العدد 3990 - الجمعة 09 أغسطس 2013م الموافق 02 شوال 1434هـ

دول ما بعد الاستبداد

جعفر الشايب comments [at] alwasatnews.com

كاتب سعودي

لا تزال التغيرات السياسية الجارية في المنطقة العربية تواجه أشكالاً مختلفةً من العقبات والتحديات بفعل عوامل داخلية وخارجية، أبرزها إفرازات الأنظمة الاستبدادية التي سادت في المنطقة لعقود طويلة.

ولعل عملية التحول الديمقراطي في منطقتنا العربية تكون هي الأكثر صعوبةً وبطئاً على مستوى العالم، وما ذاك إلا لتعمق ثقافة ومنهجية الاستبداد وتأثيراتها بشكل كبير في مختلف شرائح ومفاصل المجتمعات العربية بصورة أصبح الانفكاك عنها بحاجةٍ إلى إعادة صياغة شاملة.

عندما تدرس نماذج عهود الاستبداد والدكتاتورية في المنطقة، يتضح أن الاستبداد يتحوّل تدريجياً إلى نظام أمني مؤسسي شمولي يؤثر في مختلف مجالات حياة الناس.

فمن أجل أن تضمن أنظمة الاستبداد فترات حكم أطول، فإنها تعمل على إعادة صياغة الكيانات والكتل الاجتماعية بصورة تمكنها من اللعب على مختلف أوتار التباعد والتشرذم بينها.

كما تمتد أذرع أنظمة الاستبداد في جميع مفاصل المجتمع، وتعيق نموه الطبيعي، وبالتالي تتحكم في كل شاردة وواردة فيه من فكر أو نشاط أو غيره، مما يُنتِجُ مجتمعاً هشاً ضعيفاً غير قادر على التماسك والصمود أمام أي تحد أو مواجهة.

يلعب الاستبداد دوراً مركزياً في تغيير البنى الفكرية والتربوية في المجتمعات، بما يؤثر على أنماط تفكيرها وطرقه، وتصبح المجتمعات أكثر انقياداً وتبعيةً للمنهج الاستبدادي بحيث يتم قمع أي آراء أو أفكار مخالفة.

على الصعيد السياسي، يتم احتكار كل مجالاته بصورة لا تتيح أي فرصة لعمل سياسي فعال تتنافس من خلاله مختلف القوى والجماعات بصورة طبيعية. وهكذا تنمو حالات الفساد المالي والإداري بصورة تهدر فيها الثروات الوطنية وتنمو الفئات «المتمصلحة» على حساب طبقات المجتمع.

في ظلّ هذه المعطيات المتعددة، فلا غرو إن رأينا أن التجارب التي مرّت بها دول ما بعد الاستبداد لا تزال متأثرةً بإفرازات الأنظمة السابقة. فالقوى السياسية تتعاطى فيما بينها بنمط استبدادي ودكتاتوري يعيق تطور أي عملية سياسية بصورة طبيعية، وتنمو أيضاً الصراعات الحادة بين الجماعات المختلفة لأنها لم تتعود على أي سلوك حضاري أو حوار مشترك.

دول ما بعد الاستبداد تواجه تركات كبيرة وجمة وغاية في التعقيد، وصعبة في المعالجة، نتيجة لإفرازات الأنظمة السابقة لها. من هنا ينبغي العمل على دراسة تجارب التحولات الديمقراطية لبناء أسس ونماذج عمل يمكن أن تسهل عملية الانتقال من أنظمة استبدادية لمجتمعات ديمقراطية متحضرة.

إقرأ أيضا لـ "جعفر الشايب"

العدد 3990 - الجمعة 09 أغسطس 2013م الموافق 02 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً