العدد 3942 - السبت 22 يونيو 2013م الموافق 13 شعبان 1434هـ

نحو بناء حضارة ايكولوجية عالمية (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

تعد أي حضارة محصلة لعدة أمور، أولها شعب يتميز بالحيوية والنشاط، وثانيها بروز فكر ورؤية تقود لعملية تطور إيجابي في مسيرة البشرية، وثالثها عملية إبداعية إنتاجية تراكمية تحقق نقلة نوعية في تاريخ البشرية تختلف عن الوضع السابق عليها وعن الوضع التالي لها.

ومن هنا قسّم بعض العلماء تاريخ البشرية إلى بروز حضارات مختلفة، فهناك الحضارة الرعوية، ثم الحضارة الزراعية، وبعدها الحضارة الصناعية، والحضارة الخدمية، ثم الحضارة الفكرية والمعرفية الرقمية، ويرون أنه قد حان الوقت لقيام الحضارة الايكولوجية.

وتختلف الحضارة الايكولوجية عن المراحل التي سبقتها من الحضارات في عدد من السمات والخصائص ولعل في مقدمة ذلك إن هذه الحضارة (الايكولوجية) تقوم على أساس الاستفادة من الجوانب الايجابية في الحضارات التي سبقتها؛ وتسعى للتغلب على العناصر السلبية للحضارات التي قبلها؛ وتقوم على الأسس التالية :

1 - الاقتصاد التداولي Circular Economy وليس الاقتصاد الخطي Economy Linear.

2 - التناغم بين المخلوقات جميعاً Harmony ، أي بين الإنسان والإنسان، وبين الإنسان والطبيعة، وبين الكائنات الحية، بل بين عناصر الطبيعة من المياه، الهواء، والمعادن، والجبال والأنهار.

3 - التناغم بين الإنسان والزمان والمكان، ومن ثم فهي ترفض مفهوم التنافس Competition ومفهوم الصراعConflict ، وتتبنى مفهوم التناغم والتوافق والوئام. إنها حضارة ترحب بالفنون بأنواعها، من الموسيقى والرسم والتصوير، وفنون البناء والديكور التي تعكس الجمال، وتسعى للاستفادة من الطبيعة وعناصرها دون استنفادها أو استنضابها (من النضوب).

وترفض الحضارة الايكولوجية أي اختلال في التوازن بين الإنسان والمكان، وتستند على أسس الترابط والتكامل في المجتمع العالمي المستدام، سعياً لتكوين الإنسان المعولم والمواطنة المعولمة Global Citizenship.

والحضارة الايكولوجية ستكون مبرمجةً على التوازن بين الاقتصاد والسياسة والثقافة، والشفافية بمعانيها الشاملة، وتنظيم الاستفادة منها من أجل التنمية المستدامة وإعادة تدوير الموارد Recycling، ويقوم البناء السياسي على القوانين المنظمة لشتى جوانب الحياة، ويضطلع المواطنون بتنفيذ واجباتهم، كما يسعون للحصول على حقوقهم. ويؤدي اندماج الايكولوجي Ecology مع الإنسان ومع الاقتصاد على المستوى المحلي أو الوطني أو الإقليمي أو الدولي، والنظر للطبيعة Nature ليست كموردResource ، وإنّما على أساس أنها أحد مكونات الحضارة الايكولوجية، ومن ثم فمن الضروري العمل على استدامتها بضبط الطلب المتزايد، والاستهلاك المتزايد، ومعالجة الآثار الضارة لأي خروج عن هذه المفاهيم الداعية للاستدامة Sustainability، والحوار والتعاون بين الشعب والحكومة ورفض الاستبداد، والأضرار الناتجة عن الصناعات الكيماوية الملوثة للجو والهواء والماء.

كانت تلك بعض الأفكار التي تناولها المؤتمر الثاني للمنتدى الثقافي العالمي المسمى World Cultural Forum(Taihu) «نحو تعزيز بناء حضارة ايكولوجية تقوم على التعاون الدولي»، ولتوضيح مثل هذا المفهوم المستحدث، والتعرّف على المؤتمر الدولي الذي عُقد من أجل التشاور حوله لابد من أن نتناول مجموعةً من النقاط.

الأولى: إن اسم المنظمة هي المنتدى الثقافي العالمي (تايخو- الصين)، الذي يسعى للتركيز على المفهوم الثقافي بالمعنى الشامل للثقافة، ويرفض التركيز المنفرد على البعد الاقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي، فهو يعبّر عن مفهوم الثقافة في شمولها وعموميتها وإطارها الحضاري، وقد تأسس هذا المنتدى في الصين، وأخذ اسمه من بحيرة صينية تقع في إحدى ولايات الصين وتمتاز بالجمال المحيط بها، وبالأرض المرتفعة، ولذلك سُمّيت البحيرة العالية (تايخو)، وأخذ منظمو المؤتمر الصينيون بثلاثة مفاهيم ذات طبيعة عملية وقيمية Value وهي «الوعي والتوعية، التحديات والمسئوليات، الاستدامة الشاملة». ولعل مما يذكر أن التفكير في المنتدى بدأ في العام 2007 من خلال الاتحاد الصيني للكتّاب والفنانين الذي وافق على فكرة إنشاء المنتدى الثقافي العالمي في 16 فبراير/شباط 2007، ووافقت وزارة الشئون المدنية الصينية على الإعداد لإنشاء المنتدى في 12 مارس/آذار 2007، ثم على إنشاء المنتدى الذي عقد أول مؤتمر له في 18 مارس 2011، وافتُتح المنتدى الأول من قبل Liu Yandong عضو المكتب السياسي للجنة المركزية للحزب الشيوعي مستشار مجلس الدولة، ورئيس وزراء باكستان يوسف رضا جيلاني ونائب رئيس وزراء تركمنستان.

النقطة الثانية: إن المنتدى ومقره الدائم العاصمة الصينية بكين، يعقد مؤتمراته كل عامين، ومؤتمرات متخصصة ما بين المؤتمرين العامين، وعقد المؤتمر الأول حول التناغم بين الحضارات العام 2011، ومؤتمر الطب الصيني التقليدي في يونيو/حزيران 2012، والمؤتمر الثاني للمنتدى حول بناء حضارة ايكولوجية في مايو/أيار 2013. والمنتدى الثقافي العالمي هو منظمة غير حكومية مدعومة من الحكومة الصينية، ويشارك في المؤتمرات السنوية، أو التي تعقد كل عامين، رجال سياسة وفكر وأكاديميون وعلماء من شتى التخصصات ومن مختلف الدول والقارات، وهو مؤتمرٌ يتم اختيار المشاركين فيه وخصوصاً الشخصيات السياسية والفكرية من صناع القرار الحاليين والسابقين. فعلى سبيل المثال شارك في المؤتمر الأول الذي عقد في ولاية سوجو الصينية العام 2011 كمتحدث رئيس أو ضيف شرف رئيس وزراء باكستان آنذاك يوسف رضا جيلاني، ورئيسة أندونيسيا السابقة مجاواتي، والبروفسور روبرت موندل كبير الاقتصاديين الأميركيين الذي ابتكر اسم (اليورو) كعملة أوروبية، وعدد من الاقتصاديين والمفكّرين من جامعات عدة من أميركا وأوروبا وآسيا واستراليا وإفريقيا. ويسعى المنتدى لكي يكون خاصاً بالتنمية الثقافية الشاملة، وبما في ذلك الاقتصاد والسياسة، وليس مركِّزاً على الاقتصاد فقط كما في المنتدى الاقتصادي في دافوس ذي الشهرة العالمية.

وفي المؤتمر الثاني في مايو 2013 افتتح المؤتمر عضو اللجنة الدائمة للمكتب السياسي للحزب وهو رئيس اللجنة الوطنية للمؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني، أي من السبعة الكبار في قيادة الصين، وتحدّث في الجلسة الافتتاحية رئيس جمهورية موزامبيق، ورئيس وزراء فرنسا السابق، والحاكم العام لانتيجو وباربودا، ورئيس وزراء اليونان، ورئيس وزراء هولندا السابق، والنائبة السابقة لرئيس المؤتمر الاستشاري السياسي للشعب الصيني وهي الرئيسة الفخرية للمنتدى، والأميرة أرنا أيما إليزابيث من هولندا، ورئيس الأكاديمية الصينية لعلوم البيئة، ورئيس المجلس الصيني للقوميات ورئيس مؤسسة التحضر البيئي في بلجيكا بيير لاكونت رئيس نادي بودابست وغيرهم. (يتبع).

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3942 - السبت 22 يونيو 2013م الموافق 13 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً