العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ

مساحة حرة - عذراً أمة «اقرأ»... فنحن لا نقرأ (المركز الأول)

محمد ميرزا الريس
محمد ميرزا الريس

يقول العقاد في كتابه «أنا»: «كلا، لستُ أهوى القراءة لأكتب ولا أهوى القراءة لأزداد تقديراً في عمر الحساب، وإنما أهوى القراءة لأن عندي حياة واحدة وحياة واحدة لا تكفيني، والقراءة - دون غيرها - هي التي تعطيني أكثر من حياة». ولو رصدنا حركة الدعوة الإسلامية لوجدنا أول آياتها هي: «اقرأ باسم ربك الذي خلق»... ما يحمّل أمة اقرأ مسئولية جسيمة في السعي إلى تطبيق هذه الدعوة وتعزيزها يوماً تلو الآخر كونها ضرورة لا ترفاً وكونها غذاءً للعقل الذي قد يتعفن ويموت لو لم يتذوقها، ولأن القراءة رحلة ممتعة في عقول الآخرين، بل هي حياة أخرى كما عبر العقاد.

رغم هذا يحزّ في النفس واقعنا الثقافي الذي جعل من القراءة مصطلحاً لا يتجاوز صفحات الكتب المدرسية التي نذاكرها قبل ليلة من الامتحانات طلباً للنجاح فحسب، فيكفينا همّاً ما تطالعنا به الإحصاءات التي مافتئت توجه أرقامها سهاماً؛ فمعدل القراءة لدى المواطن العربي لا يتجاوز 6 دقائق سنوياً في قبال 200 ساعة للمواطن الغربي حسب بيانات مؤسسة الفكر العربي في بيروت للعام الماضي. ويضيف تقرير التنمية الثقافية الأول والمنشور في نوفمبر/ تشرين الثاني من العام 2008 أرقاماً أخرى تشير إلى صدور كتاب واحد لكل 12 ألف مواطن عربي في قبال كتاب لكل 500 إنجليزي وآخر لكل 900 ألماني، وما أكثر هذه الأرقام ونظيرها من الدراسات التي وضعتنا على المحك، فأمة اقرأ لا تقرأ، ولم يعد ذلك إلا مجداً تليداً قد لا يعود إن لم نتداركه.

ولعل أبرز أسباب هذا العزوف يرجع إلى تطور الحياة التقنية والتكنولوجية، كما يرى بعض الباحثين والأكاديميين، فالمعلومة التي كان الجاحظ يتأجر لأجلها مكتبة كاملة ثم لا يلقى حتفه إلا بسببها، والمعلومة التي كان جابر بن حيان وابن سيناء وغيرهم من علماء المسلمين وجهابذتهم يستغرقون سني عمرهم كلها للبحث والتنقيب عنها لم تعد في زمننا هذا سوى وجبة معلبة تقدمها لك الشبكة العنكبوتية في ثوانٍ معدودة، وهذا التطور الهائل على رغم الخير الوفير الذي أنتجه في المجال العلمي والثقافي وغيرها سبب نوعاً من الجفاء مع أوراق الكتب، بل وطلاقاً بائناً لدى البعض.

أضف إلى ذلك الطفرة العلمية في مجال التقنيات السينمائية والإذاعية، فكتب التشريح التي يستغرق طالب الطب أشهراً لقراءتها والإحاطة ببعض من مطالبها تراها اليوم موجودة على أقراص مدمجة بالصوت والصورة، بل وبالفيديو ثلاثي الأبعاد، كل ذلك جيد ومفيد في تعزيز فهمنا وإدراكنا للمعلومات، لكنه سبب غير مقنع لترك القراءة والاستمتاع بملمس الكتاب وغلافه وتقليب صفحاته.

نحتاج إلى ثورة على ذواتنا من أجل استنقاذ ما يمكن إنقاذه قبل أن تتبلد عقولنا وتموت، ولتبدأ الأسرة في غرس بذور حب القراءة لدى طفلها، ولتعمل المدرسة على ري هذه النبتة بماء من التوجيه والتشجيع، ثم فلتشرف على هذه العملية كل مؤسسات المجتمع من صغيرها لكبيرها لتجعل منها أولوية من أولوياتها، لنرَ المكتبة الصغيرة في البيت، والحافلة، والمدرسة، والعيادة، وقاعات الانتظار وفي كل مكان كما نرى ذلك في اليابان، لكي تؤتي هذه الشجرة أكلها كل حين في شخصية أجيالنا وتربتهم وثقافتهم، وعند ذلك فقط يمكننا أن نقول إن هذه الأمة هي أمة اقرأ... وبافتخار.

العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 12:16 م

      أصبت عين الحقيقة

      للأسف الشديد فإن هذا الواقع المرير مستشر عندنا في عالمنا العربي، وإن شاء الله بجهود أمثالك نستطيع التغيير والرجوع إلى ما كنا عليه سابقًا من تقدم ،والسلام

    • زائر 3 | 9:00 ص

      أصبت عين المشكله

      كلام جميل... وما أحوجنا لان نتنبه ونعي بأننا مسؤولون عن غرس حب القراءه في أبنائنا بأن نقرأ نحن أولا... ثم بأن ندفعهم ونشجعهم...
      شكرا على هذا الطرح الموضوعي الدقيقي

    • زائر 2 | 3:28 ص

      رائع

      مقال فوق الرائع ، وكل أصول كتابة المقال تم اتباعها من قبل الكاتب، أشم في المقال رائحة كاتب ناضج ليس مبتدأ. كل التوفيق لك أخي.

    • زائر 1 | 1:52 ص

      مقال رائع...!

      ما شاء عليك كاتبنا المستقبلي...مقالك جميل حقاً واستطعت ان تجذبني من العنوان الى آخر كلمه فيه...واصل الكتابة وسيكون لك مستقبل في هذا المجال بإذن الله

اقرأ ايضاً