العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ

مساحة حرة - رسائل محذوفة

حوراء منصور الأزداني
حوراء منصور الأزداني

سأقص عليكم حكايتي، ليعرف كل واحد منكم، كم خسرت أيام عمري لأنني وبكل بساطة كنت أعيش في سراب لم يكن حتى موجود... هرولت مسرعاً إلى صندوق البريد فتحته بلهفة وجدت ظرفاً أبيض ملفوفأً بشريط وردي.

أدرت عيني سريعاً في الحي وعندما رأيت المكان يعمّه الهدوء، رفعت الظرف وعصرته بين أضلاع قلبي، وارتسمت أوجاع الشوق والحب على وجهي الأسمر النحيل... قربته وشممته ولثمته وكأنه قدسي.

انطويت على نفسي في حديقة منزلي، فتحته وكان الهواء يتراقص مع أوراق الرسالة:

عزيزي محمد... (تهكم وجهي فلابد من خطب ما يجري في حياة حبيبتي، فعادة تمطر عليّ كلمات الشوق والوله).

عزيزي محمد لقد اكتشف والدي علاقتي بك... وقد أصرّ على أن يرسلني للخارج لأدرس بعد العطلة الصيفية، سأشتاق إلى حنين رسائلك، لقد عاقبني وضربني ومزق رسائلك، إن سنين عمري الصغيرة توهبني أملاً في لقائك... أملاً أن ألتقي بك بين أحضان الحلال.

وكان آخر اللقاء بيني وبينها في كلمات مكتوبة بخطوط متعرجة.

بحثت بحسرة وشوق عنها، بحثت وبقيت أبحث، وكأنما كانت حورية في أحلامي فقط غيبها الزمان دون أي أثر... وأخذت السنين من عمري ما طاب لها.

فما تبقى من أصداء عشقي القديم إلا رسائل قديمة وصورة بهتت ألوانها، وما نسيتها وما تغيبت عني ولا يوماً واحداً.

ومضينا في سنينا نسايرها وها قد كبروا أشقائي وكبرت وفي مثل هذا التاريخ فرحتنا لا تقاس اليوم زينت والدتي وشقيقاتي المنزل وأعدت أمي كل ما يطيب لشقيقي سيعود اليوم ومعه شهادة الطب من الخارج غير هذا، وذاك فقد أرسل لنا بأنه خطب فتاة من عائلة مرموقة، فقد حقق لأمي حلمها أن تكون جدة.

حقق لها ما عجزت أن تحققه معي.

وحان موعد اللقاء وانتظرنا جميعاً في الصالون... وكانت والدتي لا تفارق النافذة والسعادة فوق تتراقص بين محيّاها ثم وصل وهو يجرّ حقيبته خلفه وابتسامته تشعّ فوق وجهه ورمى حقيبته فوق الأرض وعانق والدتي بحرقة... طوّقته بكل حب، وسعادته كادت لا تتركه، وحان دوري لأحتضن أخي بكل فخر لقد اشتقت لشقاوته حقاً.

ما لبثنا أن قال لنا شقيقي... هنالك مفاجأة لكم جميعاً خطيبتي معي... ضج المنزل واختلطت المشاعر وسعد من حضر وهبت شقيقاتي ليهندمن أنفسهن ونهضت أنا أشاركهم في سعادتهم البطرة.

فحانت لحظة دخول خطيبة شقيقي وحبيبي... كانت حقاً رائعة الجمال... تجمد الدم في شراييني وشعرت بطعنة جبارة تجتاح قلبي بقوة احترق فؤادي... تجمد جسدي تهت وتاه لبي احمرّ وجهي وتنهدت بحرقة تساقطت دمعاتي وكأنها جمر يتساقط فوق وجنتي شعرت بضجة الأصوات وكأنها بعيدةً عن سمعي وكأني أقبع في كرة زجاجية في وسط العالم الكبير... إنها صاحبة الرسالة هي في قعر داري مثل ما تمنيتها ولكن يا للعجب!

انسحبت لغرفتي حتى هدأت الضجة من حولنا وتسللت خلفها وقلت لها بلهجة متصدعة، لماذا؟ أدارت للخلف وارتسمت على وجهه ملامح مختلطة، ثم قالت:

من؟ ما عدتِ تتذكريني الآن.

ردت: بلى.

قلت: لكن لماذا؟... لقد انتظرتكِ أين كنتِ؟... ثم تعودين ممسكة بيد أعز الخلق إلى قلبي... تكسرت كلماتي وخرجت ملتهبة؟

ارتبكت وتلفتت من حولها، وقالت: لقد كنت صغيرة جداً كانت مجرد نزوة لا أصدق أنك مازلت تتذكر هذا، حتى بأني لا أعلم حقاً أنه أخوك.

قلت لها: ألم تهويني حقاً؟... أنا مازلت أعشق ضلالك في الصورة وتعرجات خطوط كاتباتك... ثم تعودين بعد أعوام لتطعنيني في قعر داري وتخبريني بأني نزوة من نزوات مراهقتك... يا لك من قاسية ظالمة، لقد سجنت قلبي بكل غباء وسذاجة، لم أفتحه لأي حب جديد، طلقت الحياة وكرّستها لأجل أمل عودتك لي.

زعقت في وجهها والدموع تتصارع في عيني: أتذكرين أملاً أن ألتقي بكَ بين أحضان الحلال ها؟

غادرتُ من أمامها دون أن أعود للخلف لأرى ردت فعلها ومزقت من فوري رسائلها وصورتها وبكيت... وبكيت وودت لو أن أنزع قلبي المغفل لأحرقه معهم لكن المقدر مكتوب وسنين العمر لا تنبت على قطرات دموع الندم.

العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً