العدد 3861 - الثلثاء 02 أبريل 2013م الموافق 21 جمادى الأولى 1434هـ

البحرين... حكاية نضال إنساني

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

عند قراءة أدبيات كبار التنويريين في أوروبا نجدها ترتبط بالفكر الإنساني والحقوقي الذي أصبح يكتسح اليوم ساحة الأفكار التي استلهمها جيل الشباب العربي، هذا الجيل الذي أصبح توّاقاً إلى كسر القيود التي تحد من تحليقه في فضاء مفتوح، فضاء يسمح له بالتحليق مرتفعاً من الناحية الحضارية... وعليه، فعندما يصرخ الشباب هاتفاً بالتغيير فإنما ذلك نتيجة لتراكمات جمة، وهذه الصرخات لا يمكن إخمادها بالقمع أو بالحرمان من الرزق والفصل من الأعمال، أو تنفيذ وسائل تفريقية في المجتمع تعتمد على مجرد الاختلاف في الرأي أو العرق أو الدين أو المذهب.

ونحن في البحرين جزء من هذا العالم المتفاعل مع قضايا مشروعة، وهذه الجزيرة لديها تاريخ طويل من النضالات الوطنية ضد ممارسات لا تتسق مع حقوق الإنسان، ومنها ما أصبح اليوم موثقاً ومسجلاً في التقارير الدولية، ومنها في التاريخ البعيد الذي لم يوثَّق لغياب الجهات الرقابية آنذاك.

إحدى المشكلات التي نواجهها بحرينياً هي الاستمرار في إنكار المشكلة الحقوقية والسياسية، ويلجأ البعض إلى الهروب من الاعتراف بالمشكلة عبر تغليف الأزمة بإطار طائفي، ولكن هذا التغليف لم يغير من حقيقة الواقع المعاش. إن قوى المجتمع المختلفة طرحت خلال نضالها الطويل الممتد منذ مطلع القرن العشرين إلى الانتقال من وضع الاتباع إلى وضع المواطنة، وهذه يتطلب الانتقال إلى اعتبار المواطن شريكاً أساسياً في الوطن، على مستوى القرار السياسي، وعلى مستوى التمتع بالحقوق المدنية. ولكن المشكلة أن هناك إنكاراً للمشكلة، وهذا أدى إلى تفاقمها بدلاً من تبنّي حلول تخرجنا من متاهات نحن في غنى عنها، والسبب مرة أخرى هو إنكار المشكلة الأساسية منذ البداية.

وخلال العامين الماضيين فإن البحرين تعيش عوالم منفصلة عن الواقع، وبعضها يعيش ضمن مفاهيم عفا عليها الزمن، ويستغرب أن العالم لم يعد يعترف بكلامه العقيم. ومع الأسف، وبدلاً من الاعتراف بالمشكلة السياسية والحقوقية، نجد البعض يتهم منظمات حقوق الإنسان بأنها عدو الاستقرار، وهذا كلام لا يقوله إلا من يعتبر نفسه غريباً عن مبادئ الإنسانية والدولة المدنية. إن الحلول الأمنية فشلت في إخراج البحرين من الأزمة، وهذه الحلول لن تحقق استقراراً لأنها تعتمد أطروحات وسياسات وممارسات خاطئة.

إن استمرار الوضع كما هو عليه ليس في صالح أحد، كما أن الساعين إلى مزيد من الانقسام والانشطار داخل المجتمع الواحد لا يبدو أنهم يهمهم الضرر الذي يلحق بهم قبل غيرهم، وهؤلاء يعتقدون أن راحتهم يجب أن تكون على حساب آلام الآخرين.

إن المفتاح الحقيقي للاستقرار هو الحل السياسي الذي يقر بارتكاب الأخطاء، ومن ثم الدخول في المصالحة، وقد تكون تجربة المغرب قبل عشر سنوات في المصالحة والمكاشفة خير مثال من منطقتنا العربية. كما أن جلوس جميع الأطراف على طاولة الحوار أمر مهم للخروج من الأزمة الحالية ولابد أن تكون المبادئ الأساسية لحقوق الإنسان، والديمقراطية، نبذ العنف، والحوار، هي محور العملية الوطنية.

إن الشباب العربي ينظر إلى عالمية حقوق الإنسان، بمعنى أن الحقوق هي نفسها في أي بلد كان، سواء كان الإنسان يعيش في كولومبيا، بورما، الجزائر، زيمبابوي، النرويج، الأرجنتين، أو البحرين. لا يوجد فرق في الحقوق، كما أنه لا يوجد فرق في الانتهاكات المرفوضة إنسانياً أينما كانت، وهي تتشابه مع بعضها البعض، لأنها تتسبب في معاناة إنسانية واحدة، وحقوق الإنسان هي حقوق ليست مقتصرة على إثنية أو معتقد أو لون بشرة، أو طائفة أو قبيلة، أو غير ذلك. إن وحقوق الإنسان أصبحت ثوابت دولية يجب احترامها والعمل بها من أجل تحقيق الاستقرار.

إن استمرار إنكار المشكلة جلب لبلادنا المزيد من المتاعب والخسائر، كما أدى إلى تنامي حالة الإحباط والجمود السياسي الذي حول الوطن إلى رهينة أفكار عقيمة تسعى دائماً للنيل من شريحة كبيرة من المجتمع ولإحداث الشرخ داخل المجتمع عسى ولعل ذلك يفيد في المساعدة على الاستمرار في الإنكار.

إن ما حدث ويحدث في البحرين هو جزء من حراك إنساني عالمي مرتبط بأفكار كونية، والشعوب العربية كما هم البحرينيون يشاركون بقوة في هذا الحراك الذي يتعلق بدرجة كبيرة بحقوق الإنسان؛ أي عدم التفريق بين أنواع البشر في المجتمعات. وفي الماضي كنا نسمع البعض يقول بأن الديمقراطية مفهوم غربي لا يناسب المجتمعات في المنطقة العربية إلى آخره، ولكن ما حدث اليوم يثبت العكس وأن هذا الكلام غير دقيق، والبلدان العربية تتحرك حالياً ضمن مفهوم عالمية حقوق الإنسان، لأن الناس تريد حرية وعدالة وكرامة، وبالتالي فإن البحرين كغيرها من البلدان والشعوب، مازالت حكاية يصنعها نضالها السياسي من خلال استمرار المطالب العادلة. إن حقوق الإنسان ليست خطابات فارغة، وإنما ثوابت ضرورية تتطلب احترام الرأي الآخر وضمان المساواة بين المواطنين وضمان المحاكمات العادلة والحفاظ على الكرامة في العيش... وحقوق الإنسان أصبحت قوانين إنسانية واضحة يجب أن تُحترم في كل بلد وهو أمر معروف ولا يمكن التهاون فيه في كل البلدان بما فيها البحرين.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3861 - الثلثاء 02 أبريل 2013م الموافق 21 جمادى الأولى 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 6 | 4:42 ص

      متابع السياسة قد ينتبه ويلحظ أنها لا تقود الا الى تعاسة الشعوب

      خلق الفتن بين الناس ليس من الصعب بينما اصلاح ذات البين قد يكون أصعب. فهل من يخرب بين الناس كمن يعمر 1000 سنة أو وحش الكون لم يقال عن أمريكا ولم يقال عنها انها الشيطان الأكبر تفتن بين الشعوب وتفهم أنها مع الحرية والديمقراطية وحقوق الانسان. فهل هذه كذبة أبريل الجديدة؟

    • زائر 5 | 4:36 ص

      العجلة من الشيطان والشيطان شاطر

      الانسان ليس مخلوق غريب لكنه خلق عجولا وجهولا إذا مسه الخير منوع واذا مسه الشر جزوع. فبين الفزع والفزعة هذا للماعنده صنعه. من الناس فس بعض المجتمعات يتفازع على فلان ويتجسس على فلانه وعلان قاعد أيطالع ويسجل ويدعي على الجميع بالفتن ويتهاوش على الصغيرة ويبسى الكبيرة. أن الله قال لا تعتدو وقال لا تجسسوا وقال ... وقال .. فهل القيل والقال بين الناس زين أو مينا تليكوم؟

    • زائر 4 | 4:27 ص

      قال ويقولون نعم أو لا ïپگأو ïپڈ

      لم يقل الشعب لا للعدل بل قال لا للظلم ولم يقل لا للمساواة بل قال نعم للانسان أولاً ومن ثم إخسبها بمعادلة بكر بربح مليون جنيه استرليني. بعض العور والتفكير السلبي سلب من الناس لبها. فتارتا تتعامل بملوثات للجو وأخرى بسريب خبر من هناك وأخبار لا يعرف ساسها من كرياسها بس خل الناس مشغولة إما بمشاكل وهمي أو مشاكل يوميه والمستثمر لكل هذه الحركات البهلوانيه تلقاه من الامبريالية وليس من السريالية. فهل سيستمر الحال مع الموروثات لتورث أمراض أخرى للمجتمع ويفرق الشمل وكل واحد ايروح بيته؟

    • زائر 3 | 3:36 ص

      دمت بخير

      دمت بخير أستاذة وهكذا أقلام يخلدها التاريخ وتبقى خيرا على الوطن ونبراس يضيء دروب الأجيال الحاضرة وأجيال المستقبل ستذكرها بخير في كل المحافل كل التحية لكي ولقلمك.

    • زائر 2 | 1:58 ص

      مقال رائع

      يعطيك العافية ((( مقال جدا رائع )))

اقرأ ايضاً