العدد 3832 - الإثنين 04 مارس 2013م الموافق 21 ربيع الثاني 1434هـ

لا أنت عثماني... ولا أنا صفوي

وسام السبع wesam.alsebea [at] alwasatnews.com

حكمت الأسرة الصفوية إيران قرنين وقرابة الثلاثة عقود في الفترة (907 - 1148هـ/ 1502 - 1736م)، فبعد أن كانت مجرد «طريقة صوفية» تنسب إلى الشيخ صفي الدين (ت 735هـ/ 1135م) في أردبيل، وكان الشاه إسماعيل الصفوي (ت 1524م) مؤسس الدولة الصفوية في إيران واتخذت من التشيع مذهباً رسمياً لها. وبعد أن سقط حكمهم في العام 1149هـ/ 1736م، اعتزل من نجا منهم من سيف السياسة، وغادروا إيران إلى الهند ليعودوا صوفيةً كما بدأوا.

أما الدولة العثمانية، فهي أيضاً قامت على جهود شخصية من آل عثمان كان لها طموح سياسي كبير، فقد تمكن عثمان الأول بن أرطغرل بن سليمان شاه (ت 1326م) من تأسيس إمبراطورية إسلامية استمرت قائمة لما يقرب من 600 سنة، في الفترة (1299- 1923م) ونصبت نفسها حاميةً للإسلام السني في العالم العربي والإسلامي.

ولقد صبغت الصراعات الدموية والسياسية بين الدولتين صفحات طويلة من تاريخ العالم العربي والإسلامي، وانعكست تأثيرات هذا الاحتراب السياسي على التكوينات المذهبية التي كانت تقع على خطوط المواجهة ودوائر النفوذ لهاتين القوتين العظميين. وعاشت لسنوات طويلة ظروفاً إنسانية واجتماعية حرجة للغاية.

وعلى خلفية هذا الصراع الدامي حدثت هجرات واسعة، فقد حدثت هجرة جماعية من جبل عامل (لبنان) ولدتها ظروف ضغط المؤسسة العثمانية على فقهاء الإمامية في بلاد الشام، وبما أتاحته الدولة الصفوية من إغراء وسعي حثيث لاستقطاب كوادر المؤسسة الدينية العلمائية في استقبال هؤلاء العلماء من جهة أخرى، كما حدثت هجرة لعلماء البحرين إلى إيران الصفوية سببها ما كانت تتعرض له هذه الجزيرة الصغيرة من حملات عسكرية ضارية بين فترة وأخرى من قبل اليعاربة (العمانيون)، فقد فتحت هذه الهجمات الدموية باب الهجرة على مصراعيه، وتحوّلت البحرين وطناً للخوف والموت، فاكتظت بعلمائها دروب الهجرة، وطفقوا يهرعون إلى العراق وشبه الجزيرة العربية والهند وإيران، وفازت إيران الصفوية من المهاجرين بالنصيب الأوفر لأسباب تاريخية ومذهبية واجتماعية وعلمية.

مصطلع «الصفوية» اليوم لم يعد يعني مجرد اسم لأسرة حاكمة سادت ثم بادت، بل صارت سُبّةً وأداةً للتعيير يقصد بها في الغالب تحقير أتباع المذهب الإمامي، وراج هذا المصطلح كأسلوب للشتيمة والتحقير المذهبي في الإعلام المسيّس ومنابر الفتنة المذهبية في الخليج بشكل خاص، وربما انتشر منه إلى غيره في العالم العربي والإسلامي، محكوماً بنزعة سلفية لا تخطئها العين ولا يغفلها إدراك اللبيب.

في البحرين، أخذ مصطلح الصفوية في الرواج في فضاء الإعلام الأصفر وخطابات الكراهية، من قبل جماعتين: جماعة كانت لها أحقاد قديمة رسخها انتماء تنظيمي غابر لأحزاب قومية وعروبية فقدت بريقها اليوم، لكنها تتشبث بشعارات فارغة. وتتخذ من مقارعة الفرس المجوس «منهج حياة وعقيدة سياسية».

والصنف الآخر هم «الجماعات السلفية» التي تعتاش على الحقد، وتستمرئ الشتيمة والتكفير، وهي ذاتها الجماعة التي دأبت منذ ثمانينات القرن الماضي على محاربة «التشيع» والتهويل من مخاطره سياسياً وعقائدياً، فراحت تقود حملة تكفير ممنهج وأصدرت ووزعت كتباً في مواسم الحج من كل عام، مدعومةً من بعض الأنظمة التي اتخذت من محاربة التشيع «أجندة دولية» لها.

وعلى خلاف ما يدّعيه بعض الجهلة بحقائق التاريخ، وأغرار السياسة وأطفالها، من أن التشيع فارسي المنشأ، فإن الصواب أن التشيع في إيران دخل بالتدرج وشارك في ترسيخه العرب، وليس العكس. فقد بدأ التشيع بفئات محدودة ازدادت على مدى عشرة قرون إلى أن أصبح المذهب الرسمي والشعبي في مطلع القرن العاشر الهجري، حتى يمكن القول إن التشيع هو «هدية العرب إلى الإيرانيين». يقول وجيه كوثراني «كان دور الفقهاء الشيعة الذين استعانت بهم الدولة الصفوية أساسياً في نشر المذهب الشيعي في أنحاء إيران، والملاحظ أن معظم هؤلاء الفقهاء كانوا في المرحلة الأولى التأسيسية من العلماء العرب الذين استقدموا من العراق والبحرين وبلاد الشام، وبصورة خاصة من منطقة جبل عامل».

ويشير منظّر السلفية الجهادية عبدالله فهد النفيسي في أطروحته للدكتوراه إلى حقيقة استعانة الدولة الصفوية بعلماء شيعة من «جبل عامل في لبنان ومن البحرين، فأصبحت أصفهان بعد ذلك مركزاً للفكر الشيعي». وبالإجمال يمكن تقسيم تاريخ الشيعة في إيران إلى خمس مراحل:

المرحلة الأولى: بدايات تشيع الموالي في العراق تشيعاً سياسياً.

الثانية: تشيع بعض المناطق مثل قم على إثر هجرة العرب إليها من أيام الأمويين بعد منتصف القرن الأول.

الثالثة: مرحلة قيام الدولة البويهية في منتصف القرن الرابع.

الرابعة: التزام بعض سلاطين المغول بالتشيع وإعلانه المذهب الرسمي في إيران في القرن الثامن.

الخامسة: قيام الدولة الصفوية في منتصف القرن العاشر.

من هنا، يمكن ببساطة اكتشاف خطل الزعم القائل بأن التشيع بدأ مع الدولة الصفوية، أو أن التشيع فارسي المنشأ وليس عربياً. وبالتالي فإن إلحاق الشيعة العرب بالفرس هو احتقار للتاريخ العربي قبل أن يكون ادّعاءً تاريخياً متهافتاً.

الصفوية أسرة حاكمة، والتشيع مذهب إسلامي عريق، ومن يخلط بين الأمرين كمن يساوي بين مذهب أبي حنيفة وبين الدولة «العثمانية». وحيث إنه من المضحك أن يقال لأي تركي من أسطنبول يا «عثماني»، فإنه من الأولى ألا يطلق وصف «صفوي» على أي بحريني. وعلى الخطاب السياسي والإعلامي أن يرتفع عن هذه اللغة الوضيعة من التراشق الساذج. والإنسان المهزوم من الداخل فقط هو من يلجأ إلى الشتيمة حين تعوزه الحجة ويجفوه البرهان، فلا أنت عثماني... ولا أنا صفوي.

إقرأ أيضا لـ "وسام السبع"

العدد 3832 - الإثنين 04 مارس 2013م الموافق 21 ربيع الثاني 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 25 | 7:10 ص

      نصرت الحق

      دعوات لك أخ وسام ياناصر الحق

    • زائر 19 | 3:13 ص

      ونعم المذهب

      والفرس تشكر العرب على هديتهم الثمينه لانها يفوزون بها في الدنيا والآخره وبما ان الفرس تحترم الابطال مثل امام علي عليه السلام ولا ترى بديلا ونظيرا له اتخذة التشيع مذهبا لها ...حقا خوش مذهب

    • زائر 15 | 1:08 ص

      كربابادي

      بل ان السلاطين الصفويين تعرضوا للكثير من النقد والتقريع من أبناء المذهب نفسه وخصوصا الدكتور علي شريعتي في كتابه المشهور (التشيع العلوي والتشيع الصفوي) الذي اتهم فيه الصفويين بالغلو الشديد في الأئمة وابتداع روايات ظاهرها المدح وباطنها الذم للمعصومين. كتاب قيم لكنه يفتقر للمصادر التاريخية

    • زائر 11 | 11:32 م

      ممتاز

      دعواتنا لكم بالتوفيق والموفقية

    • زائر 10 | 11:23 م

      جماعتنا واقصد اصحاب النفس الطاءفي يعيشون الوهم

      العثمانيون واقصد الاتراك والصفويين واقصد ايران يعيشون التقدم والحضارة يصنعون ويزرعون ومتقدمين في شتى المجالات ولديهم تنسيق امني وعسكري وتبادل تجاري واصحاب التخلف والقبلية يعملون ليل نهار لدق اسفين الخلاف بين البلدين ودولهم متخلفة ديمقراطيا وصناعيا وزراعيا وتستورد كل شيء واقول يعيشون الوهم باسم الاعراف والتقاليد البالية.

    • جعفر الخابوري | 11:19 م

      حسبي الله ونعم الوكيل

      حسبي الله ونعم الوكيل

    • زائر 7 | 11:04 م

      الكراهية لاتستند على اي منطق

      فلا يفيد الوعظ والارشاد بشي.

    • زائر 6 | 10:30 م

      رحم الله الإمام الشافعي

      نتمنى أن نأخذ عبرةً من شعر الإمام الشافعي رحمه الله في حب أهل البيت (ع)
      يا آل بيت رسول الله حبكم فرض من الله في القران أنزله
      يكفيكم من عظيم الشأن أنكم من لم يصلي عليكم لا صلاة له
      ويقول رحمه الله: إن كان رفضـاً حـب آل محمد فليشهد الثقلان أني رافضي
      ومن شعره أيضاً رحمه الله:
      لئــن كـان ذنـبي حــب آل محمدٍ فذلك ذنب لســت عنه أتـوب
      هم شُفعــائي يوم حشــري وموقفـي إذا ما بدت للنـاظرين خطوب

    • زائر 4 | 10:28 م

      مقال تاريخي رائع

      ابن العم العزيز وسام .. ما اجمل كتابتك حين تغوص في التاريخ وتسبر أغواره لتقدم لنا زاداً نحتاجه وزواداً لمن اراد ان يميز الحق من الباطل .. تحية خالصة اليك والى قلمك الجريء .. ودمت بخير .. ابو حسن العرادي

    • زائر 3 | 9:51 م

      ومن يتعض يا وسام

      هو تاريخ ولكن من يقرأ التاريخ ليتعض ، أخذوا الأمور على علاتها ووصموا الناس بألقاب وأسماء سمعوا بها ولم يروها أو يقرأوا تاريخها ، لو كل هؤلاء المؤزمين قرأو التاريخ ربما لانتهت مصطلحاتهم والتي يعتبرونها سبا وشتيمة ، هو تقليد أعمى وباطل يراد به حق، ولا نستغرب من جهلة القوم إن رموا الناس بأوصاف لا يعرفون أصلها وفصلها ولكننا نتسغرب كتاب وصحفيون وبعض رؤساء تحرير صحف يجهلون مثل هذا التاريخ الذي لا يستطيع أحد تغييره. سمعت أن الشيخ صفي الدين سني المذهب ولم يتشيع فهل هذا صحيح، أرجو من الكاتب الإفادة.

    • زائر 2 | 9:50 م

      ياسلام

      ياسلام عليك بس للاسف انك تنفخ في قربه مخرومه

    • زائر 1 | 9:49 م

      صبااح الخير

      تعليق بسيط الكل يعرف من فتح بلادفارس وكيف كانت بدايتها الفارووق عمربن الخطااب من جعل الفرس تدخل في الأسلام ولم يكن للتشيع اثر فكانو مسلمين على دين واحد ولاتخلط الاورااق معرووف للجميع ومقالك لازم تستند لكتب التاريخ والمفسرين اين الصحيفه من كتااب امثالك يفتقدوون للمصداقيه ام تكتب لمجرد دفااع عن بلاد صفيوون

    • زائر 9 زائر 1 | 11:22 م

      اخوي متأكد انك قرأت المقال كامل ؟

      اخوي يا انك ما قرأت المقال كامل يا انك مستعجل وما استوعبت المقال
      ارجوك اقرا المقال مرة اخرى ( على مهل ) وبعدين عطنا رأيك

    • زائر 17 زائر 1 | 1:48 ص

      تعليق رقم وأنت أيضا لا باع لك في التاريخ فلا تقذف غيرك بما هو فيك

      التشيع كان من زمن النبي ص لذلك كان بعض الصحابة هم من التصق بالامام علي ولازمه حتى آخر حياته واذكر لك على سبيل المثال سلمان الفارسي وحذيفة ابن اليمان وعمار ابن ياسر والمقداد وجابر ابن عبد الله الانصار وابا ذر الغفاري وصعصعة ابن صوحان وغيرهم الذين تطول القائمة لذكرهم هؤلاء
      هم اصل التشيع وليس ايران ولا غير ايران وانصحك بقراءة بعض تفاسير الآيات
      على سبيل المثال(اولئك هم خير البريّة) اذهب واقرأ تفسير الطبري لتعرف
      من اين بدأ التشيع

    • زائر 18 زائر 1 | 2:04 ص

      شكلك قرأت بس الكلمات اللي تبيها

      الكاتب يقولك في الفترة (907 - 1148هـ/ 1502 - 1736م) اي عمر اللي كان موجود في هالفترة ؟؟؟
      انت حالك حال اللي يقرأ { ويل للمصلين } ويسكت

    • زائر 20 زائر 1 | 5:09 ص

      استفسار بسيط

      ماقصدك ان اهل فارس مسلمين ولم يكن للتشيع اثر..؟ هل التشيع خارج عن نطاق الاسلام...؟ بس حبيت استوضح منك هالجانب.. مع محبتي

    • زائر 23 زائر 1 | 1:46 م

      #طمبورها

      صاحب التعليق انت نملك نقص في القراءة وضعف في النظر ...»»»مقال الكاتب واقعي

    • زائر 24 زائر 1 | 3:22 م

      جيب دليل واحد على

      كلامك وهل تقبل بما يقال عن الشيعه وهل ترضى لو قلنا لك ولد م او ووو

اقرأ ايضاً