العدد 3829 - الجمعة 01 مارس 2013م الموافق 18 ربيع الثاني 1434هـ

قانون العمل الجديد... أسوأ قانون تشهده البحرين (8)

علي محسن الورقاء comments [at] alwasatnews.com

محامٍ بحريني

في تعليقنا على نصوص قانون العمل الجديد الصادر بالمرسوم بقانون رقم (36) لسنة 2012 كنا قد وقفنا في الحلقات الماضية على بعض نصوص هذا القانون ورأينا كيف أن تلك النصوص مجحفة وغير منصفة بحق العمال والعاملات على السواء.

وفي هذه الحلقة سنقف على نصوص أخرى في الجانب المتعلق بساعات العمل وفترات الراحة لنُظهر من خلالها عيوب هذا القانون من حيث قصوره وغموضه وسوء صياغة نصوصه وإجحافه، تكملةً لما لمسناه وأظهرناه في الحلقات السابقة، ولنثبت مجدداً صحة مآخذنا على هذا القانون وعلى القائمين على إعداد مسودته، وذلك فيما يلي:

أولاً: المادة رقم (50) من الباب السابع: تنص على أن «يمنح العاملون بنظام النوبات الليلية ونظام الحجز الوظيفي بدل طبيعة عمل».

هذا النص يشوبه عيبان مزدوجان؛ فهو (أولاً) لم يحدد البدل المشار إليه، في وقت نلحظ فيه - وفقاً لظاهر النص – أن المشرِّع لم يمنح «الوزير» حق تحديده بقرار وزاري يصدر منه، ومن ثم يصبح هذا النص وكأنه خالٍ من مضمونه. ومن المتفق عليه فقهاً أن أي نص قانوني خالي المضمون يعتبر كأن لم يكن.

ولا ندري هل أن المشرَّع يهدف من عدم تحديد هذا البدل بأن يجعل تحديده من قبل صاحب العمل بمفرده وبأية قيمة يقررها، فإن كان ذلك فعلى العمال السلام.

ثم أنه (ثانياً) لم يوضح مفهوم «نظام الحجز الوظيفي» الوارد في النص، في الوقت الذي لم يرد تعريفه في الفصل الأول من القانون الخاص بالتعريفات. وبناءً عليه يصبح هذا النص معيباً بالقصور وعدم الوضوح. وهذان كافيان لإثبات أن المشرِّع غير ملم بأبعاد القاعدة القانونية وغير محيط بشروطها.

ثانياً: المادة رقم (51) من الباب السابع أيضاً: جاء فيها النص التالي: «لا يجوز تشغيل العامل تشغيلاً فعلياً أكثر من ثمانٍ وأربعين ساعة في الأسبوع». بينما جاء في المادة رقم (53) من الباب نفسه «لا يجوز تشغيل العامل تشغيلاً فعلياً أكثر من ثماني ساعات في اليوم الواحد ما لم يتم الاتفاق على خلاف ذلك».

فنحن هنا إذاً أمام نصين مفترقين ومتباعدين على رغم أنهما يتناولان موضوعاً واحداً، وهذا يُعدُ عيباً كبيراً في التنظيم. بيد أن العيب الأكبر يكمن في أن الأول ينظر إلى تشغيل العامل أسبوعياً بحيث لا تتجاوز مدة تشغيله ثمانٍ وأربعين ساعة كحد أقصى، وينظر الآخر إلى تشغيل العامل يومياً بحيث لا تتجاوز مدة تشغيله ثماني ساعات من حيث الأصل إلاّ بموافقة العامل استثناءً. وهذان النصان لهما معنيان متناقضان في الظاهر.

فعندما ينص القانون على أن «لا يجوز تشغيل العامل تشغيلاً فعلياً أكثر من ثماني ساعات في اليوم الواحد»، نفهم منه أن هناك قيداً على صاحب العمل، وهو عدم تجاوزه مدة التشغيل عن ثماني ساعات يومياً.

وعندما ينص في جانب آخر على أن «لا يتجاوز تشغيل العامل مدة ثمانٍ وأربعين ساعة أسبوعياً» نفهم من هذا النص أن ليس على صاحب العمل إلاّ التقيد بالحد المقرر أسبوعياً، بحيث يستطيع أن ينظم ساعات العمل بطريقة غير منتظمة، فيجعلها مثلاً أربعة أيام عمل كل يوم بعشر ساعات، واليوم الخامس بثماني ساعات، ويجعل الراحة الأسبوعية يومين. وهذا هو المعنى الذي ذهب إليه الكثير من المفسرين في تفسيرهم للمادة رقم (78) من قانون العمل القديم لسنة 1976 التي جاء فيها «لا يجوز تشغيل العامل أكثر من ثماني ساعات يومياً أو ثمان وأربعين ساعة في الأسبوع».

وبهذا فإن قانون العمل الجديد قد أوقعنا في نصين متناقضين على الأقل من حيث ظاهرهما، وهذا ما سوف يخلق مشاكل جمة بين العمال وأصحاب الأعمال، إذ إن كلاً من الطرفين سوف يستند إلى النص الذي يرى فيه مصلحته دون الآخر.

ثالثاً: جاء في الفقرة «ج» من المادة رقم (53) من قانون العمل الجديد «يجب تنظيم ساعات العمل وفترات الراحة بحيث لا تتجاوز الفترة من بداية ساعات العمل إلى نهايتها أكثر من إحدى عشرة ساعة في اليوم الواحد، وتحسب فترة الراحة من ساعات التواجد إذا كان العامل أثناءها في مكان العمل».

هذا النص لا ندري كيف مرره ممثلو العمال، وما إذا كانوا قد ارتضوا به أم لا، أم أنهم لم يدركوا معناه وأبعاده! إنه بحق يصدق عليه القول إنه «مسلخ» يُسلخ فيه العمال.

فالنص معناه: أنه لا يجوز لصاحب العمل أن يبقي العامل في مكان العمل أكثر من إحدى عشرة ساعة يومياً، وهذه المدة تشمل ساعات العمل الأصلية، وساعات العمل الإضافية إن وجدت، وفترة الراحة التي يفترض أن لا تقل عن نصف ساعة.

بيد أنه عندما يأتي النص بعبارته الأخيرة «إذا كان العامل أثناءها في مكان العمل» (التي لم تكن موجودة في قانون العمل القديم)، فهذا يعني أن المشرع يشترط لتطبيق النص السابق أن يكون العامل متواجداً في مكان العمل خلال وقت الراحة، فلو أنه أمضى وقت الراحة في منزله مثلاً أو خرج لقضائها في مكان غير مكان العمل فلا محل لتطبيق النص السابق. وبهذا المعنى يستطيع صاحب العمل أن ينظم ساعات العمل الأصلية لديه بمدة ثماني ساعات يومياً ويقسم هذه المدة إلى قسمين ويجعل فترة الراحة بينهما أربع ساعات أو أكثر مثلاً عندما يشعر أن العامل سوف لن يقضي فترة الراحة هذه في مكان العمل، وفي هذه الحالة يصبح صاحب العمل غير متجاوز لحدود القانون، بينما يظل العامل أسير العمل اليومي من الصباح إلى الليل من دون مقابل.

رابعاً: تنص المادة رقم (54) من قانون العمل الجديد على أنه «يجوز لصاحب العمل تشغيل العامل ساعات عمل إضافية إذا اقتضت ظروف العمل ذلك».

من ظاهر النص يثبت أن قانون العمل الجديد تجاهل تحديد الحد الأقصى لساعات العمل الإضافية اليومية، وهذا يدل دلالة قاطعة على أن المشرِّع (أو المشرعين الجدد) قد أعطوا صاحب العمل اليد الطولى والسلطة المطلقة في تنظيم سير العمل من دون قيود أو حدود بخلاف ما كان عليه قانون العمل القديم.

ونأسف عندما يطلع علينا مؤخراً أحد المُنظرين ليقول لنا قولاً لا نفقهه؛ بأن قانون العمل الجديد متوازن وأنه جاء مراعياً لمصالح أطراف الإنتاج، وكأني أخاله يريد أن يوزن قانون العمل على قاعدة تقسيم الأرباح والخسائر بالتساوي بين العمال وأصحاب الأعمال والدولة، متناسياً أن قانون العمل لا يوزن على هذا الأساس. ويا ليت أن قانون العمل الجديد محل البحث قد راعى هذه القاعدة إنما جاء مجحفاً بحق العمال، وننصح هذا المُنظِّر أن يعيد قراءة هذا القانون جيداً (إن لم يكن قد شارك هو في إعداد مسودته) ليجد كم أنه سيئ مبخس في حق العمال، ونتمنى أن يتفرَّس هذا المُنظّر جيداً فيما طرحناه في الحلقات السابقة، وما سنطرحه في الحلقات القادمة (لغاية الحلقة العشرين الأخيرة)، ثم يقول بعد ذلك كلمته فيها بالنقد أو القبول بما جاء فيها.

ولنا لقاءات أخرى في الحلقات القادمة لنكتشف من خلالها المزيد من الاعوجاج في التنظيم والصياغة والتعبير والشكل الظاهر في متن قانون العمل الجديد، ومن المزيد من الإجحاف الذي وقع على العمال من خلال نصوصه. ولنثبت مجدداً أن هذا القانون هو أسوأ قانون عصري تشهده مملكة البحرين.

إقرأ أيضا لـ "علي محسن الورقاء"

العدد 3829 - الجمعة 01 مارس 2013م الموافق 18 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً