العدد 3961 - الخميس 11 يوليو 2013م الموافق 02 رمضان 1434هـ

تأملات على هامش ندوة الحضارتين العربية والصينية في اورومتشى (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

عقدت الدورة الخامسة لندوة حوار الحضارتين الصينية والعربية من 26إلى29 يونيو/حزيران 2013 في مدينة اورومتشى عاصمة مقاطعة شينجيانج اليوجورية ذات الحكم الذاتي، وهي إحدى مقاطعات الصين الأربع ذات الحكم الذاتي وتقع شمال غرب الصين.

وهي بداية طريق الحرير البري المشهور الذي ربط الحضارة الصينية مع حضارات العالم الخارجي، وتبلغ مساحة المقاطعة 1.6 مليون كيلومتر مربع وتمتد من الشرق للغرب على مدى 2000 كم، ومن الجنوب للشمال على مسافة 1600 كم، ومن ثم تختلف طبيعتها من منطقة إلى أخرى. ففيها الجبال الشاهقة والوديان المنخفضة، وفيها الخضرة والصحراء، وفيها المعادن والنفط كما فيها الزراعات المتنوعة والفواكه، وتضم العديد من الأقليات التي يطلق عليها الصينيون اسم «القوميات». وبها معالم إسلامية عديدة، إذ بها أكثر من 10 قوميات إسلامية تتراوح أعداد كل منها من بضعة آلاف نسمة إلى عدة ملايين. وهي نموذج حي لتداخل الحضارة الصينية والحضارات المسيحية والبوذية. وتعد مدينة توربان الجميلة وكذلك مدينة قاشجار، من أشهر المدن ذات التراث الإسلامي.

ولوقوع مقاطعة شينجيانج على طريق الحرير وعلى الجوار الجغرافي للدول الإسلامية في آسيا الوسطى وأفغانستان، فإنها شهدت تاريخياً قيام أسر ودويلات إسلامية عبر القرون الوسطى وحتى نهاية عصر النهضة الأوروبية، ثم تحوّلت إلى منطقة صينية منذ القرن 19 وأصبحت منطقة ذات حكم ذاتي لأكبر قومياتها، وهي قومية اليوجور منذ العام 1955.

وشعبها من الشعوب التي تفتخر بإسلامها وحضارتها القديمة، ولهذا ظهرت بين الحين والآخر بعض الحركات الداعية لاستقلالها أو الانفصال عن الصين الكبرى، وهذا هو أحد أسباب مشاكلها. فمن المعروف في قانون العلاقات الدولية أن الدول الكبرى تستمد أحد مصادر قوتها من تعدد الأعراق والأديان والثقافات فيها، ولا يمكنها أن تسمح بانفصال جزء منها. ولعل نموذج ذلك الولايات المتحدة، ففيها مناطق ذات أصول عرقية أسبانية استولت عليها من المكسيك وغيرها من الأقاليم، ما أدى في إحدى مراحل التاريخ الأميركي لما عُرف بالحرب الأهلية الأميركية بين الشمال والجنوب، اتصالاً بالتطور الاقتصادي والسياسي.

كذلك الأمر في انقسام شبه القارة الهندية إلى دولتين أو ثلاث دول لاحقاً بين الهند وباكستان ثم بنجلادش، وظلت منطقة كشمير إحدى مناطق الصراع بين الهند وباكستان منذ العام 1947، وسوف تظل لسنوات قادمة، لأن الهند دولة قوية اقتصادياً وعسكرياً وسكانياً، ولا يتوقع أن تسمح بانفصالها أو انفصال غيرها من مناطق عديدة في شمال شرق الهند.

ما نريد قوله أن الدولة القوية المتعددة الأعراق مثل الولايات المتحدة أو الهند أو الصين لا يمكنها أن تفرط في جزء منها، وهذا انطبق على نيجيريا التي عاشت مرحلة حرب أهلية، وكذلك الكونغو لعدة سنوات، ومن ثم حافظت هذه الدول على وحدتها التاريخية. كذلك الأمر بالنسبة لعلاقة الصين مع إقليم شينجيانج، ومن هنا يثور التساؤل حول القانون التاريخي الآخر: هل من مصلحة شعب إقليم معين مهما كانت جذوره التاريخية أن ينفصل عن دولة كبرى مهمة ويصبح دولة مستقلة ضعيفة؟ أم من مصلحته أن يبقى جزءاً من مثل هذه الدولة الكبرى؟ فيصبح ينتمي إلى الأقوياء ذوي المكانة الدولية.

والقانون التاريخي الثالث هو أن بعض مناطق العالم أو سكانها يعيشون في الماضي، فهناك العديد من الدول تتكون من أقليات ومناطق متنوعة اختلفت حدودها عبر التاريخ، وتكاد لا توجد دولة تقوم على مبدأ العرق الواحد أو القومية الواحدة أو العقيدة الدينية الواحدة. فالهند خليط من القوميات والأديان والأعراق والألوان والثقافات واللغات وهكذا، ولكن طموحات بعض السياسيين من ناحية، وإحساس بعض القوميات أو الأقليات في دول كبرى بتجاهلها أو عدم تحقيق التقدم الكافي لها يؤدي إلى بروز نزعات انفصالية، وهو ما يتعارض مع مسيرة التاريخ الحديث في اتجاه الدول للتجمع والتكتل من أجل تحقيق مصالح اقتصادية وسياسية، على غرار النموذج الأوروبي الحديث. فقد كانت معظم أوروبا خاضعة لامبراطورية كاثوليكية رومانية، ثم ظهرت فيها الحركة القومية في عصر النهضة، فأصبحت عدة دول دخلت في حروب طاحنة، ثم ها هي تعود للاتجاه نحو الوحدة لأن الوحدة قوة سياسية واقتصادية وعسكرية وبشرية، ولكن بعض الدول العربية والإسلامية مازالت دون مثل هذا التوجه الواعي لمسيرة التاريخ في القرنين العشرين، والحادي والعشرين، وتغذي قوى استعمارية جديدة هذه النزعات للانفصال داخل الدولة الواحدة، خصوصاً إذا توافرت فيها موارد وثروات طبيعية، أو كان لها موقع استراتيجي، وهذا ما تعاني منه مقاطعة شينجيانج. (يتبع).

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3961 - الخميس 11 يوليو 2013م الموافق 02 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً