العدد 3963 - السبت 13 يوليو 2013م الموافق 04 رمضان 1434هـ

مؤشرات حرب في جنوب السودان

تبدو مساحات الارض الشاسعة في ولاية جونقلي المضطربة بجنوب السودان من الجو تنعم بالسلام، الا ان اعمدة الدخان الابيض تكشف عن اكواخ من القش تحترق بعد تعرضها لهجوم.

ويصرخ قبطان الطائرة الصغيرة "هناك منازل تحترق" وينزل باتجاه سحب الدخان المتصاعدة من كوخ من القش للنظر عن قرب.

وليس بعيدا عن السنة النار، يقف نحو 12 رجلا يرتدون زيا اخضر داكنا ويحدقون في السماء وهم يتابعون تحرك الطائرة.

وفي مكان اخر يسير نحو 100 شخص بلباس عسكري اخضر مشابه، في طابور بين الشجيرات متجهين جنوبا.

والهجمات الثأرية واعمال القتل الانتقامية شائعة في هذه الولاية التي تعاني من تخلف كبير والغارقة باسلحة من بقايا نحو عقدين من الحرب الاهلية.

غير ان الاشتباكات الاخيرة التي بدأت قبل نحو اسبوع ذات حجم وطبيعة مختلفين. فمسؤولو الحكومة المحلية تحدثوا عن مجموعات تضم المئات --ان لم يكن الالاف-- من مسلحي الميليشيات القبلية الذين خاضوا معارك ضارية.

وشوهد مسلحون من قبيلة النوير من شمال جونقلي يتقدمون باتجاه منطقة بيبور التي يسكن فيها خصومهم من قبيلة مورلي.

وقال المسؤول عن منطقة بيبور جوشوا كونيي متحدثا من البلدة الفقيرة التي تحمل الاسم نفسه في وقت سابق هذه الاسبوع ان السكان المدنيين من المورلي يفرون امام زحف المسلحين خشية تكرار مثل هذه الهجمات السابقة.

وجيش جنوب السودان الذي كان قوات تمرد قبل ان يصبح الجيش الحكومي، يقاتل ايضا في المنطقة لاخماد تمرد يقوده ديفيد ياو ياو وهو من قبيلة مورلي، منذ 2010.

وقال مسؤولون في وزارة الخارجية الاميركية في وقت سابق هذا الاسبوع انهم "قلقون جدا ازاء تقارير متزايدة عن التعرض لمدنيين عبر القتل والاغتصاب والضرب".

وحذر السفراء الاوروبيون في جوبا السبت من مخاطر وقوع "مواجهات عرقية" .

ومن الصعب مشاهدة اثار الاقتتال الفعلي من الطائرة اثناء تحليقها فوق غابات كثيفة تنتشر بينها مستنقعات في اجواء من الحر الشديد وشمس حارقة.

وبالامكان مشاهدة بعض الاكواخ وهي تحترق في حين تشاهد في قرى اخرى اكواخ مخروطية الشكل مبنية من القش والطين مهجورة.

اما قطعان الماشية التي يعتمد عليها الاهالي في قوتهم فلا يمكن رؤيتها في اي مكان، فهي اما مخبأة او استولت عليها مجموعات اثناء هجماتها.

وتعتبر ولاية جونقلي معزولة ومليئة بالمستنقعات وتبلغ مساحتها مساحة النمسا وسويسرا مجتمعتين، وفيها عدد محدود من الطرق الطينية غالبا ما يتعذر عبورها لاشهر خلال فترات المطر الغزير.

واعمال العنف الاخيرة تأتي عقب اشتباكات في ايار/مايو الماضي عندما قام جنود ومسلحون آخرون بسلب مخازن للامم المتحدة ووكالة اغاثة في بيبور وبينها مستشفى رئيسي.

وينفي المسؤولون الحكوميون في مناطق النوير بشمال جونقلي ان يكون شبان غادروا للقتال غير ان اشتباكات سابقة اعقبت نمطا مشابها من التحرك.

ففي والغاك حيث قتل متمردو ياو ياو اكثر من مئة شخص في شباط/فبراير الماضي ينفي المسؤول المحلي كوانغ رامبانغ شول تقارير عن مغادرة شبان من النوير للقتال.

وقال "هذا فصل العمل بالزراعة" ويضيف انه ربما "بعض الشبان سيقومون بدوريات على حدود مناطقنا".

ولكن في اكوبو وهي منطقة اخرى للنوير في شمال جونقلي يقول احد موظفي الاغاثة طالبا عدم ذكر اسمه ان الشبان غادروا.

واكد ان "الناس هنا يقولون ان الشبان غادروا وانهم يقاتلون المورلي قرب بيبور".

والتنافس الاتني قديم هنا لكنه تفاقم في حرب 1983-2005 مع الخرطوم حيث تسلحت المجموعات واستنفرت ضد بعضها البعض.

والتقارير الاخيرة تذكر بهجمات كانون الاول/ديسمبر 2011 عندما زحف نحو 8 الاف من افراد النوير جنوبا وقاموا باعمال قتل وسلب قالوا انها انتقام لهجمات سابقة من قبل مقاتلي المورلي.

ووثقت مجموعات مدافعة عن حقوق الانسان ووكالة اغاثة سلسلة من الفظائع مثل احراق الاطفال ومهاجمة النساء واغتصابهن او خطفهن.

ويستخدم المسلحون بنادق شبه آلية ورشاشات وقذائف آر.بي.جي.

وقدرت الامم المتحدة ان اكثر من 600 شخص قتلوا في هجوم 2011 رغم ان مسؤولين محليين اكدوا ان عدد القتلى اكبر بكثير.

ولقوات حفظ السلام الدولية قواعد صغيرة هنا لكن تاثيرها محدود.

وتم تقليص الدوريات البرية بعد مقتل خمسة من رجال القوة الدولية وسبعة من الموظفين المدنيين التابعين للام المتحدة في كمين في نيسان/ابريل الماضي في بيبور.

والدوريات الجوية من علو منخفض تناقصت ايضا بعد قيام جنود حكوميين باسقاط مروحية للامم المتحدة في كانون الاول/ديسمبر الماضي. وقالوا انهم ظنوا ان الطائرة من السودان التي غالبا ما تتهمها جوبا بتسليح متمردين كمقاتلين بالوكالة.

ولذا فنادرا ما يغادر عناصر حفظ السلام مواقعهم الحصينة وقالوا في وقت سابق هذا الاسبوع انهم "ليسوا في وضع (يسمح لهم) على الفور" بتأكيد تفاصيل حول اي اشتباكات.

ولكن التحليق لفترة وجيزة فوق هذه المنطقة الشاسعة يظهر ان المساكن تحترق والمسلحين يتحركون.





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً