العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ

مساحة حرة - تعرف «فلان»؟

إبراهيم الشاخوري
إبراهيم الشاخوري

إحدى طرق كسر الجليد عند محادثة غريب في المجتمع البحريني - إذا لم تكن الطريقة الوحيدة - يمكن اختصارها في سؤالين، الأول «من أي ديرة أنت؟» والثاني «تعرف فلان؟»، وبعدها يبدأ السائل في سرد تاريخ علاقته بفلان وكيف أنه يعرفه معرفة لصيقه ويسرد الطرائف التي حصلت بينهما، وكل شيء عنه، لماذا؟ لسبب واحد فقط هو أنك من الديرة نفسها التي يسكن فيها فلان! والأغرب من هذا أنك حين تجيبه بأنك لا تعرف فلان، يبدأ بإعطائك الأدلة التي يجب أن تقودك لفلان، فهو مثلاً «يشتغل في ألبا» و «يسكن في الفريق الذي بقرب المقبرة» و «عنده سيارة ماكسيما»... إلخ، وأحياناً كثيرة ما نضطر للتخفيف من إحراج الموقف بالقول «بلى، كأني عرفته».

صحيح أن البحرين صغيرة، وأن الحديث مع غريب لخمس دقائق قد يقود لنسب بعيد بينكم، فاحتمال أن يكون الغريب الذي تحدثه «أخو زوجة ولد خالك» احتمال قوي إذا لم يكن أكيد، وأنا لا أستند على إحصائيات لكن التجارب تدل على أننا في البحرين عائلة واحدة، فالفواصل التي تفصل بين القرى والمدن اندثرت، والبحرين في طريق أن تكون «ديرة واحدة» لا يفصلها سوى «نطة شارع» عن القرية والأخرى، لهذا من الطبيعي أن يولّد هذا التقارب والتداخل الجغرافي ترابطاً في القرابة والصلة.

وفي السنّة النبوية، فإن نبي الرحمة (ص) يعتبر من الجفاء أن تلقى الرجل دون أن تسأله عن اسمه ونسبه، ولكن ذلك لا يعني أن تكون جلسة التعارف جلسة نتحول فيها لـ «نسّابة» مع غريبٍ حتى يضيع الوقت بأكمله، فما الذي يجعلني مهتماً بمعرفة أصل وفصل «فلان» وتاريخه المهني طيلة العشرين عاماً الماضية لأنني من «الديرة» نفسها؟ جميل حقاً أن تعرّفني بكل الأشخاص الذين تعرفهم من «ديرتنا»، ولكن أن يكون هذا محور الحديث لنصف ساعة لينتهي الكلام بقائمة طويلة من «السلامات» التي يجب أن نوصلها، فاعذرني. هل يذكر أحدكم عدد السلامات التي حمله بها غرباء إلى أناس بالكاد يعرفهم، فقط لأن الجملة الختامية يجب أن تكون «سلّم على فلان»!

«تعرف فلان؟» بدأت بالانحسار قليلاً، صحيح أن الكثير من جيلي مازال مبرمجاً للبدء بهذا السؤال عند الحديث مع الغرباء، لكننا أضفنا أسئلة شبابية لابد من طرحها، فمثلاً يعنينا أن نعرف إذا كان الشاب الذي نتعرف عليه مدريدي أو برشلوني، سؤال يقود لساعة كاملة من الكلام والضحك حول ترتيب الدوري وخطط مورينهو الفاشلة، والانتقالات المتوقعة، وسيطرة «المانشافت» على «البودنس ليغا».

نحتاج لإعادة التفكير في الطريقة التي نحادث فيها الغرباء، فإحدى الدراسات الغربية تقول بأننا نحدد خلال التسعين ثانية الأولى من حديثنا ما إذا كنا سنحبّ الشخص الذي نحدثه أم لا، فلماذا نضيعها في تحقيقٍ بوليسي حول «فلان» ومعرفتك وروابطك به؟ لماذا لا نبدأ نقاشاً جاداً يكون محوره الشخص الذي أمامنا، بحيث نستطيع أن نفهمه بصورة عميقة؟ حوارٌ يعرّفنا به وبما في داخله، حوارٌ ينتج صداقة ومحبة، فمعرفة الناس كنوز.

العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 4:55 ص

      فاصل :)

      تعرف ابراهيم الشاخوري..الي كاتب مقال الحين ف الوسط باسم تعرف(( فلان))
      ..سلم عليه.. اعتقد لان مجتمع البحرين صغنون فدائما تشعر بالالفة مع اي شخص تقابله..

    • زائر 4 | 3:14 ص

      واقع و لكنه مألم

      يقول أحد أصحابي و هو من من عائلة كبيرة بها تعدد زوجات :
      أنه ذات يوم التقى برجل غريب في أحد المطاعم و بدأ الحديث بالطريقة ذاتها التي ذكرت يا عزيزي ابراهيم و انتهى به الحديث بقول الرجل الغريب :سلّم لي على الوالدة و الوالد و الأخوان و الخوات سلام كثير، أتعرفون من يكون الرجل الغريب؟
      إنّه الخال (الفرداني) لصاحبي.

    • زائر 3 | 1:56 ص

      احترم وجهة نظرك و لكن....

      هذي طبيعتنا و احنا انحبها و هذا امر مسلم فيه يا حلو ثقافتنا و طبعنا الاصيل

    • زائر 2 | 1:23 ص

      اجبرتني على القراءة

      موفق ان شاء الله عزيزي إبراهيم الشاخوري .. بصراحة اجبرتني على القراءة من خلال عنوان مبهم يدفع العقل لإكتشاف الموضوع .. حرسك الله ووفقكم بحق محمد وآل محمد

    • زائر 1 | 11:08 م

      على الجرح

      أصبت في مقالك الصغير اللطيف يا رجل ..
      لك مستقبل زاهر ، فقد جمعت بين (قليلا) من الفكاهه والمزح ويين الواقع للمعاش فعلا في بلادنا ..
      بورك قلمك وجزاك الله خيرا

اقرأ ايضاً