العدد 3955 - الجمعة 05 يوليو 2013م الموافق 26 شعبان 1434هـ

فرصة لأردوغان في خضمّ الاحتجاجات في تركيا

Common Ground comments [at] alwasatnews.com

خدمة Common Ground الإخبارية

Common Ground

سنيهة كادايفشي أوريلانا - أستاذة مساعدة زائرة ببرنامج الماجستير في حل النزاع بجامعة جورجتاون 

تصاعد ما بدأ احتجاجاً بيئياً صغيراً في متنزه «جيزي» بإسطنبول بسرعة ليصبح مظاهرات واسعة ضد الحكومة، جمعت معاً فنانين ونسويين ونوادي كرة القدم وعلمانيين كماليين وأكراداً، بعد أن هاجمت قوات الشرطة المحتجّين. ولجأ المتظاهرون الذين لم تردعْهم ردود فعل الحكومة القاسية إلى العصيان المدني غير العنفي، مستخدمين الفكاهة والموسيقى والفن للاحتجاج ضد الحكومة.

امتُدِحَت تركيا، الدولة العلمانية الديمقراطية التي يقودها حالياً حزب إسلامي، على أنها نموذج للدول ذات الغالبية المسلمة، خصوصاً منذ ثورات الربيع العربي. وإذا تعدّت الحكومة التركية هذا الامتحان الحرج، فإنها ستخرج كديمقراطية أقوى وتستمر بكونها إلهاماً في هذه المنطقة. لذا تملك الحكومة التركية فرصة لتشكل مثالاً حاسماً.

وكما تؤكد أحداث تركيا، فإن تكتيكات القمع مثل التهديدات والاعتقالات ونشر شرطة منع الشغب واستخدام قنابل الغاز والرصاص المطاطي وخراطيم المياه هي تكتيكات حربية تعمل على تصعيد النزاع بدلاً من قهر المتظاهرين. ويمتاز هذا التصعيد بتزايد في عدد الجماعات والأفراد الذين جرى سحبهم إلى النزاع وتشكيل تحالفات جديدة بينهم.

وتضمّ هذه التحالفات جماعات وأفراداً ذوي اهتمامات وأهداف وحوافز مختلفة ربما تبدو حتى متناقضة. ينتقد الوطنيون، على سبيل المثال، انخراط الحكومة مع الجماعات الكردية، بينما هم متحدون مع الأكراد ضد وحشية الشرطة.

ويخاف العديد من الشباب بدورهم من تدخّل الحكومة المتنامي في حياتهم، بينما يخاف الكماليون العلمانيون من دور الدين في شئون الدولة. ورداً على ذلك، قام أنصار رئيس الوزراء رجب طيب أردوغان بتنظيم مظاهرات للإعراب عن تضامنهم مع الحكومة، منتقدين المتظاهرين لقيامهم بإفشال الاستقرار الاقتصادي والأمن.

ترتبط المخاوف والتظلّمات والاعتقاد بالظلم وانعدام العدالة بالحوافز، وتصبح في نهاية المطاف جزءاً لا يتجزأ من هوية المجموعة. ويُنظَر إلى التسوية والتنازلات على أنها تهديدٌ للهوية وتصبح غير مقبولة. على سبيل المثال، تبرر الجماعات الكمالية العلمانية الأنظمة المتعلّقة بالمشروبات الكحولية على أنها مؤشرات بأن الحكومة ترغب بفرض السلوك الديني على الدولة، وأنها بالتالي تشكّل تهديداً لهويتها العلمانية. وتصبح الأطراف مستقطبة بشكل متزايد في معسكرات مثل أنصار الحكومة ومعارضيها، وهي فروقات ترسيم حادة. وتزيد ديناميات كهذه مخاطر المزيد من النزاع.

ينطوي تخفيض معدلات التوتر والانتقال نحو التسوية بعد هذه الأحداث على عملية تحتاج للوقت والصبر والتخطيط الحذِر. وفي هذه العملية يلعب رد الدولة على المتظاهرين دوراً مهماً بشكل خاص بسبب ديناميات السلطة غير المتماثلة. ومن النواحي المهمة لهذه العملية إعادة بناء الثقة بين الأطراف وتحويل العلاقات العدائية إلى علاقات تعاونية.

تنطوي الخطوة الأولى في هذه العملية على تجنّب الاستخدام غير المتكافئ للقوة. والخطوة الثانية التالية مباشرة تتطلب فصل المتظاهرين غير العنفيين عن الجماعات العنفية وتوفير الحصانة للمجموعة الأولى.

ومن الأمور ذات الأهمية المماثلة لإعادة بناء الثقة واستقرار الوضع تحويل الرؤى والمواقف السلبية، مثل تلك التي تعتبِر الحكومة دكتاتورية أو المحتجين كمخربين. من الضروري السيطرة على الإشاعات والمعلومات المضللة، مثل حادثة لجوء المتظاهرين إلى أحد المساجد، حيث قيل أنهم تناولوا المشروبات الكحولية أثناء وجودهم هناك، أو أن نائب الوزير قدم استقالته. ويمكن تحقيق ذلك من خلال إيجاد آليات للسيطرة على الإشاعات، مثل تشكيل مصادر مستقلة للتحقق في الإشاعات أو دحضها.

يمكن لتجنب البيانات المعادية أو المثيرة وتبنّي لغة تعكس الاحترام والتفاهم، وفي الوقت نفسه التأكيد على الهويات المشتركة مثل الهوية الوطنية أو الأهداف والاهتمامات المشتركة مثل الاستقرار الاقتصادي والأمن الإقليمي واحترام الحريات الشخصية أن تساعد على تحويل المواقف السلبية.

ويشكّل إنشاء آليات تواصل وحوار مباشر، مثل تشكيل لجنة حوار، استراتيجية مهمة أخرى لنزع فتيل التوتر. إلا أن ذلك يمكن أن يشكل تحدياً، خصوصاً في الاحتجاجات الجماهيرية الواسعة حيث تختلف الجماعات المختلفة ذات الاهتمامات والحوافز والأهداف المتنوعة. وقد تختلف بعض الجماعات أو ترفض المشاركة في عملية الحوار. لذا من الأهمية بمكان للدولة أن تتواصل مع الجماعات المختلفة بشكل منفصل، وأن تصغي لمطالبها واهتماماتها باحترام وتعاطف معمّق. ويعتبر الاعتراف بشرعية المظالم والشكاوى وفهم المصالح والاحتجاجات وراءها، وتطوير حلول مقبولة بشكل متبادل، أموراً مهمة.

كما يمكن للاعتراف بالأخطاء وإظهار استعداد للعمل مع المحتجين لإصلاح أخطاء كهذه وتطوير خريطة طريق بشكل مشترك لتطبيقها ضمن جدول زمني متفق عليه، أن ينزع فتيل التوتّرات ويساعد على استعادة الثقة. سوف تستمر أحداث متنزه «جيزي» بامتحان الديمقراطية التركية في الأسابيع المقبلة، وسوف تحتاج عملية استعادة السلام والثقة للوقت والصبر. وسوف يشكّل استعداد الحكومة للإصغاء إلى مصادر قلق المتظاهرين واحتياجاتهم واستعدادها للعمل معهم لإيجاد حلول مقبولة بشكل متبادل لمصادر قلقهم والتزامها بالحفاظ على القيم الديمقراطية وحقوق الإنسان، مثل الحق في الاحتجاجات السلمية وحرية التعبير والتجمع عاملاً حاسماً في العملية.

إقرأ أيضا لـ "Common Ground"

العدد 3955 - الجمعة 05 يوليو 2013م الموافق 26 شعبان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً