العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ

المحتوى العربي على الإنترنت: إشكالية الكمِّ والنوع

منذ سنوات والحديث يدور حول المحتوى الرقمي باللغة العربية، وتكاد الآراء تجمع على أن هذا المحتوى، على رغم وجود مواقع متخصصة محدودة، «لا يرقى إلى مستوى الطلب عليه»، وهي حقيقة لا يقتصر تأكيدها في الدراسات والإحصاءات فحسب، بل نلمسها كل يوم.

فمَثَلُ من يبحث في الشبكة الإلكترونية باللغة العربية عن موضوع جادّ كمثل من يبحث عن إبرة في كوم من القش. إذ طالما تختصر نتيجة البحث المضني بعدد من الروابط التي تقود الى صفحات ملونة براقة. تلك هي في الواقع منتديات معظمها مغلق. وفي أحسن الأحوال يعرض عليك بعضها الانضمام عبر استمارة بسيطة.

لكن الدخول إلى تلك المواقع لا يمنح الشعور بأنها تلبي جزءاً من الحاجة، بل حتى المواقع الأكثر جدية، إن توفرت، لا تشبع الفضول، في معظم الأحيان.

من هنا يبدو أن المحتوى ليس شحيحاً وحسب، كما يصفه المتابعون ومراكز البحث والإحصاء، بل ضعيف أيضاً من حيث النوع والقيمة، اذا ما استثنينا بعض المواقع الجادة.

تكرار المحتوى

المشكلة الجوهرية هي أن كمّ المحتوى العربي ونوعه لا يتناسبان مطلقاً مع ازدياد الحاجة إليه. وينعكس ذلك في التالي:

أولا، الفجوة كبيرة بين عدد المستخدمين العرب لشبكة الإنترنت وحجم المحتوى العربي.

وثانيا، التناسب مختل بين موقع اللغة العربية المتقدم في قائمة اللغات على الإنترنت (المرتبة السابعة في قائمة اللغات الأكثر استخداماً) والمادة المنشورة بهذه اللغة.

وأخيراً، المواد المنشورة لا تشبع شغف الباحث عن المعلومة والمعرفة.

تختلف أعداد مستخدمي الإنترنت من بلد عربي لآخر وفقا لعوامل عدة.

لاشك أن لنوعية المحتوى الرقمي أهمية خاصة إذا علمنا أن بعضه ركيك وبعضه الآخر مكرر في أكثر من موقع، وخصوصا أن مواقع إلكترونية عديدة تعيد نشر المقالات والمواد بعد استنساخها من موقعها الأصلي وتجريدها، في كثير من المناسبات، من اسم كاتبها أو الجهة الناشرة، بل يعمد البعض الى إضافة اسم غير اسم كاتبها!

هنا تبرز بإلحاح ظاهرة انتهاك حقوق الملكية الفكرية، المتمثلة في إعادة النشر دون إذن، الأمر الذي يتطلب تدخلا عاجلا من الجهات ذات الاختصاص في العالم العربي.

إحصاءات

الأرقام التي تأتينا عبر مواقع الدراسة والإحصاء تجعل من تحسين المحتوى العربي ضرورةً ملحة، ليتناسب مع النمو المتسارع لأعداد مستخدمي الإنترنت، ومعدل الدخول الى الشبكة الإلكترونية.

وتشير الأرقام مثلا إلى أن عدد المستخدمين الناطقين بالعربية للإنترنت ارتفع في الفترة ما بين عامي 2000 و2009 بنسبة كبيرة يقدرها تقرير لـ «إنترنت وورلد ستاتس» Internet World Stats بـ 23.300 في المئة!

وتبين إحصاءات المؤسسة نفسها في تقريرها في 31 ديسمبر/ كانون الأول 2011 أن عدد مستخدمي الشبكة الناطقين بالعربية بلغ 86.077.806 من بين 359.340.646 مليون نسمة هم المجموع الكلي للسكان في البلدان العربية. لكن عدد المستخدمين ارتفع ارتفاعا مطردا في الأشهر اللاحقة لذلك، بحسب الأرقام التي سجلتها بلدان عربية على انفراد.

ولابد من القول إن معدلات الصعود تتباين من بلد لآخر اعتمادا على عوامل كثيرة منها عدد السكان وتسهيلات الدخول الى الإنترنت والمستوى المعيشي وغير ذلك.

وتقدر الإحصاءات الأخيرة الرقم بنحو 90 مليون مستخدم ناطق بالعربية. وهذا الرقم متناسب مع عدد السكان، إذا علمنا أن عدد المستخدمين على النطاق العالمي نحو مليارين وأربعمئة مليون مستخدم من بين مليارات العالم السبعة.

في الوقت ذاته، سجل الانضمام الى مواقع التواصل الاجتماعي ارتفاعا ملحوظا.

فعدد مستخدمي موقع «فيسبوك» في الشرق الأوسط وشمال افريقيا ارتفع إلى 44 مليونا، بحسب إحصاءات صدرت في نوفمبر/ تشرين الثاني الماضي من موقع «سوشيال بيكرز» المختص.

أما مستخدمو موقع تويتر «النشطين» في البلدان العربية فقد تجاوز في مارس/ آذار 2012 المليون وثلاث مئة ألف، كما ورد في تقرير الإعلام الاجتماعي لـ «كلية دبي للإدارة الحكومية».

من الواضح أن النمو متسارع جدا وهو يؤكد هيمنة شبكة الانترنت في مجال المعلومات والاتصالات في عالمنا، الأمر الذي فتح الباب واسعاً، أمام حركة التغيير في العالم العربي.

تعزيز المحتوى

الخلاصة ان هذه المتغيرات تفرض نفسها وتجعل من ضرورة العمل على تحسين المحتوى العربي أمرا لا يمكن تجاهله، آخذين في الاعتبار تعقيد المهمة، فهناك أكثر من فجوة تحتاج إلى ردم.

وهنا لابد من الاشارة مثلا إلى معضلة من نوع آخر تتمثل في فقر نوعية الكثير من المواد المنشورة واحتوائها على معلومات غير دقيقة. وضعف لغة هذا المحتوى تكاد تكون سمة سائدة، إذ تبدو وكأنها لغة دون قواعد أو ضوابط.

هذا يضع المؤسسات التعليمية أمام مسئولية تنمية مهارات التفكير والإبداع عبر إحداث تغيير في طرقها ومناهجها التربوية والتعليمية.

اللغة العربية من بين أكثر اللغات نمواً في شبكة الإنترنت

ولكي يتعزز المحتوى العربي الجاد على شبكة الإنترنت، يتعين، أيضا، على الجامعات ومعاهد البحث والمؤسسات العلمية والتربوية والصحية وغيرها، رفع مستوى مساهمتها في هذا الخصوص، توخياً لنشر المعرفة بجميع جوانبها وتحقيق التنمية البشرية.

وتقع على الجميع أيضاً، مؤسسات وعاملين في الحقول العلمية والفكرية والثقافية، رفد المواقع التي تهتم بجمع المعلومات وتصنيفها كموسوعات الإنترنت.

التحدي كبير، كما هو واضح، أمام تحقيق نقلة نوعية في المحتوى الرقمي العربي، والإحصاءات التي أمامنا تشكل صورة هذا التحدي وإطاره، وتنبئنا دون أدنى شك بالحاجة الماسة الى المادة الرصينة على الشبكة.

العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً