثلكم أحبتي
      شكرا لكل من علق على قصتي وشكري الكبير للكاتب المقال
      مناهل

    • زائر 12 | 6:54 ص

      دروس رائعة من الحياة

      و من يتهيب قفز الحفر\r\nيعش ابد الدهر تحت الحجر

    • زائر 11 | 5:05 ص

      إنها روح الأمل بغد أفضل

      بوركت يا مناهل وسدد الله خطاك لقد الهمتني فكرة القفز على الحفر وما أكثرها في حياتنا الشاقة والله المستعان

    • زائر 10 | 4:37 ص

      ليت عندي عزم مناهل

      القسوه في التعامل مع المريض اشد وطئه من الالم ولي مواقف كثيره

    • زائر 9 | 2:18 ص

      عقاب؟

      الله يهديك يللي قلت في تعليقك "عقاب للمشركين"؛ حبيبي احنا اتباع آل محمد؛ أخلاقنا رفيعة وردنا عليك: ووردة وابتسامة؛ روح الله يهديك

    • زائر 7 | 1:36 ص

      ابا هاشم تحية لك والي مناهل

      اهلها اسموها مناهل وهي مهندسه بامتياز وارجو ان تسمح لي بأن القبها : سفيره فوق العاده للحياة بكل معانيها

    • زائر 6 | 1:17 ص

      دروس وليس مجرد تنظيرات

      فعلا قصة فيها عبرة سواء للمصاب او غير المريض...... فالمريض بالسكلر هذا نموذج امامه لكيفية تخطي الصعابات وقبول التحدي والحصول على النجاح.كما انها نموذج للشباب الاصحاء ممن تحبطهم الاوضاع السياسية والاقتصادية عن مواصلة الدراسة للعمل على النجاح واثبات الذات. اهتموا بالعلم وتشبوا به فهو طوق انجاة.

    • زائر 5 | 1:04 ص

      مشكلة

      هل هذا مدرس جامعي ام بواب ؟ اين الاخلاق وطريقة التعامل؟

    • زائر 4 | 12:38 ص

      عقاب

      عقاب للمشركين
      لعلهم يرجعون للحق

    • زائر 13 زائر 4 | 1:17 م

      قصدك من "بالمشركين" ؟؟

      المرض إمتحان من رب العالمين و من يمتحنه الله بالبلاء يعطية الأجر و العافيه بالمقابل يا " يامسلم"!!

    • زائر 3 | 12:16 ص

      كم لك روح جميلة

      كلمااتك دروس ، لي قصة مشابهه قليلا ، و لكتي لست مريضة سكلر ، لا اعلم لماذا يتغافل المسؤولون عنا في كل شي نحن اصحاب الامراض المزمنة اولى بالوظائف الحكوميى الثابتة، و انا اطمح لها حتى استطيع دراسة الماجستير

    • زائر 2 | 11:16 م

      مناهل محظوظة ذلك لأن الحفر التي تخطتها كانت خارج الاسرة اما اذا كانت من داخل الاسرة وينظر إليك بأنك شخص عاجز لا يعتمد عليك وانك مجرد حاجة تالفة هنا يكون التحدي اكبر واعظم

اقرأ ايضاً