العدد 3854 - الثلثاء 26 مارس 2013م الموافق 14 جمادى الأولى 1434هـ

الدولة البوليسية في المنطقة العربية

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

الممارسات البوليسية التي تطبقها أي دولة لا تعترف بالتعددية ولا تحترم حرية التعبير، هي في الغالب عاجزة عن تحقيق أبسط مبادئ الحرية وحقوق الإنسان، وهو ما يزعزع العلاقة بين المواطن والدولة فتغيب الثقة ويحل محلها هاجس الخوف الذي يأتي عبر ممارسات وأفعال مختلفة بدءاً من التهديد والملاحقات القضائية وصولاً إلى الزج في السجون ضمن سلسلة من الأحكام القاسية.

وتعريف الدولة البوليسية كما ورد في كتب المصطلحات للعلوم السياسية هو «مصطلح يُعبِّر عن دوله تمارس فيها الحكومة القمع وتمنع أي معارضة وتسجنهم وتمنع حرية التعبير وتتحكم في الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية ويبقى للبوليس صلاحيات كثيرة وكبيرة للسيطرة على المعارضين لسياسة الحكومة التي غالباً تبقى نظاماً شمولياً لا يسمح بوجود معارضة حقيقية».

ولهذا فإن كثيراً مما يحصل في منطقتنا العربية من بعد العام 2011 هو استمرار لممارسات لا تصب في الصالح العام التوّاق إلى الحرية وإنما في إطار يسعى لتركيع المواطن العربي وإلغاء قيمته الإنسانية... فإمّا مساومة سياسية، أو عقاب جماعي يشمل عرقاً أو إثنية أو مذهباً أو منطقة أو ديناً.

هكذا هي الأمور اليوم في شوارع وميادين ومناطق الشعوب العربية، فالمشهد لا يخلو من استمرار تحقير قيمة الحرية والديمقراطية، والكلام دائماً يردد بأن المواطن العربي غير مؤهل وغير مستعد وغير مستوعب للديمقراطية؛ ولذلك فإن حتى كلمة ثورة أو احتجاج أيضاً ليست مصطلحات من حقه أن يتداولها، لأنه ببساطة وبحسب رأي من يمسك بزمام الأمور في هذه البلدان أن ذلك غير صحيح؛ فتأتي تصريحات رسمية تصف ما يحدث في الشارع ليس باحتقان واحتجاج ولكن إرهاب وتخريب. وبدلاً من مواجهة المشكلة فإن الحلول الأمنية هي ما تلجأ إليها أو تبدأ في توجيه سماسرتها في الصحافة والإعلام والجمعيات الوهمية التي تشكلها من أجل الكتابة ضد ما يطالب به الشارع وإلقاء اللوم على أطراف أخرى دون الاعتراف بواقع المشكلة السياسية الأساسية.

والدولة التي لا تتعامل مع الشعب سوى عن طريق أجهزتها الأمنية لا تعلن أبداً عن أن الهدف من هذا الترويع والعنف هو البقاء في السلطة والحفاظ على مصالح جماعات متنفذة، بل تستخدم في ذلك سياسة لإرهاب المواطنين تتحدث عن الفوضى والبلطجة والجرائم التي سوف تعم البلاد لو لم تضرب بيد من حديد على كل مخالف. ذلك هو السبيل الوحيد لكي تنجح في إقناع قطاعات من المجتمع من أنه لا بديل عن تلك القبضة الحديدية للتحكم في الأمور «من أجل المصلحة الوطنية والأمن القومي». فالطبقات المتنفذة ومجموعاتها تسعى في كثير من الأحيان إلى الدعاية بأن «المجتمع في خطر» وأن الإرهابيين والمخربين هم السبب. فالترويع من مخاطر الإرهابيين والتضخيم من تأثيرها يساعد هؤلاء على صرف الانتباه عن الأسباب والمضمون الحقيقيين للأزمة الاقتصادية - الاجتماعية بل ويساعدها على تقوية جهازها القمعي، وعلى قمع جموع المطالبين سواء من يخرج في الشارع أو يغرد على شبكات التواصل الاجتماعي أو يعاقَب بسبب دينه ومذهبه وعرقه.

المراقبون يؤكدون أن المشهد العربي مقبل على تقلبات كثيرة وأن أكثر من شارع عربي يغلي احتقاناً كلٌ بحسب حجمه وطبيعته، ولكن بكل تأكيد، فإن المفاجأة ليست بعيدة من أي تغيير للدول التي مازالت مستمرة في احتجاجاتها؛ تلك الاحتجاجات التي تتضارب مع المصالح الغربية التي تجدها عائقاً في الحفاظ على ما هو موجود بدلاً من شيء جديد يخيفها ويهدد مصالحها. هكذا هي القراءة لبعض الدول الغربية التي لديها مصالح مع بلدان في المنطقة العربية التي لا ترى مصلحتها إلا في إبقاء وضع مستبد، غير أن حاجز الخوف قد انكسر ولم تعد أساليب القمع تقف حاجزاً أمام شعوب المنطقة المتطلعة للحرية؛ لأن ذلك الأمر انتهى، والتحدي في التغيير هو ما تتطلع إليه الجماهير العربية، وقد تكون مصر خير مثال؛ إذ سبقت كل تلك الأحداث بثورة يناير ومع تزايد حدة الصراع الطبقي والاحتجاجات المطالبة بحقوقها تحقيقاً لمطالب الثورة بالحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، سوف يلجأ النظام إلى جهازه القمعي أكثر من أي وقت مضى لأنه ببساطة لا يملك رضا الشارع وإعادة توزيع الثروة، ومن ثم لم يعد يملك سوى سلاح القمع والسجون والمحاكمات غير الملتزمة بضوابط العدالة وحقوق الإنسان وسيلة لإحكام القبضة على الشارع. إنها سياسة الدولة البوليسية التي تقول للمواطن: لا وألف لا لحريتك ولرأيك المضر بمصالح الفئات المتنفذة.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3854 - الثلثاء 26 مارس 2013م الموافق 14 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 3 | 4:11 ص

      مبررات الحكام لعدم اعطاء الشعوب حقوقها

      أحيانا يقولوا هذه الشعوب قاصرة
      واحيانا هذه الديمقراطيات لا تناسبنا
      واحيانا اجندات خارجية وعملاء للخارج
      وأحيانا ارهابيون ومخربون وووو
      اوصاف تكثر ولا تقل كلها من اجل ايجاد مبرر لسلب هذه الشعوب حقوقها
      لا يوجد حاكم ظالم الا ويحاول تبرير ظلمه
      وحكامنا العرب ما شاء الله عليهم كل الصفات فيهم
      (كامل الاوصاف) الحمد لله

    • زائر 2 | 3:42 ص

      لن يطول الزمن

      لن يطول الزمن حتى تحصل الشعوب فيها على حريتها قريبا ستسقط رموز الديكتاتوريات وويل لهم ان كانت الشعوب هي محكمتهم

    • زائر 1 | 2:27 ص

      غريزة الهرب أو المواجهة

      هذه غريزة مبرمجة في تكوين الإنسان فهي ميزة ميز الله بها الانسان والحيوان عن سائر المخلوقات.
      وهي غريزة استخدمها الأنسان في مواجهة الأخطار أو الهرب منها عند ما تكون المواجهة غير متكافئة.
      لكن استخدام المتنفذين لأجهزة الدولة وسلاحها وجيشها ضد شعبها وكأن الشعب هو الخطر الذي يهدد بقاء الدولة ما هو الا ضرب من الجنون والغباء.
      فإن الحراك الشعبي حين يهدد بقاء أشخاص ليسو أكفاء للبقاء في مناصبهم فهو لدواعي التطور وليس لهدم البلد ذلك يستدعي الهرب لأن الحراك الشعبي أكبر من أن تتم مواجهته بدبابات.

اقرأ ايضاً