العدد 3942 - السبت 22 يونيو 2013م الموافق 13 شعبان 1434هـ

وزيرة الثقافة: العالم يعيش نماذج مغلوطة ومشوّشة حول الآخر وحوارنا يحتاج الحميمية من أجل الأنسنة

حيث يمكن للثقافة أن تصنع النصف الأجمل من كل الأحداث، ولأنها المستمرّ من الشعوب باعتبارها ملامحهم ونسجِ حياتهم، تواصل الثقافات في كل أنحاء العالم تشكيل هويّتها وخصوصيّتها، وفي الوقت ذاته تسعى لكونيّة ما أو عولمة تكون فيها الأبقى!

ولربّما هذا الهاجس تصاعدَ مؤخّرًا خصوصًا مع التغيّرات الجيوسياسيّة والحاجة إلى صياغة حوارات لا تلتزم بالخطوط والحواجز الثقافيّة والدينيّة.

بهذا الشأن انعقد مساء الأربعاء الماضي في البرلمان الأوروبي مؤتمر "الحوار البنّاء في مرحلة الصراع" في العاصمة البلجيكيّة بروكسل، وذلك بمشاركة العديد من صنّاع القرار، الشخصيّات السياسيّة، الأكاديميّين والخبراء من جميع أنحاء العالم، لبحث الهويّات الثقافيّة المحليّة، الوطنيّة، الإقليميّة والعالميّة، ودور تلك المثاقفات والمبادلات في تشكيل خطاب حواريّ ملهم، يتّخذ من الدبلوماسيّة الثقافيّة مسارًا لتحقيق تنمية إنسانيّة مستدامة وسلام حقيقيّ.

وفي هذا اللقاء، أشارت وزيرة الثقافة الشيخة مي بنت محمد آل خليفة إلى أهميّة المثاقفة وإمكانيّة تحويرها لتكون حوارية بديلاً لقالبٍ موروث، مشيرةً إلى أن ذلك يحدّد مدى حيويّتها وتطوّرها بالقول أنها "لا تنبني ولا تحيا، ولا تتجدّد إلا في علاقتها بثقافات أخرى". وأوضحت أن التاريخ صار يستلهم هذا النمط الفكري ضمن ظروف وآليّات متنوعة، منها الإرادي ومنها المفروض، منها المقبول ومنها المرفوض، منها المعلن ومنها المُستبطَن كما يُلاحظ ذلك على مستوى الأفراد والمجموعات والشعوب أيضًا.

أما عن صِدَام الحضارات، فقد أشارت إلى أن الثقافات في تجاورها وتنافسها تطرح العديد من الاستفهامات حول مواقع ممثلي الثقافات والتوالد المكثّف للصدامات الحضاريّة خصوصًا في الثقافات الفرعية في سياق ما يسمّى بالـ "هويّات القاتلة" المروّج لها كشعارات وأسماء لامعة.

كما طرحت المفارقات والالتباسات المحيطة بالحوار الثقافيّ، مبيّنةً أن العولمة ساهمت في إعلاء حدّة التعامل مع الثقافات والهويّة الخصوصيّة لمجتمعات كثيرة، وذلك بناءً على الفكرة السائدة أن "المُعولَم ليس بالضرورة أن يكون كونيَّا"، حيث انكفأت عدد من المجتمعات وحصّنت ذاتيّتها منعًا للانجراف والتماهي.

وأكّدت الشيخة مي بنت محمد آل خليفة في حديثها أنه من الضروري التعاطي مع هذا الاختلاف وبناء حوار حقيقيّ ومتفّهم للمحصّلات التاريخيّة التي سيجيء بها كل مجتمع.

وأردفت: "ولما كان الحوارُ يتطلّب الاختلاف فليس مطلوباً ولا مفيداً التحولُ إلى ثقافة الآخرِ لمُحاورته "بلغته" كما يُقال. احترامُ ثقافة الآخر والسعي الجاد إلى فهمها وإلى تفهّم اختلافِها هي من مبادئ الحوار الأولية، أو هي شروطٌ أساسية لتفكيك الأحكامِ والصور المسبقة التي تتبادلها الشعوبُ وثقافاتها.

ولما كانت هذه الأحكامُ والصور قائمةً - في الغالب - على الجهل أو التجاهل فإنها تحتاج، من دون شك، إلى جهدٍ معرفي وبالتالي إلى موضوعيةِ العقل".

واستدلّت على النموذج المغلوط والمشوّش الذي يرفض فيه العالم بالمجتمعات الإسلاميّة تبعًا للتصرّفات والأحداث المتطرّفة التي يقوم بها البعض، وكذلك الصورة الماديّة التي يعتقدها الآخرون عن الغرب، داعيةً إلى إلغاء هذا التنميط بالنقل المعرفيّ والحقيقيّ وحلّ إشكاليّات الاستهلاك المعلّب بالنسبة للهويّات المنغلقة.

أما حول التعقيد الذي تتسمّ به الهويّة الثقافيّة وأهميّة إيجاد حوار بنّاء، فإن الشكل الحواريّ لا يجب أن يكون مجرد تفاوض أو غطاء لصراع، حسبما صرّحت ، مبيّنةً "إن العمل الثقافي عليه هو الآخر أن ينتبه إلى هذا التعقيد لكي لا يبقى مجرد مناسبات ظرفيّة وفعاليّات عابرة"، ونوّهت إلى أن حجم العمل ونطاق اشتغاله مهما كان يجب أن يلتفت إلى ضرورة تحفيز الإنسان، وخصوصًا الإنسان العادي، على إبراز أفضل ما فيه وما في الآخر، خصوصًا وأن العمل الثقافيّ الذي بُنيَ في مجتمعات كثيرة على تلبية الحاجات أو دَمَقْرَطة الثقافة يصبح أكثر تعقيدًا في صيرورة الحوار البنّاء. بين الثقافات على صعيد عالمي.

وفي سياقِ إيجاد الحلول أو وضع الخطوات الأولى، اقترحت وزيرة الثقافة أن يتمّ استنباط صيغة تجمع المشاركة الفعليّة التفاعليّة بين الأطراف المتعاونة في العمل الثقافي تصوّرًا وتخطيطًا وإنجازًا في لجان مختلطة لا تنحصر في التمثيل البيروقراطي، إلى جانب إشراك الشباب باعتبارهم حاملي المشروع الثقافيّ والضمانة الحقيقيّة لتراكم الفعل والمردود فيه.

وأعقبت ذلك: "لِمَ لا يكون التفكير، مثلاً، في مَأسَسةِ لقاءٍ عربي أوروبي للشباب، في مجال العمل الثقافي، يسمح بالتلاقي والتعارفِ وتبادلِ الأفكار والتجارب؟".

موضّحةً أن مثل هذا المشروع لا يُعوّضه الاتّصال عن بُعد، كما في تقنياتِ الاتصال الحديثة.

وعلّقت: "لقد انفصلَ التواصلُ الثقافي عن التواصل البشري، وأغلبُ من يتحرّكون من البشر ليسوا بالضرورة ممن يسعون إلى اتصالٍ ثقافي في غير بلدانهم".

كما دعت إلى أن يكون في الحوار بعض من "الحميميةِ"، إذ أنّها من تؤنسِنُه في الاختلاف، وتُؤنسِن الاختلاف فيه، وتجعل منه في نهاية الأمر عاملَ سِلمٍ عالمي.

مختتمةً حديثها بالقول: "إذا بَنى الحوارُ سِلماً فهو حقاً حوارٌ بناء".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 6:40 ص

      الثقافة هي أسلوب حياة

      بدلا من الألسنة والقمعنة والقتلنة والضطهندة والتنكلنة والأمننة والذلننة والتسوفنة.

اقرأ ايضاً