العدد 3774 - السبت 05 يناير 2013م الموافق 22 صفر 1434هـ

وزير الإعلام العُماني لـ «الوسط»: إعلام الدولة هو للجميع وعلى الإعلام الخليجي مواكبة المتغيِّرات

وزير الإعلام العماني
وزير الإعلام العماني

وزير الإعلام العُماني، عبد المنعم الحسني. درَّسَ في الجامعة ردحاً من السنين، فآمن خلالها بعضوية ارتباط النظرية بالتطبيق. قبل أن يأتي إلى الوزارة، كان طلابه في الجامعة يحفون مكتبه باستمرار. فهو قبل أن يكون وزيراً للإعلام كان أستاذاً جامعياً. وقبل أن يكون أستاذاً جامعياً كان كاتباً وصحافياً ومحاوراً للشخصيات العامة ومحترفاً في مجال التصوير الضوئي، وعضواً في العديد من الجمعيات الدولية أهمها الاتحاد العالمي لبحوث الاتصال الجماهيري (IAMCR) والاتحاد الدولي للتصوير (FIAP). مشواره الصحافي والأكاديمي، هو الذي جعل منه متكلماً جيداً، وعارفاً بالقيمة النسبية للأشياء. «الوسط» التقت الوزير الحسني في مسقط وكان لها معه هذا اللقاء:

قبل التاسع والعشرين من فبراير/ شباط من العام 2012، وصدور المرسوم السلطاني رقم 11/2012 كنتم أستاذاً مساعداً في قسم الإعلام بجامعة السلطان قابوس، ومساعداً لعميد كلية الآداب والعلوم الاجتماعية للتدريب وخدمة المجتمع فيها. الآن أنتم على رأس وزارة الإعلام العُمانية، وما كنتم تدرِّسونه طلابكم، وتباحثونهم فيه نظرياً، بات في قِبَالِكم عملياً. هل تستحضرون الآن ما كان يقوله كورزيلسكي، من أن الخارطة ليست هي الميدان؟ وكيف تجدون الفارق بين النظرية والتطبيق؟

- بلا شك، الخارطة ليست هي الميدان، لكن يجب أن نعلم أيضا، بأن البعض مازال يعتقد، أن العمل في الجامعة، يعني العمل في برج عاجي، يختلي فيه الأستاذ بطلابه ونظرياته وحسب. هذا المسلك غير صحيح، ولا يستقيم وفروض البحث العلمي الجاد. فأستاذ الجامعة إذا لم يكن عمله وإفاضاته وتفاعلاته مرتبطة بالواقع، فإن ما ينتجه لن يكون ذو جدوى ومفعول. بالنسبة لي فإن تجربتي داخل الجامعة أفادتني كثيراً في عملي الحالي. تجربةٌ اجتهدت أن يكون لها محاكاة مع الواقع الذي نعيشه بكل تفصيلاته. لذاً، كانت معظم دراساتي هي تطبيقات عملية من داخل المؤسسات الإعلامية، ومحاولة الوقوف أمام التحديات التي تواجه الإعلام العُماني والخارجي بصورة عامة. كذلك، أفادني في عملي الحالي في الوزارة (بالإضافة إلى العمل في الجامعة) ما كنت عليه من تواصل مستمر مع المؤسسات الإعلامية، كاتبا في الصحف والمجلات، ومحاوراً للشخصيات العامة، كما أنتَ الآن معي.

هذا يعني أن النظرية تصبح عرجاء إذا ما تمَّ فصلها عن التطبيق؟

- أنا لا أؤمن بالاستغراق في النظريات، وإنما اعتقادي قائم وراسخ على أن النظرية هي جسرٌ للتطبيق، والعلاقة بينهما هي علاقة تواصل لا انفصال. أستاذ الجامعة الناجح هو المرتبط بالواقع، والذي يُسخِّر النظرية لإنتاج الحلول الواقعية، سواء في المجال الإعلامي أو غيره. هناك الكثير من النجاحات التي تحققت في العالم، عندما تعتمد الدولة على أساتذة الجامعات لحل مشكلات واقعية؛ فمعظم الدراسات إذا ما سُخِّرت في جوانبها النظرية لخدمة التطبيق الواقعي فهذا سيقدم للمجتمع فائدة كبيرة. وبالتالي إذا كانت هذه النماذج الإيجابية موجودة، دعنا نبتعد عن نموذج رجل الجامعة الذي يعيش في برج عاجي.

هل أنتم راضون عن الإعلام العُماني؟ وما هو تقييمكم لأدائه سابقاً وحاضراً؟ باختصار هل هو في مرحلة مطمئنة من حيث الأداء؟

- دعني أكون واقعيا معك. لا يمكن أن نقول بأننا وصلنا إلى مرحلة متقدمة. العالم الآن، يعيش فيما يُمكن أن نسمِّيه بـ «أزمات إعلامية». وعُمان وكما لاحظتم، ومن أجل التغلب على هذه الأزمات، انتهجت منهج التدرُّج في الكثير من المراحل، ومن بينها الجانب الإعلامي. عندما نأتي ونقول بأن إعلام الدولة لا يزال أسيرا لـ «الرسمية» فإننا وفي بعض الأحيان نظلم هذه الرسمية والإعلام معاً؛ لأننا نعتقد أن الإعلام مادام هو إعلام للدولة، فهذا يعني أنه إعلام لكافة مؤسسات تلك الدولة، وبكل ما فيها من فئات ومكونات وعناصر، من الحكومة إلى السلطة التشريعية، إلى الجمعيات المهنية، إلى هموم المواطن وقضاياه، فهو إذا منظومة متكاملة، ومتصلة أيضاً.

بلا شك، نحن لا ندعي أننا وصلنا إلى الكمال في الإعلام العُماني كما ذكرت، فهو يحتاج إلى تطوير وإلى الكثير من برامج التدريب والتأهيل للكادر البشري، وهو يحتاج أيضاً إلى الاعتماد على الشباب العُماني لتمثيل قضاياه بشكل عام. لكننا أيضاً نقول بأننا في الوزارة نكمِل مسيرة وتجربة، لا ندَّعي أن كلّ ما كان هو خطأ ولم يتم شيء، بالعكس، عُمان عبر إعلامها في المراحل الماضية قدمت عطاءات، لكن دعونا نلتفت على ما هي عليه الآن، من واقع يستلزم علينا التطوير فيما هو موجود. العالم وكما ذكرت يشهد «أزمات إعلامية»، وإذا لم نكن قادرين على الحضور والتواجد في ذلك المشهد، والإنفاق على الإعلام لتمثيل دولنا، فسيبقى هذا الإعلام خارج الخارطة. هناك الكثير مما يُمكن أن يُقدَّم في الإعلام العُماني، ونحن على ثقة بعدد كبير من إعلاميينا على مختلف الأصعدة، ونعتقد أننا أيضاً بحاجة إلى مزيد من التطوير والتحديث والتأهيل. ونحن بحاجة كذلك للتعبير عن حاجاتنا وقضايا مجتمعاتنا بطريقة جديدة.

قبل ثمانية أعوام صَدَرَ مرسومٌ سلطاني رقم (95/ 2004) بشان إصدار قانون المنشآت الخاصة للإذاعة والتلفزيون، وعُدِّلت بعض أحكام قانون المطبوعات والنشر في السلطنة، كيف ترى مسيرة الإعلام الخاص في عُمان؟

- بعد صدور المرسوم السلطاني الذي أشرتم إليه، والذي فتح آفاقاً كبيرة في الإعلام، ظهرت لدينا إذاعتيْن خاصتيْن ورديفهما باللغة الإنجليزية. وظهرت أيضاً قناة مَجَان التلفزيونية الخاصة. ونحن نأمل ونتطلع إلى الاستثمار في هذا الجانب، لكن كما تعلم، الصناعة الإعلامية تحتاج إلى ضخ رؤوس أموال بشكل كبير، ولدينا مؤشرات إيجابية تنبئ بأن القادم سيشهد زيادة في هذا الاتجاه الخاص فيما يتعلق بالمحطات الإذاعية والتلفزيونية.

الحقيقة، هي أن المرسوم السلطاني المذكور، فتح آفاقا واسعة أمام الإعلام العُماني، لكنه أيضا فتح الباب أمام الاستثمار في القطاع الإعلامي الخاص، وإتاحة المساحة بشكل أكبر لممارسة العمل الإعلامي بطريقة تجارية، من دون أن ننسى أنه وفَّر وسيوفر لنا في حالة توسُّعه فرصاً عديدة للعمل، لينخرط فيها الشباب العُماني الطامح. لا يمكن أن يكون خريجو الإعلام في عُمان مجالهم فقط داخل المؤسسات الإعلامية الرسمية، وإنما عليهم التوجُّه نحو العمل بالقطاع الخاص.

ماذا لو ظهرت قنوات تلفزيونية خاصة في سلطنة عُمان، وأخذت مواقف سياسية تجاه قضايا إقليمية أو عالمية، تختلف عن سياسات السلطنة الخارجية؟ كيف سيكون الموقف منها؟

- هذا الموضوع يحكمه القانون. هناك سلطة قضائية مستقلة نحتكم إليها جميعاً. وبما أن أي قناة تلفزيونية خاصة، قد تأسست وفق قوانين المنشآت التلفزيونية الخاصة في سلطنة عُمان، فعليها الالتزام بهذا القانون، واللجوء إليه عند أي مخالفة.

نحن لا نتحدث عن مخالفات إدارية أو مالية، بل عن توجهات إعلامية ذات أبعاد سياسية مغايرة لسياسات السلطنة؟

- مثلما ذكرت. إذا كان هناك آراء، فالآراء مطروحة والأصل فيها الاختلاف، أما إذا كانت هناك مخالفات قانونية صريحة، فهذا الأمر يحكمه القانون. وأعتقد أن عُمان دولة مؤسسات، وبالتالي فإن الاحتكام هو لتلك المؤسسات، التي من ضمنها السلطة القضائية.

عُمان تتبع سياسة خارجية هادئة ولكنها فاعلة في نفس الوقت، تقوم على فض النزاعات والوساطات بين الدول المتخاصمة وإشاعة السلم الإقليمي. البعض يقول بأن الإعلام العُماني لم يقم بما يجب في «تسويق عُمان» للعالم من خلال دورها السياسي على المستوى الخارجي، والذي لازال مكتوما؟

- نحن نتقبل هذا النقد، لكننا نقول في نفس الوقت، دع الأفعال تتحدث...

معالي الوزير في هذا العالم لا توجد إنجازات دول تظل طيَّ الكتمان! هناك دول تتموضع من خلال أدوارها السياسية وحضورها الإقليمي والدولي الذي يلعب الإعلام فيه دوراً محورياً!

- سياسة عُمان الداخلية والخارجية هي سياسة واضحة المعالم، تقوم على عدم التدخل في شئون الغير، والمساعدة في فض النزاعات والمضي نحو الحلول السلمية والحوار. هذا النهج انتهجته عُمان لنفسها وخَطَته على مدار السنوات الماضية، وقد أثبت فعاليته بشكل لافت. افتعال الضجيج الإعلامي لا يهمنا ولا نسعى إليه. عُمان تقدم نفسها بطريقة متوازنة. لا نريد أن نفتعل الضجيج ولا أن نقول ما يتوجب علينا أن لا نقوله. نحن نقدم عُمان في الإعلام العُماني بما يتساوى ودورها على الصعيد العربي والإسلامي والعالمي، والذي أعتقد بأنه بات واضحا للجميع. ونحن في وزارة الإعلام نسير بالتساوي مع عُمان الدولة والنموذج الناجح في السياسة الخارجية الناجحة، وفق أسس منهجية واضحة في هذا الاتجاه دون ضجيج. نحن لا نعبِّر عن مواقفنا من خلال فقاعات إعلامية بلا شيء.

هذا يعني أن هذا التوجه الإعلامي للسلطنة هو توجُّه مقصود؟

- مثلما ذكرت. نحن نسير في اتجاه واضح المعالم فيما يتعلق بسياساتنا الإعلامية وبتوازن دون إعطاء الأمور أكثر مما تحتمل.

عمق عُمان الاستراتيجي هو عربي إسلامي بلا شك. لكن أيضا، هي تقع في أقصى جنوب شبه الجزيرة العربية، وتطل على بحر العرب، ومن خلفه المحيط الهندي، وعلى جانبها الغربي يقع الشرق الإفريقي الذي كان لعُمان تواجد فيه تاريخياً، وعلى جانبها الشرقي يقع جنوب شرق آسيا، الذي يتشارك معها في وشيجة تاريخية كبيرة أيضاً. البعض يقول أن الإعلام العُماني لا يُولِي هذه السِّعة التاريخية والجغرافية أهمية تتناسب وحجمها بالنسبة للسلطنة؟

- عُمان لها عُمق تاريخي ضارب في الجذور. إذا رجعتم إلى ما تم تقديمه على مستوى الوثائقيات سواء في التلفزيون أو الإذاعة أو التغطيات الصحافية فسترون أنه تم تقديم الكثير. بالتأكيد، نحن بحاجة إلى إيلاء هذا الموضوع مساحة أكبر وبرامج أكثر. لذا، فإنه ومن خلال ما يتوفر لدينا من سعة إعلامية مفتوحة نتمنى أن يكون هناك إضافات أكبر ونحن نسير بهذا الاتجاه.

هل تعتقد أن الإعلام الخليجي لازال إعلام علاقات عامة؟ بمعنى، هل مازال الخبر يُوجَّه بطريقة رسمية أم أنك تراه خبرا متحررا فعلا من الصبغة الرسمية؟

- لا يمكن الآن في ظل ما نعايشه من تطورات وفَوَرَان إعلامي ومعلوماتي أن نقول بأن الخبر يُوجَّه رسمياً. في السابق، كان لكل دولة حدودها الإعلامية. اليوم الفضاء مفتوح، سواء لمجتمعك الذي تعيش فيه أو في المجتمع العالمي الذي نعيش فيه. فأنتَ أمام فضاءات واسعة ومفتوحة، وبالتالي فإن الخبر حسب المفهوم التقليدي للخبر بدأ يتحرَّر. وما لم تغطيه كما يجب في وسائلك الإعلامية، فسيتم تغطيته في وسائل إعلام أخرى. لذا فإن هذا الأمر يُحتِّم على وسائل الإعلام الخليجية والعربية أن تواكب هذه المتغيِّرات بشكل أكبر.

العدد 3774 - السبت 05 يناير 2013م الموافق 22 صفر 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً