العدد 3890 - الأربعاء 01 مايو 2013م الموافق 20 جمادى الآخرة 1434هـ

طرابلس التي أعرفها

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

تعاني مدينة طرابلس، ثاني أكبر مدن لبنان من سمعة العنف نتيجة لنزاع مستمر في أحياء باب التبانة وجبل محسن. أصبحت هاتان الضاحيتان اللتان كانتا حياً واحداً من مدة، مقسمتين عبر خطوط سياسية أثناء الحرب اللبنانية الأهلية التي استمرت 15 سنة (1975-1990). ونظراً لتاريخ لبنان السياسي المعقّد مع سورية، ازداد التوتر نتيجة للنزاع في سورية ونتج عن ذلك نزاع مسلح متقطع.

إلا أن طرابلس التي أعرفها مختلفة. عندما أقوم بزيارة الأصدقاء، أنضم إليهم في مقهى لتدخين النرجيلة (الشيشة)، ونخرج معاً لتناول الآيسكريم في قصر حلاب للحلويات، ونتمشّى مساءً في منطقة الميناء مستمتعين بشرب الشاي المحلّى بالحليب من بائع يجرّ عربة بعجلات. ليست طرابلس ساحة حرب، وأنا آمل أن تتمكن مجموعة من مبادرات الشباب في المدينة من المساعدة على استعادة السلام في هذين الحيّين.

يذهب سكان هذين الحيّين أحياناً إلى العمل معاً، ويذهب أطفالهم إلى المدارس نفسها، ويتزوجون أحياناً من بعضهم. كان الحيّان في الأصل حياً واحداً اسمه باب التبانة، وانقسم خلال الحرب الأهلية. تجمّع علويّو باب التبانة (والعلويون أقلية مسلمة تمثّل 12% من السكان في سورية، مع جيوب في كل من لبنان وتركيا) تدريجياً على سفح الجبل (جبل محسن) المطل على باب التبانة. جاء ذلك إلى حد ما نتيجة للتوترات بين الحزب العربي الديمقراطي اللبناني، الذي دعم النظام السوري أثناء الحرب الأهلية، وحركة التوحيد الإسلامية السنّية في طرابلس في ذلك الوقت.

نتيجة لذلك، يعمّم الكثيرون اليوم بأن السنّة في باب التبانة يدعمون الجيش السوري الحر، وأن سكان جبل محسن العلويين يدعمون النظام السوري. كما يصّور الإعلام النزاع أحياناً كثيرة على أنه طائفي، وهو تشابه مرعب مع الحرب الأهلية اللبنانية.

كما أن هذين الحيين من بين المناطق الأكثر فقراً في لبنان، فمعدلات الفقر والبطالة والكثافة السكانية جميعها مرتفعة. ولا يحصل السكان على الاحتياجات الرئيسية مثل الكهرباء والمياه الجارية والأمن، الأمر الذي يمكّن الساعين للحصول على السلطة من إذكاء نار النزاع المسلح في المنطقة.

ولكن هناك اليوم مبادرات تهدف إلى جَسر الصدوع وإيجاد فرص للحوار بين السكان المقيمين في باب التبانة وجبل محسن.

ومن بين هذه المبادرات الفريدة TEDxAzmiStreet، المسماة على اسم شارع مكتظ يربط أجزاءً عديدة من طرابلس. وهذه المبادرة هي نسخة مصغّرة عن مؤتمر TED المعروف وقد تم ترخيصها وتنظيمها بشكل مستقل وتسعى إلى المشاركة «بأفكار جديرة بالنشر».

وخلال المناسبات التي تنظّمها هذه المبادرة، يقدّم مشاركون، بشكل حي أو ببث مباشر، أحاديث حول الإبداع والابتكار وقصص عن نجاحاتهم الشخصية وحلول للتحديات الاجتماعية والتقنية والتعليمية والاقتصادية التي تواجهها طرابلس.

يشرح منظم المبادرة نزيه فينو، كيف توفّر مشاركة الجمهور الناس فرصة للتعبير عن أنفسهم في مكان يُسمع منه الجميع، ليفهموا بشكل أفضل احتياجات بعضهم. وقد حضرْتُ أول مناسبة نظمتها في طرابلس منتصف العام 2012. كان الوقت صعباً جرى فيه تبادل كثيف لإطلاق النار في باب التبانة وجبل محسن الليلة السابقة، ووجد منظمو الحدث أنفسهم أمام قاعة ممتلئة بالناس. يقول فينو: «لم يتوقّع أحد أن يتمكن الناس من الحضور، ولكنهم حضروا. جاءوا ليقولوا إننا ضد العنف، ونستطيع تغيير المستقبل من خلال تحسين أنفسنا وفرصنا في العيش بصورة فضلى».

لقد كان بالإمكان ملاحظة الانسجام القوي للجمهور والأمل في أصواتهم ورغبتهم القوية في أن يُسمَع صوتهم لتدين النزاع المسلّح في طرابلس. وبدأت مبادرة أخرى عنوانها «نحن نحب طرابلس» وهي واحدة من المجتمعات الإلكترونية الأكبر في طرابلس عام 2007 كمجموعة فيسبوك للشباب من خلفيات دينية وسياسة مختلفة، أرادت «تغيير صورة طرابلس كمدينة دفعها التطرّف والعنف». نظّم أعضاء هذا المجتمع أنفسهم وهم يشكلون اليوم منظمة غير حكومية مهمتها «إطلاق المشاعر الجماعية لخدمة مجتمعنا من خلال مشاريع استقطاب الدعم والنشاطات التطوعية والإعلام الاجتماعي». ويعمل هؤلاء الشباب على صفحة الفيسبوك الخاصة بهم، والتي يتبعها ما يزيد على 15,000 صديق، على تشجيع رسائل السلام، مثل صورة تظهر رجلاً يحمل رسالة تقول: «علوي، سنّي، شيعي، جميعنا لبنانيون».

عندما سألت فينو عن الاحتياجات المشتركة للمواطنين في جبل محسن وباب التبانة قال: «الطرفان يحتاجان إلى الانخراط في مجتمع واحد، وكلاهما يحتاج السلام».

مثل هذه المبادرات تخلق فرصاً للشباب لإشراك بعضهم وإبعادهم عن الشارع. وسوف تساعد عملية توفير منتديات لحوارات مفتوحة وفرص للانخراط في مشاريع مشتركة في المجتمع المدني والإبداع والعمل الناشط والتكنولوجيا، بالتأكيد على إنهاء النزاعات المسلّحة في طرابلس إلى غير رجعة.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3890 - الأربعاء 01 مايو 2013م الموافق 20 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً