العدد 3752 - الجمعة 14 ديسمبر 2012م الموافق 30 محرم 1434هـ

مساحة حرة - المَبَادِئُ وَالقِيَمُ مِنَ المَنْظُورِ الإِسْلامِي

تمتلك الإنسانية مخزوناً من القيم العالية والمبادئ السامية التي متى ما تمسك بها الإنسان ارتقت به إلى مصافِّ الملائكة بل وتجاوزته، ومتى ما انفكَّ عنها وتنازل عن التمسُّكِ بها تردَّى مستواه وتسافل به إلى أخس الموجودات.

مفهوم المبادئ

المبادئ جمع مبدأ، والمبدأ من حيث الصناعة الصرفية اسم مكان البداية، وهي الشروع في الشيء، وعرَّفها ابن منظور بقوله: "والبَدْء: فِعْلُ الشيءِ أَوَّلُ"، أي "بَدأَ بهِ". لِذا قيل: مبادئ العلمِ أو الفن أو الخُلَقِ أو الدستور أو القانون هي قواعدُهُ الأساسيّة التي يقُوم عليها ولا يخرج عنها؟

مفهوم القيم

قال ابن منظور: والقِيمةُ واحدة القِيَم، وأَصله الواو لأَنه يقوم مقام الشيء، والقيمة ثمن الشيء بالتَّقْوِيم. تقول: تَقاوَمُوه فيما بينهم، وإذا انْقادَ الشيء واستمرّت طريقته فقد استقام لوجه. وقال آخرون إنها: هي الشيء الذي يقدَّرُ به المتاع؛ أيَّ يقوم مقامه ومنه التقويم. ولهذا يقال: قوَّمْتَ السلعة إذا حَدَّدتَ قِيمَتَها وقَدَّرْتَها فأصبحت لها قيمة معلومة.

جميل صُليبا يشير في معجمه عن القيمة إلى أن القيمة تطلق على كل ما هو جدير باهتمام المرء وعنايته، لاعتبارات اقتصادية، أو سيكولوجية، أو اجتماعية، أو أخلاقية، أو جمالية، وقيمة الشيء من الناحية الذاتية هي الصفة التي تجعل ذلك الشيء مطلوباً ومرغوباً فيه عند شخص واحد أو عند طائفة معينة من الأشخاص.

نظرة الإسلام للمبادئ والقيم

أولى الدين الإسلامي شأنه في ذلك شأن الأديان السماوية أهميةً بالغةً بمنظومة المبادئ والقيم الإنسانية، حيث سعى إلى إبرازها وتوجيهها نحو التكامل، وَدَفَعَ الناس إلى الأخذ بها، والعمل على ضوئها، والالتزام بها قولاً وعملاً.

والهدف من ذلك هو ترسيخ هذه المبادئ والقيم لتغدو طابعاً يطبع الإنسانية في كل أبعادها، وثقافةً متجذِّرةً في العقل والوجدان البشري، وهو ما سينعكس لا محالة على ثقافة الفرد وسلوكه سواء على مستواه الشخصي، أو على المجتمع من حوله.

ومن دون شكٍ فإنَّ المنصفين قدْ لمسوا حقيقة التوجه الإسلامي في هذا الشأن وغيره مِنَ الشئون، وشاهدوا رايته خفَّاقةً مُرَفرِفَةً، لا يملكُ المُبصرُ لها إلا أنْ يصفها بالحضارة والإنسانية التي تستطيع النهوض بالواقع الإنساني.

والشواهد في ذلك كثيرة؛ فالشريعة الإسلامية السمحاء كانت ولاتزال تدعم حرية الدين "لاَ إِكْرَاهَ فِي الدِّينِ"، وحرية التعبُّدِ والمعتقد "لَكُمْ دِينُكُمْ وَلِيَ دِينِ"، والانفتاح على النتاج الفكري للآخر المختلف "يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا"، ويرفض الانغلاق والجمود والتقوقع "قُلْ هَذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللَّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي"، وأَنْ لا فضل لأحدٍ دون أحد: "إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ"، والمدار في كل ذلك هو المعرفة والعمل: "لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلا"، وفي النتيجة: "وَقُلِ الْحَقُّ مِن رَّبِّكُمْ فَمَن شَاء فَلْيُؤْمِن وَمَن شَاء فَلْيَكْفُرْ".

بناءً على ما تقدَّم يتضح لنا شيءٌ يسيرٌ من المبادئ والقيم التي عاشتها البشرية مُنذُ أَنْ خَلَقَ اللهُ الكون وما فيه، وأكَّدَت عليها رسالات أنبيائه ورسله والمصطفون من خلقه، رعايةً لِعبَادِهِ، وهدايةً لهم، وإنقاذاً لأنفسهم من الوقوع والسقوط في طرق الرذيلة والأخلاق الذميمة، لِتزدَهِرَ الحضارات، وتَحيى بها الشعوبُ وتقوم عليها سعادة المجتمعات، والتي من أجلها يكون الإقدام على التضحية في سبيل بقائها حيةً فتيةً يُعدُّ أمراً هيناً، وجزاءً يسيراً لِما تحتله هذه الفضائل والمكارم التي هي في الأصل مبادئٌ وقِيمٌ... وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

أحمد عبدالله

العدد 3752 - الجمعة 14 ديسمبر 2012م الموافق 30 محرم 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً