العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ

تجربة الشيخ علي الكوراني

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

تقدم مذكرات الشيخ علي الكوراني «تجربتي إلى طالب العلم» شهادة قد تكون مختلفة عن الشهادات التاريخية التي قدمها عدد كبير ممن كان لهم إسهام في تاريخ الحركة الإسلامية في العراق، فهي تعيد الاعتبار لشخصيتين بارزتين هما: عبدالصاحب دخيل «أبوعصام» (ت 1974) الشخصية الأسطورية الذي ختم حياته في أقبية سجون النظام العفلقي شهيداً في حوض مليء بحامض النتريك، والآخر السيدمهدي الحكيم (اغتيل في 1988). ولو أن مذكرات الكوراني غرقت في تفاصيل شارحة لتاريخ العراق السياسي منذ أحداث ثورة العشرين، إلا أن قيمتها الأهم تكمن في الشق المتعلق بالتجربة التي عايشها بنفسه في تنظيم الدعوة.

في زيارته الثالثة للبحرين في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2002 قدّر لي أن ألتقي بالشيخ علي الكوراني وتركز الحديث معه حينها حول تجربته الحركية وآرائه حول العمل التنظيمي، وبعض الإضاءات التاريخية المرتبطة بدوره في صفوف الدعوة الإسلامية.

يقول الشيخ الكوراني: «كنت حركياً مع السيدمحمد باقر الصدر (ت 1980) رحمة الله عليه في تنظيم الدعوة، وبعد الثورة الإسلامية في إيران صرت حركياً على نهج الإمام الخميني (ت 1989) القائم على العمل العلمائي، ونظرت لطريقة العمل الشعبي التي اتبعها الإمام الخميني كبديل للتنظيم والحزب. ثم صرت تقليدياً بالكامل، إذ لا أعتقد بوجوب العمل السياسي في زمن الغيبة وإقامة حكم ديني.

نعم، أنا أؤيد من يعتقد بتأييد الجمهورية الإسلامية في إيران فهم عملوا باجتهادهم وأؤيد المقاومة الإسلامية في لبنان لأنها مشروعة، والحركات العادلة التي يتحمل أصحابها مسئولياتها هي مشروعة وأنا وصلت إلى التقليدية التي عليها علماء الشيعة الكلاسيكيون بأن أعمل في الخط العلمي، وأعتقد أن الحركة المطلبية الإصلاحية أقرب إلى نمطنا وإلى مذهبنا.

نحن في النجف بالعراق لو أنا اتخذنا بدل أسلوب العمل الثوري وأطروحة الدولة العالمية والعمل الحزبي، لو أنا اعتمدنا أسلوب العمل المطلبي الإصلاحي الذي كان ينتهجه المراجع كالسيد أبوالحسن الأصفهاني (ت 1945) والسيدمحسن الحكيم (ت 1970) وغيره كان أسلم وأصح وأقرب إلى فقه المذهب. هذا ما توصلت إليه، وهذا هو الخط العام الذي يعتقد به العلماء والمراجع كالسيد الخوئي (ت 1992) وآخرون.

كان الإمام الخميني استثناءً في هذا الموضوع ونحترم قناعته ونؤيده؛ ولكن من ناحية فقهية أنا توصلت لهذه القناعة واتجهت إلى العمل العلمي. الآن لو سألني بعض علماء الشيعة في أي مكان أقول لهم: «اعملوا ضمن إطار حركة مطلبية».

الكوراني الآن، وبعد تجربة طويلة لا تخلو من مرارة في العمل التنظيمي، يرى أن تشكيل الأحزاب والعمل السري «حرام ولا يجوز إلا بفتوى من مرجع»، ويضيف «ليس للعمل السري شرعية إلا بفتوى من مرجع ديني، فلما تكون منظمة أو حزباً يدعو إلى الإسلام من أين لهم هؤلاء الأشخاص أن يقودوا مجتمعهم أو الأمة الإسلامية؟ ليس لهم شرعية إلا من خلال فقهاء مذهبهم، والفقهاء هم الذين يمنحون الشرعية لأي تحرك ديني يعمل في المجال السياسي، أما أن يبادر أي مجموعة أشخاص ويشكلوا أحزاباً ثم يعطوا آراء في العقائد وفي الفقه فهذا أمر محرم وينافي الإسلام».

وعن أطروحته التي بلورها في كتابه «طريقة حزب الله في العمل الإسلامي» يقول: «أنا في الواقع ما دعوت إلى حزب الله الأممي، طريقة حزب الله في العمل الإسلامي هي الطريقة التي اتبعها الإمام الخميني في تحريك الناس، في مقابل التنظيم السري، وفي وقتها كنت أعتقد بوجوب العمل، لكن كيف تعمل؟ نعمل بحزب أم نعمل في تحريك الناس ضمن عمل علمائي مسجدي دون اللجوء إلى التنظيم؟ كنت أعتقد بهذا النمط في العمل، فهذا الكتاب في الأساس هو تخطئة لأساليب التنظيم الحزبي، وتفضيل هذه الطريقة في العمل الجماهيري العلني».

وحين سألته عن أن كتابه «طريقة حزب الله في العمل الإسلامي» كان موجهاً في الأساس لنقد قيادات «حزب الدعوة» الذي كنت في صفوفه وابتعدت في مرحلة لاحقة، قال: «لا يمنع ذلك أن يكون نقداً ذاتياً، فأنا كنت ضمن الهيئة القيادية في الدعوة، وهذا لون من ألوان النقد الذاتي، يمكن لي أن أنقد تجربتنا والتي كلفت العراق باعتقادي كثيراً، كانت التجربة (طوبائية) تقوم على أساس الاعتقاد بدولة إسلامية عالمية تشمل العراق وغيره ولا تقبل الإصلاح المرحلي. والرئيس العراقي عبدالسلام عارف طرح للسيدمهدي الحكيم عرضاً لعمل مبادرة إصلاحية للتفاهم حول مطالب كانت المعارضة تنادي بها والحكومة استجابت إلا أننا تركنا كل ذلك و (ضربنا على العالي) وأردنا حكومة إسلامية عالمية»!

كان يطرح أنه لابد أن نبني أمة داخل الأمة في يوم واحد ننهض من تحت الأرض في بنائنا التنظيمي ونستلم الحكم، وقد التفت السيدباقر الصدر إلى هذا الموضوع قبلهم (في المذكرات يقول إن السيدمهدي الحكيم هو أول من التفت للمسألة وأقنع بها السيدالصدر) وأكد أن نظرية المرحلية ومرحلة البناء والتغييرية هذه كلها تصلح لمجتمع فيه ديمقراطية، أما في مجتمع مثل العراق؛ فالعمل سيكشف ويبدأ الصراع معك ويبدأ التقتيل، إذاً أصل وضع النظرية من مجتمع العراق كان خطأ ويجب أن نعترف بهذا.

وعلى رغم أن علاقة الشيخ الكوراني بحزب الدعوة وانشقاقه عن التنظيم كتب عنه الكثيرون (منهم الباحثان عادل رؤوف في «العمل الإسلامي في العراق» وصلاح الخرسان في «حزب الدعوة الإسلامي: حقائق ووثائق»، إلا أن الشيخ الكوراني أكد لي أن «لا هذا يعرف عن داخل التنظيم ولا ذاك، لقد كتبوا من دون أي وثيقة وأي معرفة لهيكلية التنظيم. السيد الصدر قال لهم ذوبوا في الإمام الخميني وأنا كنت أعمل لتذويب التنظيم في الإمام. وانبرت فئة وعارضت هذا التوجه وحدث انقسام، كنت أرى ضرورة الانسجام تحت راية هذا المرجع، واعتقادي كان ولايزال أن طريقة عمله أصح من طريقة عملنا في الدعوة».

لقد تأثرنا في النجف بعد الموجة الشيوعية بأفكار الإخوان المسلمين، وتنظيم الدعوة الإسلامية فكره من الإخوان المسلمين، وتحليله السياسي من حزب التحرير (فلسطين)، أما هيكليته التنظيمية فمن الحزب الشيوعي!

يقول في المذكرات: «كان أبوعصام معجباً بالإخوان المسلمين وفكرهم أكثر من حزب التحرير، وكان يميل إلى منهج حزب التحرير في التحليل السياسي، أما في الفكر التنظيمي فكان يرى أن الشيوعيين متقدمون فيه أكثر من غيرهم ولذلك حرص على أن تكون في ثقافة الدعوة وتنظيماتها حسنات هؤلاء جميعاً، وأن تتجنب نقاط ضعفهم، فأشبهت ثقافتها ثقافة الإخوان المسلمين بل تبنت عدداً من كتب الإخوان للتدريس في حلقاتها، مثل «شبهات حول الإسلام» لمحمد قطب، و «معالم في الطريق» لسيد قطب».

ينتهي الكوراني إلى نتيجة مفصلية حين يؤكد أنه يعقد أن «العمل الثقافي والفكري هو الأهم اليوم، وإذا أردت أن أعمل في الميدان السياسي فسوف يكون ضمن إطار حركة مطلبية واضحة ومفتوحة، ليست سرية ولا تنظيمية ولا حزبية وبإجازة من المرجع الديني».

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3755 - الإثنين 17 ديسمبر 2012م الموافق 03 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 8:27 ص

      انقلاب الكوراني على الشهيد الصدر

      بعد انقلاب الكوراني على حزب الدعوة و توصيفهم بالاتقاطيين لا يخفى على المتابع ، كما وصف فكر السيد محمد باقر الصدر بالفكر الاتقاطي )لقد تأثرنا في النجف بعد الموجة الشيوعية بأفكار الإخوان المسلمين، وتنظيم الدعوة الإسلامية فكره من الإخوان المسلمين، وتحليله السياسي من حزب التحرير (فلسطين)، أما هيكليته التنظيمية فمن الحزب الشيوعي!(

    • زائر 2 | 2:57 ص

      المصلي

      تعجبني صراحته وطرحه الجريء واخلاصه لطائفته وحرصه الشديد على وحدة البيت الشيعي بعيدا عن الطائفية وهذا هو دور العالم العامل التقي والورع والعمة لاتليق الا بأهلها دعائنا لشخصه الكريم بطول العمر والصحة والعافية وأن يكثر الله من أمثاله فهذا والله هو الصائن لنفسه المخالف لهواه المطيع لأمر مولاه

    • زائر 1 | 2:33 ص

      شكرا للكاتب

      الصراحه موضوع شيق وانا اؤيد ما طرحه فضيله الشيخ الكوراني

اقرأ ايضاً