العدد 3815 - الجمعة 15 فبراير 2013م الموافق 04 ربيع الثاني 1434هـ

مسرح أوال يقدم النسخة السابعة من مهرجانه

يعود مهرجان أوال المسرحي لردحه هذا العام فيفتح لك أفقاً للتأويل وإعمال الذائقة لتنطق بمخيلتك كما شاءت لك الأعمال المسرحية بمختلف توجهاتها ومداخلها ومخارجها، فتبدأ العروض بمسرحية (تعالوا ننتظر) لمسرح أوال من تأليف خليفة العريفي وإخراج طاهر محسن لتستقرئ فعل الانتظار والاستهواء له عبر استكناه مجموعة الذوات المسرحية، ثم تأخذك فسحة التأويل إلى مسرحية (لعبة البداية) لمسرح جلجامش تأليف محسن سليمان وإخراج عبدالرحمن فقيهي، ثم مسرحية (بايتة) للمسرح الإماراتي الحديث تأليف مرعي الحليان وإخراج ناجي الحاي، ثم مسرحية قيد امرأة لمسرح الريف من إعداد وإخراج محمد الحجيري، ثم مسرحية (الدياية طارت) من إعداد وإخراج عادل جوهر. ولم يحالفك الحظ لتشاهد العرض الكويتي لاعتذار الفرقة، وكذلك اعتذر عرض مسرح الصواري عن عرضه مسرحية (عندما صمت عبدالله الحكواتي) إعداد وإخراج حسين عبدعلي ربما لأمور لوجستية خارجة عن الإرادة.

في عرض مسرحية (تعالوا ننتظر) لمخرجها طاهر محسن تستوقفك مجموعة من الأسئلة تجيب عن بعضها تلقائياً حيث ينفتح التأويل وتترك بعضها للنقد، فثمة دعوة للانتظار من المؤلف خليفة العريفي بحيادية في العنوان (تعالو ننتظر) رغم اتخاذه موقفاً مغايراً غير حياديٍ على مستوى الحوار والحدث المسرحي، وثمة أيدٍ هنا وهناك تمتد للأعلى وثمة شجرة عملاقة وسط المنصة وثمة حوار بين زوج وزجّته يرميان بك مباشرة وسط الصراع وثمة شخوص تكرر الطلبات والتعاويذ والابتهالات في حالة استهامية للشجرة العملاقة وثمة اسم يتكرر إنه صاحب الكرامات، فيا ترى ما سر هذه الأيدي ما تاويلها، من هؤلاء الذين يتحلقون حول الشجرة.

تنفرج ستارة المسرح، عن أيدٍ تحلق وتدور، هنا وهناك، ترتفع للأعلى أو للأسفل، وسط ظلام كثيف، ربما تبحث عن بصيص للنور، في مشهد رمزي يختصر مسألة الانتظار، هي أيدٍ تستطيع أن تغير واقعها بنفسها، فهي آلة الصناعة والتغيير، ورمز القدرة والمهارة، ولكنها تخلد لمجرد التحليق الدوران بحثاً عمن تنتظره، إنه صاحب الكرامات أو كما تسميه المسرحية (الكائن فينا) إذن ليس ثمة شيء في الخارج لننتظره، إنه شيء من صناعة الذات نفسها، كما تدل عليه التسمية التي اختارها المؤلف خليفة العريفي لهذا الذي تنتظره الذوات مخلصاً لها، فتلجأ للشجرة التي وضعها المخرج طاهر محسن بالتحديد وسط المنصة بشكل ضخم جداً معبراً عن حجم هذه الظاهرة واستمكانها من الذوات وعن حالة استهواء الإنسان بشكل ملحٍّ وقاسٍ أحياناً إلى حد إماتة ذاته وإفنائها وتعطيل كل طاقاته في هذا الذي تنظره، تماماً كما هي الفراشات التي تبحث عن مصدر النور والتي ما إن تقترب منه أو تصل إليه تذوي وتحترق، وربما هذا ما حكته ومثلته معظم الشخصيات في المسرحية بمختلف أدوارها فهي في خلاصة الحكاية تدور حول هذه الشجرة ولا تفعل شيئاً سوى الانتظار.

خلاصة الحكاية في المسرحية أن ثمة امرأة تبحث عن طريقة لشفاء ولدها المريض فتلجأ لتلك الشجرة، ويكون زوجها على الضفة الأخرى في هذه الرؤية، ولعله هنا محط الصراع بين رؤيتين بين الأخذ بالأسباب والواقع وهي رؤية الزوج الذي مثله خليفة العريقي، وبين الاستيهام واللجوء للانتظار والاستهواء للغيب واللجوء للشجرة العظيمة وهي رؤية الزوجة كما مثلتها فتحية ناصر. ووسط هذه (الحدوثة) يصنع الفعل المسرحي ألقه وتختصر الحكاية كلها.

في مسرحية (تعالوا ننتظر) يضعنا المخرج مباشرة وسط الحدث الأساسي عبر حوار بين الزوج والزوجة بعبارة شفافة تماماً (الزوجة: أنت خارج العالم...

الزوج: لن آخذ ابني إلى مشعوذ). ثم تسير الحوارات الأخرى بشكل محايث للحوار الأساسي متماهية مع الخيار الذي اتجهت إليه الزوجة وهو البحث عن شفاء ولدها بأمور أخرى غير الطب، وكذلك الحوارات بين بقية الشخصيات في تركها الواقع واللجوء للشجرة لتشكل تلك الحوارات فروعاً من الحوار الأساسي وتأكيداً له، وربما تأتي الحوارات الأخرى مجرد كلمات داعمة مستمدة من الابتهالات والتلاوات أو التعاويذ لتؤثث للحوار الأساسي بين العريفي فتحية ناصر، ( أه طال ليلي، كلما زاد خوفي احتويني أيتها الأرض، احتويني، أعد لي زوجي) هكذا هي النداءات حول الشجرة.

ولعل دخول الممثل خليل المطوع مقعداً على كرسي المعوقين قد مثل حركة مفصلية في العرض منهياً ذلك الحوار المتواصل في دعم فكرة الاستهواء للسحر والتعاويذ والانتظار والصراع معها بين مختلف الشخوص، فرغم كونه معوقاً إلا أنه بحواره وحجاجه ونقضه لفكرة الانتظار المنهك قد صنع فاصلاً وقطعاً ما بين لحظتين مهمتين لحظة الاستغراق في الانتظار، ولحظة الواقع بمره وقسوته، فرغم قسوة الواقع عليه كونه معوقاً إلا أنه نقض كل مقولات الانتظار الميتة بل إنه صنع لحظة الاستنارة في حواره مع خليفة العريفي حينما أنكر عليه وجوده في هذا المكان باحثاً عن زوجته رغم كونه رافضاً لفكرة الانتظار وغير مؤمن بصاحب الكرامات وانتظاره، (ماذا تنتظر؟ وعن ماذا تبحث هنا؟ أنت مثلهم أيضاً).

هكذا بكل بساطة في ظلال الشجرة يجتمع الكثيرون وحينما تظلم المنصة لا ترى منهم إلا الأيدي ولا تسمع إلا التعاويذ والابتهالات، وثمة نساء يبحثن عن أزواج لعل صاحب الكرامات يهبهن رجالاً، والظريف أن عيونهن لا تقع على شيء سوى أولئك الرجال الذين يدورون مثلهم حول الشجرة والذين هم أيضاً يبحثون عن مأرب آخر، وهذا ما صنع شيئاً من الحيوية في العرض، وثمة رجل آخر كان حضوره ملفتاً حيث كان يبحث عن ذاته عن كينونته ماهيته، من أنا؟ أنت هنا... أنا هنا لماذا لا أجدني إذن أنت جئت تنتظر... ولعل دوره كان دالاً ومؤكداً على عمق فعل الاتنظار وشدة تحكمه واستمكانه في الذات حتى على المستوى الفلسفي، إنه بحث عميق عن الذات إلى حد التوهان كما يشير إليه هذا الرجل الباحث عن ذاته أمام هذه الشجرة لعله يجدها هنا عند صاحب الكرامات، إذن أنت مثلنا إذن أنت تنتظر.

هكذا حينما حاولت قراءة العرض ذهبت الكثير من التفاصيل وهو ما يشير إلى أن الكثير من الحوارات والحركات كانت جزءاً من الحوار الأساسي ومجرد أحداث مؤثثة للحدث الأساسي وهو تأكيد فعل الانتظار، ما يجعلنا نتساءل: هل كانت مهمة بحيث يتم الإصرار على سردها عبر أكثر من شخصية؟ ألم يكن بالإمكان اختصارها واختزالها لينفتح التأويل بشكل أكبر وليثار الغموض الذي يبعث على الاستفهام والسؤال بل الاستغراق في تكرار الفكرة وتأكيدها عبر أكثر من شخصية؟

العدد 3815 - الجمعة 15 فبراير 2013م الموافق 04 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً