العدد 3899 - الجمعة 10 مايو 2013م الموافق 29 جمادى الآخرة 1434هـ

مجتمعنا المُرتبك

ياسر حارب comments [at] alwasatnews.com

يدخل مركزاً تجارياً مرتدياً ثوباً وحاسراً رأسه، أو يضع فوق رأسه قبّعة (كاب) فتتخاطفه نظرات بعض الناس مستنكرةً تلك الصورة. ثم يدخل مرةً أخرى ببنطال وقميص فلا يلاحظه أحد، إلا عندما يعرفون بأنه مواطن إماراتي، فإنهم حينها يزدرونه أكثر؛ لأنه غير ملتزم بالعادات والتقاليد، وقد يصفونه بأنه ثائر عليها.

سألتُ مجموعةً من الأصدقاء عن رأيهم في هذا الموضوع، فقال أحدهم بأن مجتمعنا منقسمٌ إلى ثلاثة أقسام: الأول قسمٌ شرقي، نسبة إلى تمسكه بالعادات المحلية «الشرقية». والثاني غربي، ترك عاداته وتقاليده، ثار عليها، وتسربل بكل ما هو عالمي؛ في لبسه وشكله وكلامه وتصرفاته. أما القسم الثالث، وهو الأقلية، يقف بين الأول والثاني، مازال متصلاً بشرقيته من خلال علاقته بكبار السن، ولكنه لا يستطيع أن يتملص من إرهاصات المرحلة الحضارية التي يعيشها؛ لأنه يتفاعل مع العالم أجمع من خلال الاطلاع والسفر ووسائل التواصل الحديثة. وتكمن المشكلة الحقيقية، حسب حديث الأصدقاء، في أن النوعين الأول والثاني يرفضان فكرة التعرف على ما عند كل من الطرف الآخر، ولذلك فإنهما يريان فيه إما رجعيةً أو استلاباً.

إلا أن سؤالي كان: وما شأن كل طرف بالآخر؟ ولماذا يرى الناس أنه من حقهم أن يحكموا على أيٍّ كان بسبب لبسه أو تصرفاته أو اعتقاده، طالما أنه لا يخدش الحياء العام ولا يُسفّه المعتقد الديني؟

في مجتمع الإمارات اليوم، الذي من المفترض أن يكون أكثر انفتاحاً من بعض المجتمعات الخليجية الأخرى لأنه يحوي عدداً كبيراً من الجنسيات، يرفض المواطنون أن يلبس مواطنٌ من قبيلة معروفة بدلة في التجمعات العامة، على الرغم من أن الراحل سيف غباش، الذي كان أول وزير دولة للشؤون الخارجية في حكومة الإمارات، كان يلبس بدلةً، وكان محترماً من الجميع، حكومةً وشعباً، وكان يمثل الدولة بغير زيّها الرسمي. فما الذي تغيّر إذاً؟ ولماذا صرنا نرفض ما كان مقبولاً؟

يقول من يعترض على لبس المواطنين للبنطلونات في المراكز التجارية (القسم الشرقي) بأنهم يخشون أن يأتي يوم يصير فيه حال الإماراتيين كبعض الكويتيين والبحرينيين الذين اعتمدوا البدلة زياً رسمياً؛ فأضاعوا هويتهم الوطنية (حسب قولهم). أما القسم الغربي فإنه يرى في ذلك حريةً فرديةً، ولا يحصر هويته في نوع الملابس، كما أنه لا يهتم كثيراً بماهية الهوية الوطنية ومقوماتها.

ولكنني أتساءل: لماذا نظن، كمجتمعات عربية وخليجية خاصة، أنه من حقنا أن نتدخل في خصوصيات الآخرين، ويكون لنا رأي في حياتهم الخاصة، حتى وهم ليسوا من دائرة معارفنا أو أقاربنا؟ ولماذا صرنا نقلق كثيراً مما سيقوله الناس عنّا، وبالتالي نتصرف بإرباك شديد مخافة أن نخرج من نطاق الأعراف التي، للغرابة، لا تمت كثير منها لمجتمعنا اليوم بصلة؟

قال أحد الأصدقاء بأن آباءنا وأجدادنا كانوا أكثر تسامحاً منا، حتى أن الناس كانوا يعرفون بأن هذه زوجة فلان أو أخته أو ابنته أو أمه. أي أن المرأة وشكل الملابس، على سبيل المثال، لم تكن قضايا في المجتمع آنذاك. وعندما أقول آنذاك فإنني أقصد مرحلة ما قبل الثمانينيات، أي قبل ما عُرف بمرحلة الصحوة؛ التي على ما يبدو، جاءت بمفاهيم دخيلة على مجتمعاتنا الخليجية، والإماراتي بشكل خاص، وألصقتها بالدين!

أنهى أحد الأصدقاء الحوار بقوله إن مجتمعنا صار متشنّجاً جداً، لا يعرف كيف يسترخي ويتفاعل مع الحياة من حوله، رغم التنوع المدني الذي يعشيه. صار رسمياً، في ملبسه وحركاته، ولذلك فإن أفراده يحرصون على الخروج أمام الملأ «بأفضل صورة» أي بصورة تناسب نظرة الناس بغض النظر عن الرغبات الفردية للأشخاص.

من منا يستطيع أن يصرّح بمعتقداته وبرغباته وبإحباطاته الاجتماعية اليوم دون أن يسلخه المجتمع في مشرحة الأعراف؟ وأنا هنا لا أقلل من شأن الموروثات والتقاليد، بل أعتقد بأنها مكونات أصيلة في نسيج الهوية الوطنية لأي مجتمع، ولكنني أتساءل إن كان هناك إطار واضح لهذه التقاليد، وهل كلها من موروثنا التاريخي فعلاً، أم أن بعضها دخيل علينا من عادات وأيديولوجيات تخص مجتمعات مجاورة؟ وتلك التي انحدرت إلينا عبر التاريخ، هل لاتزال كلها صالحةً لهذا العصر، أم أن علينا أن نراجعها، بحذر، فنختار ما يناسب ونتخلى عمّا يسبب إرباكاً وقلقاً اجتماعياً، حتى لا يستخدمها البعض كسلاح للسيطرة الفكرية.

لستُ متأكداً كيف سيكون شكل المجتمع الخليجي بشكل عام والإماراتي بشكل خاص في المرحلة المقبلة، ولكنني أتمنى ألا يثور أبنائي وبناتي يوماً على موروثهم لأنه لم يعد صالحاً لهم، ولا أريدهم أيضاً أن يتعلّقوا به فيعيشوا في زمن غير زمانهم. كل ما أتمناه، لأطفالي وأطفالكم، أن تكون ثقتهم بأنفسهم وبمجتمعهم في المستقبل، أكثر من ثقتنا بأنفسنا وبمجتمعنا اليوم.

إقرأ أيضا لـ "ياسر حارب"

العدد 3899 - الجمعة 10 مايو 2013م الموافق 29 جمادى الآخرة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 1:46 ص

      الموروث

      الموروث المحمدي والقراني والتمسك بهم والابتعاد عن تشويش الناس بمعتقدات تتغير حسب حاجه ووضع ومكان وزمان الانسان ، مع وجوب ان لا نبتعد اي فعل من افعالنا عن القران والسنه فعندما غيرت المرأه شكل ثيابها لم تذهب عن المفهوم الاسلامي فاللون والشكل لا يأثر الا اذا كان ضاغطا وملفتا اما اذا كان ستورا فهو ماشي مع الاسلام وينطبق هذا علي الرجل ، والي مزيد من التقدم والازدهار بعيدا عن التعصب والتعقيد

    • زائر 1 | 12:36 ص

      القيم وليس اللباس معييار الوجود الاجتماعي

      الثقافة القيمية هي موروث حضاري يضم منظومة من القيم والمبادئ والتقاليد الاخلاقية في تنظيم العلاقة المجتمعية ولا اتصور ان اللباس وشكله يمت بجوهر تلك القيم بصلة حيث ان شكل اللباس فرضته الظروف المناخية والطبيعية لبيئة المكان وكان مجتمع الامس متمسكا بثقافةقيمية اكثر ما هو متمسكا بقشور المعتقدات وكان اكثر انفتاحا واكثر صحوةمما هو عليه مجتمع اليوم لانه كان متمسكا بالوحدة المجتمعية وبوحدانية القيم والعادات والتقاليد التي تفضي الى وحدة المجتمع لا تمزيقة ومجتمع اليوم غارق في بحور التمزق وقشور الفكر والقيم

اقرأ ايضاً