العدد 3898 - الخميس 09 مايو 2013م الموافق 28 جمادى الآخرة 1434هـ

ما معنى العلاقات بين المسلمين والغرب؟

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

إنها لحقيقة أن مفهوم صِدام الحضارات، الذي أثاره الأكاديمي الأميركي صموئيل هانتنغتون وجعله أكثر شعبية، له علاقة أكثر وثاقة من أي وقت مضى في أذهان العديد من الناس. هناك منظور، خصوصاً عندما يتعلق الأمر بالعلاقات بين المسلمين والغرب، بأن القيم المسلمة والغربية غير متكافئة.

رغم ذلك، كان طرح هانتنغتون بأن النزاع بعد الحرب الباردة سوف يُحذَّد ليس بالأيديولوجيا أو الاقتصاد، وإنما بالخلافات الثقافية، كان بالتأكيد له طابع التنبؤ، حيث أصبحت الثقافة الأساس المبدئي للتفاضل، رغم أن الثقافة نفسها يُنظَر إليها أحياناً بأسلوب ثابت وساكن إلى حدّ بعيد جداً.

كان ردّ الفعل للنتيجة التي توصّل إليها هانتنغتون غير مرتاحة بشكل عام، فلو كان ما قاله صحيحاً فإن مستقبل العالم يمكن أن يكون قاتماً إلى حدّ بعيد، وسوف تُعتبر الفروقات الثقافية شريرةً بدلاً من أن تكون أسساً لتنشيط التنوع. بدا هانتنغتون بالنسبة للكثيرين وكأنه ينظر إلى نصف الكوب الفارغ، في الوقت الذي فرض فيه مفهوم التفاعل العالمي، والعولمة بشكل عام، قراءة مشجّعة أكثر للوضع.

لكل من الطرفين موقف صحيح. كان هانتنغتون ذا بصيرة عندما أدرك أن سبب النزاع سوف يتحوّل بعيداً عن الخلاف العقائدي (رغم أن الحوار المتعلق بالاقتصاد كان أقل إقناعاً)، بالرغم من بقائها في مجال الأفكار. إلا أنه صحيح كذلك أنه في طرحه، بدت العلاقات العالمية وكأنها تعكس رؤية كارثية من العداء والاختلاف الأبدي.

ليس هناك خطأ في بحث الفروقات بين القيم الغربية والقيم المسلمة، ولكن إضفاء ميّزات لا تتغير للحوار على الجانبين هو إغفال للطبيعة المتكيفة للثقافة، وقدرة بني البشر على تعديل ردود الفعل الثقافية في البيئات المتغيرة.

إذا أراد المرء مساءلة منظومة هانتنغتون، فيجب القيام بذلك في مجال وجهات النظر، فبالنسبة للعديد من الناس في الغرب، كانت الثورات العربية منذ العام 2011 حالة تعبّر عن ذلك. لقد أخذ هؤلاء الناس يؤمنون أن ما بدأ كرغبة بالديمقراطية والحرية، انتهى الأمر به مفضِّلاً للجماعات الإسلامية (وهي جماعات تؤمن أن هناك دوراً للإسلام في السياسة)، وهي ليست ديمقراطية بشكل خاص ولا متسامحة مع الحرية، وسعت في العادة للحصول على تشريعات تحدّ من قدرات المرأة، التي تشكل جزءاً كبيراً من شعوبها.

إلا أن الواقع يكمن في الفروقات الدقيقة. ففي مصر وتونس على سبيل المثال، استولت جماعة الإخوان المسلمين وحزب النهضة على المؤسسات الحكومية الرئيسية. ورغم أنها سمحت بسلوك لم يكن يُسمَع به تحت الأنظمة السابقة، إلا أنها أصبحت كذلك عرضةً للنقد بشكل متزايد حيث أنها احتفظت بسلطات تسمح لها بكبح حريات معيّنة، مثل حرية التعبير، بينما داست بغلاظة على هيئات تمثيلية.

يشكّل الاعتراف بالتيارات التحتية المعقدة للثورات العربية ضرورة مهمة حتى يتسنى فهم ما يجري، فالمفهوم السائد بأن هناك ما لا يمكن تسويته بين تطلعات المجتمعات العربية وتطلعات المجتمعات الغربية هو مفهوم مبسّط وخاطئ في أغلب الأحيان، تماماً مثلما هو ساذج أن نتوقع أن المجتمعات العربية التي هي في غليان وسوف تعتنق بكامل إرادتها القيم الغربية، مثل العلمانية وأولوية الفرد على حساب المجموعة، وهكذا.

المطالبة بمثل هذا الاعتناق، وهو أمرٌ لا يقل عن إعلانه أمراً مستحيلاً، هو الإيمان بأن الثقافة تتكلم بالأمور المطلقة. ففي السنوات الإثنتي عشرة الأخيرة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر، أدت المعرفة الشائعة إلى تفهّم غربي أفضل لتعقيدات العالم المسلم، بينما عملت تغييرات بعيدة الأثر في العالم المسلم على إفشال المنظور الغربي الأسود والأبيض للمنطقة. فعندما ثار السوريون قبل سنتين، لم يترددوا في طلب المساعدة الغربية، تماماً مثلما تم اعتبار عملية إسقاط الأنظمة الاستبدادية بشكل إيجابي في الولايات المتحدة وأوروبا.

ما زال السوري أو المصري ينظر إلى الحرية تماماً مثل الفرنسي أو الأميركي، حتى رغم أن العقد الاجتماعي الذي يفضّله كل منهما لحماية هذه الحريات مختلف. ربما سيطلب البعض المزيد من العلمانية، ويطلب آخرون المزيد من الدين، ولكن إذا انتهى الأمر بأن يؤدي العقد الاجتماعي المفضّل إلى إفشال هذه الحريات نفسها، فإن ذلك يعني وجود فرص بحصول عمليات تمرّد جديدة في مرحلة ما.

كان هانتنغتون على صواب عندما تطلّع باتجاه الثقافة على انها الحدود بين المجتمعات الغربية والشرقية. ولكن الحدود تتغيّر باستمرار، والقيم تتقطع بين الثقافات عن طريق التناضح. والافتراض بأن الثقافات تملك اكتفاءً ذاتياً وأنها غير متغيرة هو أمر خاطئ مثل الافتراض بأن المميزات الثقافية يمكن حلها دون تمييز. تكمن الحقيقة حول الثقافة في الوسط، فالقيم قابلة للنقل من مكان لآخر، وهذا سبب كون الهوية فاتنة عندما يتم تقييدها بأقل قدر ممكن.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3898 - الخميس 09 مايو 2013م الموافق 28 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً