العدد 3773 - الجمعة 04 يناير 2013م الموافق 21 صفر 1434هـ

البنوك العالمية تعيد النظر في نموذج أعمالها بالشرق الأوسط بسبب التباطؤ

حين نقل سيتي جروب البنك الأميركي العملاق، ألبرتو فيرمي، أحد أكبر موظفيه إلى دبي العام 2008، كانت هذه علامة على طموح بنوك عالمية في الاستفادة من النمو الاقتصادي في منطقة الشرق الأوسط الغنية بالنفط.

وبنقل فيرمي، الذي كان في ذلك الوقت رئيساً مشاركاً للعمليات المصرفية الاستثمارية لسيتي جروب على مستوى العالم، أصبح سيتي جروب أول بنك عالمي ينقل مديراً لأحد قطاعاته الرئيسية إلى الشرق الأوسط.

وبعد أربع سنوات تغيرت الصورة تماماً. فقد عاد فيرمي إلى لندن كرئيس لعمليات البنك في أوروبا والشرق الأوسط وإفريقيا. وخفض سيتي جروب كمعظم البنوك العالمية الأخرى أعداد موظفيه في الشرق الأوسط في إطار خطة عالمية لخفض التكاليف.

وما زال للبنك وجود كبير في المنطقة، لكنه أصغر مما كان في سنوات الازدهار. وكان 2012 عام تحول للبنوك العالمية في الشرق الأوسط. ففي ظل هبوط حاد في نشاط الصفقات بالمنطقة وضغوط لتوفير الأموال أعادت تلك البنوك تقييم نماذج أعمالها في الشرق الأوسط الذي كان من المتوقع قبل ذلك أن يصبح سوقاً رئيسية لها بفضل الثروة النفطية وصناديق الثروة السيادية.

وبدأ الدخل من الرسوم من منطقة الشرق الأوسط في التراجع قبل فترة طويلة فقد تأثر بالأزمة المالية العالمية في 2007-2008 ثم بانهيار السوق العقارية في دبي العام 2009. لكن في الماضي كانت البنوك الأجنبية الكبرى مستعدة للصبر على ضعف الإيرادات من الشرق الأوسط على أمل أن تتحسن هذه الأعمال في نهاية المطاف.

بل إنها استخدمت إيرادات حققتها من مراكز رئيسية مثل نيويورك ولندن لتمويل عمليات في الشرق الأوسط معتبرة ذلك استثماراً طويل الأجل. غير أنه في 2012 تعاظمت الضغوط الناجمة عن ضعف الأعمال وتشديد القواعد التنظيمية لتلك البنوك في أسواقها المحلية مما دفعها لإعادة النظر في هذا النموذج. وأصبحت مترددة في مواصلة تمويل أعمالها في الشرق الأوسط لمجرد الأمل في أن تصبح المنطقة سوقاً للنمو في المستقبل.

وقال الرئيس التنفيذي لعمليات رويال بنك أوف سكوتلند في الشرق الأوسط وإفريقيا، سايمون بيني، لـ «رويترز»: «بلا شك حدث تغير كبير في خريطة البنوك العالمية في الشرق الأوسط العام 2012. انكمش القطاع بوتيرة متسارعة، وحين شحت الإيرادات من أوروبا والولايات المتحدة لم تعد المراكز الرئيسية ترغب في دعم أعمالها هنا».

وأضاف: «في بعض النواحي لم تحقق معظم البنوك ربحية قط في المنطقة. حتى في فترة الازدهار كان تمويل هذه الأعمال يأتي من الخارج بنسبة كبيرة».

وبلغ إجمالي رسوم الخدمات المصرفية الاستثمارية من الشرق الأوسط 402 ملايين دولار في الأشهر التسعة الأولى من 2012 وفقاً لبيانات تومسون رويترز. وهذا الرقم أكبر بواقع 23 في المئة من رسوم الفترة المقابلة من العام السابق لكنه أقل بكثير مما تحقق في سنوات الازدهار 2005-2007 حين تجاوز متوسط الرسوم مليار دولار سنوياً.

وكانت زيادة الرسوم في العام الماضي مدعومة بزيادة في إصدار أدوات الدين وترتيب السندات في المنطقة. وتراجع الدخل من الخدمات المصرفية الاستثمارية التقليدية مثل عمليات الاندماج والاستحواذ 14 في المئة إلى 103 ملايين دولار.

وباستثناء عدد قليل من إصدارات حقوق الأفضلية وبعض عمليات الطرح الأولي للأسهم في السعودية، وهي أنشطة هيمنت عليها البنوك المحلية وليس العالمية، ظلت أسواق الأسهم مجمدة في المنطقة خلال 2012 كما هي منذ اندلاع الأزمة العالمية.

وواجهت البنوك العالمية هذا التباطؤ بوسائل مختلفة. وكانت الاستراتيجيات المفضلة للعديد من تلك البنوك هي تقليص العمالة ونقل الموظفين إلى أماكن أخرى بل وبيع بعض العمليات.

وقال مصرفي كبير في دبي: «كان السؤال الدائم للبنوك العالمية هو كيف يمكن الوصول إلى النموذج التشغيلي الأمثل هنا. رأيت فرقاً يتضاعف حجمها إلى أربعة أمثاله ثم تعود إلى المربع الأول خلال السنوات الخمس أو الست التي أمضيتها هنا».

وفي الشهر الماضي باع بنك «بي.إن.بي باريبا» الفرنسي ذراعه المصرية لبنك الإمارات دبي الوطني، بينما باع سوسيتيه جنرال وحدته المصرية إلى بنك قطر الوطني.

وخفضت عدة مؤسسات مالية، من بينها دويتشه بنك وكريدي سويس ونومورا هولدنجز، أعداد موظفيها في الأقسام المصرفية الاستثمارية في الشرق الأوسط العام الماضي.

ونقل بنك كريدي سويس بعض موظفيه في الفريق المصرفي الاستثماري من دبي إلى الدوحة لتكون قريبة من العميل الكبير والمساهم الرئيسي في البنك وهو جهاز قطر للاستثمار.

وحتى إذا قلصت البنوك تعاملاتها مع بعض العملاء في الشرق الأوسط فمن المرجح أن تفعل كل ما يلزم لحماية تعاملاتها مع صناديق الثروة السيادية مثل جهاز قطر للاستثمار.

وقال الرئيس التنفيذي لمجموعة باين بريدج الاستثمارية في الشرق الأوسط، طلال الزين: «صناديق الثروة السيادية الخليجية جذابة للمؤسسات المالية بشكل خاص»؛ لأنها يمكن أن تكون مصدراً لرؤوس الأموال. وبالرغم من أن الأسواق المالية في الخليج كانت مخيبة للآمال في السنوات القليلة الماضية لا تزال اقتصادات المنطقة تنمو بوتيرة متسارعة بفضل أسعار النفط المرتفعة.

لذلك فإن العديد من البنوك الأجنبية التي تقوم بتقليص وحداتها للأنشطة المصرفية الاستثمارية تعمد في الوقت نفسه إلى تعزيز عملياتها في الخدمات المصرفية الخاصة وإدارة الثروات على أمل اجتذاب عملاء خليجيين أثرياء.

وقال المصرفي زياد مكاوي وأحد الرواد الذي أسس شركة بلو جيت كابيتال بارتنرز للاستثمار المباشر ومقرها دبي العام الماضي: «في ظل استمرار بنوك الاستثمار في تخفيض ديونها والعمل بأقل قدر ممكن من الأصول عالية المخاطر يعود نموذج الأعمال مجدداً إلى الخدمات الاستشارية وإدارة الثروات والخدمات الوسيطة».

والبنوك الأوروبية هي الأشد حرصاً على تقليص عملياتها بسبب أزمة ديون منطقة اليورو. وتنظر بنوك من دول أخرى إلى هذا التراجع الأوروبي باعتباره فرصة لكسب حصة سوقية. وجيه.بي مورجان واحد من تلك البنوك؛ فقد عين البنك الأميركي بعض الموظفين في مراكز عليا في المنطقة العام الماضي، وفاز بعقود للدمج والاستحواذ في عدة أماكن من بينها قطر.

وكان البنك العالمي الوحيد الذي شارك في ترتيب قرض إسلامي بقيمة 2.4 مليار دولار لشركة التعدين العربية السعودية (معادن) ضمن نحو عشرة بنوك. وتتقدم أيضاً بنوك محلية لسد تلك الفجوة بالرغم من أن حجمها لا يضاهي البنوك العالمية الكبرى.

وقال بيني من رويال بنك أوف سكوتلند: «نرى بنوكاً محلية تكسب حصصاً سوقية بوتيرة متسارعة. إنها تتوسع داخل المنطقة».

ويقدر مصرفيون أن نسبة القروض المجمعة في الخليج التي تولت ترتيبها بنوك شرق أوسطية تزايدت في السنوات القلية الماضية، وربما تجاوزت 50 في المئة من إجمالي القروض المجمعة في الخليج العام الماضي. ويتوقع كثيرون أن يستمر هذا الصعود.

العدد 3773 - الجمعة 04 يناير 2013م الموافق 21 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً