العدد 3952 - الثلثاء 02 يوليو 2013م الموافق 23 شعبان 1434هـ

إثر ختام الاجتماع الوزاري الخليجي ـ الأوروبي دور بحريني كبير في تدعيم أواصر التعاون المشترك

في نهاية يونيو الماضي استضافت البحرين الاجتماع الوزاري الموسع بين وزراء خارجية دول مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي، وهو الاجتماع الذي استعرض عددا من الملفات الإقليمية والدولية، فضلا عن العقبات التي تواجه سبل دفع وتطوير مجالات التعاون المختلفة بين الجانبين.

وبدت أهمية الاجتماع من عدة اعتبارات لعل أهمها:
1 ـ نتائج المحادثات التي أسفرت عنها مناقشات ولقاءات المسؤولين، والتي يمكن تلمس ملامحها بالنظر إلى البيان الصادر عن المجلس المشترك الخليجي ـ الأوروبي، الذي أشار إلى ثلاث نقاط تعكس مدى رغبة الطرفين وإصرارهم على إزالة أية عقبات قد تعترض سبيل تطوير العلاقات، وهي: التعهد بالاستمرار في تعزيز أواصر التعاون باعتبار ذلك ركيزة أساسية وفعالة لتحقيق الأمن والاستقرار الإقليمي، التوافق الكبير في المواقف بشأن قضايا المنطقة والسبل الرئيسية لإيجاد حلول سياسية بشأنها سواء فيما يتعلق بالملف السوري أو السلام أو غيرهما ، علاوة على التقدير الكامل لجهود البحرين المخلصة ودورها في استضافة وتنظيم الاجتماع الأخير، واعتبار ذلك لبنة رئيسية تُضاف إلى بناء التعاون المشترك الخليجي ـ الأوروبي.

2 ـ الرسالة التي يمكن استخلاصها من طبيعة الاجتماع وعقده في هذا التوقيت بالذات، وهي رسالة شديدة الأهمية، خاصة مع هذا التوافق الخليجي الأوروبي إزاء الممارسات والتدخلات التي تقوم بها بعض الأطراف في شؤون بعض دول المنطقة ، ومفاد هذه الرسالة واضح ، وهو أن الموقف الخليجي ـ الأوروبي الداعم لأمن الإقليم واستقراره سيستمر، وأن الوقوف في وجه أية تدخلات قد تتعرض لها دول مجلس التعاون هو أمر ثابت لا تغيره الحوادث ولا المستجدات.

3 ـ استضافة المملكة للاجتماع وانعقاده بها رغم الظروف الساخنة التي يشهدها الإقليم ككل، إذ يمثل ذلك شهادة صدق وبرهانا على الثقة التي باتت تحظى بها المملكة في المحفلين الخليجي والأوروبي على السواء، كما يعكس اطمئنان دول التجمعين لمكانة البحرين وثقلها وقدرتها على تنظيم هذا الاجتماع عالي المستوى، سيما بعد النجاح الذي حققته البلاد خلال العامين الأخيرين في استضافة العديد من الفعاليات والمؤتمرات الدولية واجتيازها للأحداث التي مرت بها والحد من تداعياتها والمضي قدما في مسيرة الإصلاح السياسي.
وواقع الأمر أن مجلس التعاون الخليجي والاتحاد الأوروبي يقدمان نموذجا يُحتذى به أمام الدول والأطراف الراغبة في التجمع والتكتل، وتستحق تجربتهما الدراسة بالفعل باعتبارهما أكثر الكيانات الاتحادية مؤسسيةً وتنظيما ونجاحا في عالم اليوم، واللذين يمثلان علامات فارقة في تاريخ تطور التنظيمات فوق الإقليمية، ويمكن القول إن كثيرا من العوامل ستعزز من مسيرة التعاون المشترك، ومن بين هذه العوامل:

الأول: التقارب والتفاهم الملحوظ في وجهات نظر الجانبين حول غالبية القضايا المطروحة على الساحتين الإقليمية والدولية، ما سيدعم مستقبلا من عمليات التنسيق حول الملفات المنظورة ومن ثم في تطوير العلاقات الثنائية، ولا شك أن هذا التقارب الذي أثنى عليه العاهل خلال استقباله للمجتمعين سيساعد كثيرا في بلورة مواقف سياسية مشتركة بين الجانبين، وسيؤدي بالتأكيد إلى إرساء تفاهمات وآليات اتصال قوية لمعالجة المشكلات الطارئة في المنطقة.

ويلاحظ هنا أن هذا التقارب والتنسيق المشترك يستند إلى أسس راسخة ويرجع لسنوات عديدة مضت ، ويجد ذلك دليله في إنشاء لجنة للتعاون المشترك عقب تشكيل المجلس مباشرة، والاتفاق منذ منتصف التسعينيات على عقد اجتماع لكبار المسئولين السياسيين الخليجيين والأوروبيين مرتين في السنة، إضافة إلى الاجتماعات الوزارية السنوية، هذا غير الاجتماعات الوزارية التي تعقد في سبتمبر على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، إضافة إلى الاجتماعات غير الرسمية التي تُعقد سنويا بين خبراء الجانبين، ويعزز كل هذه الاجتماعات عمليات الاتصال الواسعة والزيارات المتبادلة التي يقوم بها مسؤولو الطرفين، هذا بجانب أدوار التمثيل الدبلوماسي الثابت الذي تقوم به بعثة مجلس التعاون في بروكسل، ومندوبية الاتحاد الأوروبي في الرياض.

الثاني: قوة ومتانة العلاقات الاقتصادية التي تربط الجانبين، وهنا ينبغي التأكيد على أن مسار هذه العلاقات قد اعترضته عدة صعوبات، خاصة منذ العام 2008 بعد أن علق مجلس التعاون مفاوضاته التجارية مع الاتحاد الأوروبي من جانب واحد بعدما أصر الأوروبيون على إقحام قضايا بعينها في المفاوضات، وتجدد هذا الأمر في الآونة الأخيرة أيضا إثر محاولة الأوروبيين استبعاد دول التعاون ومنتجاتها من قائمة الدول التى يمكنها التمتع بالمعاملة التفضيلية في الأسواق الأوروبية، وكانت الممثل الأعلى للشؤون الخارجية والسياسيات الأمنية قد أكدت في ختام الاجتماع الأخير أنه لا يوجد غير بند وحيد عالق بشأن إبرام اتفاقية تجارة حرة بين المجلس والاتحاد وهو "رسوم الصادرات" الذي يرتبط "بأمور تقنية وسياسية"، معربة عن أملها في أن يتم التوصل الى اتفاق حوله في المستقبل على حد تعبيرها.

وعلى الرغم من ذلك، فإن الرغبة في التعاون المشترك لا زالت محل إصرار من الطرفين، ويؤكد ذلك عدة مؤشرات:
ا ـ يعد الاتحاد الأوروبي الشريك التجاري الأول لدول التعاون، وشهد حجم التبادل التجاري بين الجانبين نموا متواصلا، حيث بلغ 145 مليار يورو سنويا، والذي وصفته آشتون بـ"المذهل"، كما تشير تقديرات أخرى إلى أن الدول الأوروبية هي ثاني أكبر مستثمر أجنبي في الخليج بعد الولايات المتحدة، وإن كان ذلك لا يمثل أكثر من 1% من الاستثمارات الدولية المباشرة.

ب ـ تعدد وتنوع مجالات التعاون المالي والنقدي المشترك، حيث تبلغ استثمارات دول التعاون في دول الاتحاد الأوروبي نحو 53% من الاستثمارات الخليجية في الخارج، فضلا عن الخدمات الاستشارية التي يقدمها الأوروبيون لدول الخليج وتحويلاتهم من أجور ومرتبات، علاوة بالطبع على التواجد المصرفي الخليجي الكبير في الأسواق المالية الأوروبية، فضلا عن حجم السياحة الخليجية الوافدة إلى أوروبا سنويا.

ج ـ اللقاءات المتواصلة التي تجريها الفعاليات الاقتصادية والتجارية الخليجية مع نظرائهم من الاتحاد الأوروبي، والتي تسهم بالتأكيد في دفع عجلة التجارة الحرة الخليجية الأوروبية المشتركة، ومن بين ذلك الاجتماع الذي استضافه بيت التجار في المملكة هذا الشهر مع رئيس وأعضاء وفد البرلمان والاتحاد الأوروبي، والمنتدى الاقتصادي الخليجي الفرنسي..

علاوة على المشاركة الفاعلة لاتحاد غرف دول مجلس التعاون الخليجي كممثل للقطاع الخاص الخليجي في ملتقى الغرف التجارية والصناعية العربية ـ الألمانية المشتركة الذي انعقد في ألمانيا في الفترة من 12 إلى 14 يونيو الجاري(تعد دول الخليج أهم شريك تجاري للاقتصاد الألماني في منطقة الشرق الأوسط ويمثل الاقتصاد الألماني 20% من الناتج المحلي الإجمالي للاتحاد الأوروبي)..وكذلك الاجتماعات التي اُختتمت في بروكسل أواخر أبريل المنصرم واستهدفت التمهيد للاجتماع الوزاري الأخير.

الثالث: فرص التعاون المستقبلي بين الطرفين، وهي واعدة حسب تقديرات الكثير من الدراسات المتخصصة، وذلك استنادا إلى عدة أمور:
1ـ تشابه التجربة الاتحادية الخليجية والأوروبية في الهدف والطريق والآليات، حيث بدأت الأخيرة بخمسة أعضاء فحسب ثم توسعت وانضم إليها آخرون، وهي الحالة ذاتها لدول التعاون الآن، خاصة بعد الدعوة إلى الاتحاد والتي تخضع للدراسة حاليا، صحيح أن التجربة الأوروبية نجحت في تحقيق الكثير من التقدم، لكن يلاحظ أنها أكثر قِدما من التجربة الخليجية ـ بدأت في خمسينيات القرن الماضي ـ قياسا بالتجربة الحديثة نسبيا لدول التعاون الخليجي، ولا شك أن هذا التشابه سيسهم مستقبلا في نقل ميراث النجاح الأوروبي لمجلس التعاون الخليجي..

2 ـ الوضعية التي يتمتع بها التكتلان في النظام العالمي، اقتصاديا وسياسيا، وتدفعهما للحفاظ عليها باعتبارهما كيانات إقليمية كبرى تشكلت بالفعل ضمن مراكز القوة والثقل الجديدة التي تتشكل الآن في العالم المعاصر، وتعتمدان لغة العصر القائمة على التحدث بشكل جماعي وليس منفرد، فدول التعاون تعد الآن سابع أكبر قوة اقتصادية في العالم حسب بعض التقارير، ومعروف مدى قوة الاتحاد الأوروبي الذي يضم نصف عدد أعضاء مجلس إدارة العالم أو القوى الصناعية الكبرى من مجموعة الثمانية.

3 ـ الحاجة الأوروبية لدول التعاون، حيث لازالت المنطقة من أكثر المناطق إنتاجا واحتياطا لموارد الطاقة، وتستورد دول الاتحاد 70% من احتياجاتها النفطية منها ، ويتوقع أن يصل معدل نمو إجمالي الناتج المحلي في دول الخليج العربية إلى 3.7 في المائة في عام 2013 في حين أن نسبة النمو الأوروبية تتراوح ما بين 0.5% وما بين 2%، ومع استمرار سياسات التقشف والانكماش الأوروبية منذ 18 شهرا على الأقل حسب تقارير، تنشط دول الخليج في سياسات الإنفاق العام والمشروعات الجديدة التي تستعين بالشركات والخبرات الأوروبية في تدشينها وتشغيلها.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً