العدد 3962 - الجمعة 12 يوليو 2013م الموافق 03 رمضان 1434هـ

تأملات على هامش ندوة الحضارتين العربية والصينية في أورومتشي (2)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ختمنا المقال السابق بالقول إن بعض الدول العربية والإسلامية مازالت دون التوجه الواعي لمسيرة التاريخ في القرنين العشرين والحادي والعشرين، نحو التكتل والوحدة، بينما تغذّي قوى استعمارية جديدة نزعات الانفصال داخل الدولة الواحدة، خصوصاً إذا توافرت فيها موارد وثروات طبيعية، أو كان لها موقع استراتيجي، وهذا ما تعاني منه مقاطعة شينجيانج في الصين.

وهذا الأمر يستدعي نظرة أكثر واقعية من شعب المنطقة، وأيضاً من الحكومة المركزية التي من الضروري أن تطبق مبدأ القوميات بصورة أكثر واقعية ومرونة، فتشرك هذه القوميات في ثروات مناطقها لكي تشعر بخيراتها، وتعطيها مزيداً من حرية التعبير عن عقائدها وتراثها في إطار مبدأ الدولة الواحدة. وهو مبدأ ارتبط بحضارة الصين العريقة منذ وحدتها على يد الإمبراطور تشين عام 221 قبل الميلاد كنواة لدولة قوية وحضارة واحدة، مع تنوع أعراقها وقومياتها، التي تبلغ 56 قومية أكبرها وأهمها قومية الهان التي تمثل 92% من السكان.

وتعد القوميات الصينية التي تعتنق العقيدة الإسلامية القوة الثانية في الصين، ويبلغ عدد قومياتها أكثر من 10 قوميات من أكبرها قومية اليوجور التي تبلغ حسب ما ذكره مسئول وزارة القوميات الصينية 10 ملايين نسمة، ويليها على مستوى المقاطعة قومية الهان وهي 8 ملايين نسمة، ثم قومية الكازاك المسلمة وهي 1.6 مليون نسمة، ثم قوميات إسلامية أخرى.

أما على مستوى الصين ككل، فإن قومية الخوى فهي أكبر القوميات الإسلامية ولها مقاطعة ننشيا (ننغشيا) Ningxia في شمال غرب الصين، وهي من القوميات ذات الأصول العربية والفارسية والصينية، فهي نتاج حقيقي لتزاوج الحضارات، وهي منتشرة في كافة أقاليم الصين وتتعايش بفاعلية ونشاط مع الإطار المتعدد الأعراق والديانات في الصين.

في مدينة أورومتشي يوجد المعهد الإسلامي الذي يضم مخطوطات إسلامية عديدة، وتراث اليوجور يعد من المواقع الأثرية وفقاً لقوائم اليونسكو. وفي شينجيانج أكثر من 24 ألف مسجد مختلف المساحة، ولكن بها معهداً إسلامياً كبيراً واحداً، ومعاهد صغيرة. وقد تأسس المعهد الكبير العام 1987 وتقدّم له الدولة دعماً مادياً، وأرسل عددٌ من المبعوثين إلى الدراسة في الأزهر بمصر.

وفي أورومتشى مصانع عديدة، ولكن المدينة هي بوجه عام ذات طابع إسلامي عريق، وتسمح الصين للقوميات فيها باستخدام لغتها وتنشيط ثقافتها، وخصوصاً بعد انتهاء مرحلة الثورة الثقافية التي مرت بها الصين من 66-1976، وكانت ثورة عنيفة وقاسية ليس فقط بالنسبة المسلمين بل بالنسبة لكافة القوميات، بما في ذلك قومية الهان، ولا يرغب كثير من الصينيين تذكرها في هذه الأيام التي تشهد مرحلة الإصلاح والانفتاح والازدهار، التي قادها الزعيم الصيني دنج سياوبنج والذي حقق نقلة نوعية في تطور الصين الحديثة وتقدمها.

ولقد زار وفد الحضارة والثقافة العربية المسجد الإسلامي الكبير وصلى مع المسلمين الصينيين صلاة الجمعة في ذلك المسجد، كما اجتمع مع قادة المسلمين ومدير الأقليات أو القوميات في المقاطعة، ومدير المعهد الإسلامي، ودار حوارٌ صريحٌ وبنّاء حول وضع المسلمين في المنطقة، وذلك في ضوء حدوث احتكاكات من حين لآخر بين قومية اليوجور وبين قومية الهان. وهو الأمر الذي يحتاج إلى نظرة موضوعية براجماتية من كل من القوميتين، اليوجور والهان، لتحقيق مزيدٍ من التعايش والوفاق في إطار دولة الصين القوية الموحدة والمتنوعة الأعراق.

كما يحتاج ربما إلى سياسة أكثر مرونة من الحكومة المركزية، حتى لا تعطي فرصةً لقوى الانفصال لاكتساب أرضية جديدة، ولا تعطي فرصةً للقوى الدولية الأخرى لدعم الانفصاليين تحت مقولات حقوق الإنسان أو غيرها من الأطروحات المعروفة في السياسة الدولية، والتي هدفها في معظم الأحيان إثارة الفتن والقلاقل في الدول المنافسة، أو الدول التي لا تسير في فلك قوة دولية رئيسة. والدول الكبيرة القوية الواعية لا تترك الفرصة للآخرين للمتاجرة بمعاناة أية أقليات لديها. (انتهى)

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 3962 - الجمعة 12 يوليو 2013م الموافق 03 رمضان 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً