العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ

مساحة حرة - نظرية أعواد الثقاب!

أحمد مصطفى الغر
أحمد مصطفى الغر

في العام 1826، كان الصيدلي جون واكر يجري إحدى التجارب في المعمل عندما خلط نسبة من كلوريد البوتاسيوم وكبريتيد الأنتيمون وقام بتقليبهما باستخدام عود من الخشب، وبعد فترة قليلة التصق الخليط بالعود الخشبي المستخدم في التقليب، وحاول واكر أن يفصل الخليط عن العود بحكه في حجر صخري فوجد أن هناك شرارات تصدر نتيجة الاحتكاك فخرج للدنيا باختراع جديد اسمه «أعواد الثقاب»، لكن إذا كان اختراع الثقاب قد تم بالصدفة، فإن من استخدموه فيما بعد لم يكن من قبيل الصدفة، بل بوعي وإدراك تام.

وقد أشعل بعضنا خلال حياته آلاف من تلك الأعواد، وقبل اختراع القداحات «الولاعات»، خصوصاً من يدخنون السجاير، وأتمنى أن يعرفوا أن التدخين حرام شرعاً «كما ورد في فتوى لدار الإفتاء المصرية»، وقبل أن تغزو الصين بلادنا بأشكال غريبة وعجيبة من تلك القداحات ذات الأحجام والألوان المختلفة، بعود ثقاب واحد يمكنك أن تحرق منزلاً أو شركة أو مصنعاً، بل وطناً بأكمله، عملياً الحرق يحدث بسبب النار التي يولدها الثقاب، لكن في الواقع أن البغض والحقد والكراهية والعنف الذي يحمله مشعل عود الثقاب هو ما يسبب الحريق الأكبر والأشمل.

وللثقاب بعد حرقه وجهٌ آخر حسن، فهناك فن يطلق عليه «فن أعواد الثقاب»، حيث يرى الفنان الحياة في احتراق الأعواد، وأحد فناني هذا النوع من الفن هو الفنان ستانسلاف اريستوف، وهو روسي الجنسية والتقط الكثير من لقطات احتراق أعواد الثقاب ولحظات انطفائها، ويفسر نظريته في أن الأعواد المحترقة تمثل الحياة ذاتها، حيث يرى أن الاحتراق يمثل الماضي والدخان المتصاعد منه يمثل الذكريات والجزء المتبقي من العود هو المستقبل أما النار فهي الحياة، وإن كنت أنا شخصياً أعترض على الجزء الأخير من تفسيره هذا بأن النار هي الحياة، صحيح أنها مهمة في حياة الإنسان، وأن اكتشاف الإنسان لها في البداية كانت أمراً مهماً ونقله كبيرة في تاريخ البشرية، لكنها ليست الحياة!

إن أسوأ ما قد يحدث في أي وطن أن تجد بعضاً ممن يصفون أنفسهم بالنخبة وقد أصابهم الخرس على ما يحدث من حرق أو تخريب لمقدرات الأوطان، صمتهم حفاظاً على شعبية صنعتها الصدفة أو الظروف لن يمنع النيران أن تلتهمهم لاحقاً، فخلال الحرب العالمية الثانية عندما كان يتعين على الحلفاء قتال اليابانيين في مناطق تتميز بالأمطار الموسمية الشديدة، اقتضت الضرورة صناعة عود ثقاب مقاوم للماء. في العام 1943م، تمكّن ريموند دي كادي من اختراع تركيبة كيميائية تحمي عود الثقاب الخشبي إلى حد أنه أمكن إشعاله بعد بقائه 8 ساعات تحت الماء، حيث يطلى هذا الثقاب المقاوم للماء بمادة مقاومة للماء والحرارة، ولكن هذه المادة لا تمنع توليد احتكاك كافٍ لإشعال الثقاب، لكن الثقاب الذي يحرق وإن طالت مدة بقائه مشتعلاً... فلابد له من نهاية يموت بها منطفأة ناره.

العدد 3843 - الجمعة 15 مارس 2013م الموافق 03 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً