العدد 3992 - الأحد 11 أغسطس 2013م الموافق 04 شوال 1434هـ

هل التلفون النقال نِعمة أم نَقمة؟

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

ولم يعد هنالك ما يلمّ شمل العائلة وللاجتماع حوله للتسلية الجماعية وأصبحت التسلية انفرادية وشخصية بحتة وشديدة الأنانية!

سؤالٌ يحيرني! هل ثورات الربيع العربي موجة لثوراتٍ من نوعٍ آخر أو للتحريض عليها، من المبادئ الانسانية مثلاً أو الاجتماعية أو العادات والتقاليد؟!

هل يستمد الشباب قوة الرفض من الثورات السياسية على الاشياء التي لا تروق لهم والتي تَربّوا عليها في احضان اهاليهم ومجتمعهم؟

هل الكبت والحرمان من حرية التعبير السياسية جاء متزامناً مع الكبت للنواحي الاخرى للحياة؟!

وقد آن الاوان للتغيير، ويكفينا سباتاً واستغفالاً من مجتمعاتنا المستبدة وانه لنا الحق في المطالبة بحقوقنا كاملةً ودون انتقاص!

وحيث واضبت الوسائل الاعلامية الجبارة، في ايصال كل صغيرةٍ وكبيرة من العالم المتغير سواء في العادات الحميدة أو البذيئة والاكل المفيد والمؤذي واللبس الجميل والمنحل اخلاقياً وحتى طريقة التفكير، والعادات في الكلام السريع والمتقطع، وقلة الذوق والادب والشتائم ما بين شباب هذا الجيل نقلاً عن الافلام والانفلات الحضاري ومن ثم انتقاله لاطفالنا لاقتباسه كالببغاء وتداوله بين العائلة.

والشيء الغريب ان الاشياء السيئة دائماً هي التي تسود وتثبت في التداول!

انه حتماً الغزو الحضاري وثورة الانفتاح وحرية التعبير بأسوأ صورها. هي الثورة الاولى المختلفة والتي بدأت مداعبتنا بحلاوتها ومرارتها والتي ربما سبقت ثورات الربيع العربي والتي مهدت لها.

وماهي السبل لايقاف هذا الزحف الحضاري المخيف من الحرية والتي بدون اية قيودٍ أو حدود؟!

ومن هي الجهة المسئولة للحد من هذه الظواهر أهي الاسرة؟ لقد تغير حال الاسرة منذ الغزو الالكتروني وحرية المعلومات مع النقال حتماً واصبحت الحرية الشخصية اطفالاً وكباراً!

فلن نتمكن من معرفة العلاقات التي يقيمها ابناؤنا واطفالنا ولا ازواجنا وزوجاتنا واستحالة التعرف على اصدقائهم مثلما كان يحدث في الماضي حينما كانوا يهاتفونهم على تليفون المنزل!

ولم تعد الوجبة العائلية تجمعنا، باختلاف نوبات العمل والساعات الطوال سواء للزوج أو الزوجة والابناء.

واصبح الكل يعيش وحيداً وباختياره ومع جهازه، اما الاطفال وبعد انتهاء فترات الحضانة يبدأون مباشرةً الى المطالبة بحقوقهم الالكترونية، للتواصل مع «الربع»!

وتتبدل طباعهم وتصبح الاستقلالية دون حدود، والتمرد والانانية احدى الثورات الحديثة الاخرى! حيث ينغمس سكان المنزل ويختبئ البعض! واعينهم لا تفارق الشاشات على اختلاف احجامها ليتواصلوا مع ما يريدونه ويحبونه من علاقات أو برامج بكل حرية ودون تدخلٍ!

ولم يعد هنالك ما يلمّ شمل العائلة وللاجتماع حوله للتسلية الجماعية واصبحت التسلية انفرادية وشخصية بحتة وشديدة الانانية!

وحتى الاصدقاء تراهم في الاماكن العامة والكل يحدق في الشاشة بل ويبعث للآخر رسالة على النقال عوضاً عن الكلام!

هل هي ثورة الصمت! واستبدال الاحاديث بالمسجات والايميلات؟ ما هي هذه الجاذبية المسيطرة لهذه الشاشات؟

هل هو الهروب من الحياة النمطية؟ وهذا نوعٌ من الثورة على الروتين الحياتي والنمطية في التعاملات الانسانية؟

ام هو تقليد لمخلفات وعيوب الغرب للتفكك الاسري؟ وما يجمعنا هذه الخطوط الوهمية الواهية اللاسلكية والباردة كالثلج!

ولقد اثبتت آخر الدراسات ان كثرة استخدام النقال يعتبر نوعا من الادمان، والذي قد يضعف الذاكرة والتركيز ويزيد من النسيان!

والسرعة في الغضب والهيجان ضد الآخرين ومن دون سبب حقيقي!

وهذه ثوراتٌ اخرى للشباب ضد اهاليهم مع او قبل ثورات الربيع.

والمضحك هنا كم منا كان يبحث عن تليفونه وهو يتكلم به (الضعف في التركيز) وكم منا شعر بالضياع الكامل والكآبة الشديدة حينما اضاع تليفونه أو اصابه الخلل.

وكاننا فقدنا عزيزاً أو في حاجة الى مهدئ للاعصاب، سريع المفعول كي ينسينا التليفون!

اشياء ومشاعر غريبة وحديثة صاحبتنا جميعاً في الثورة المجنونة للاتصالات، هي خيوط وخطوط سحرية تربطنا، تجمعنا وتفرقنا! نسير معها مجبرين ولسنا بمخيرين، قد تضيء اجزاء من حياتنا ولكنها حتماً تسلبنا حميميتنا ودفء حياتنا وتواجدنا اللحظي مع الاخرين.

هذا الجهاز هو الوحيد الذي نلمسه في الصباح لنفتحه ونودعه في الليل لنشحنه هي احدى الثورات الالكترونية التابعة! والتي ابعدتنا عن احبتنا واهالينا لادماننا عليها والتي اخذتنا الى المجهول.

فنحن ندفع لها كي نتصل بمن نحب وهي تعلقنا بسراب الكلمات السلكية وغير المرئية وتزيد من الغربة الحياتية وعدم الشعور بالسعادة.

وعلنا ندرك ان هذا الجهاز قد يجعل اسرارنا مرئية للجميع! وفيه ومعه كل نسماتنا وهمساتنا من والى احبابنا، والفضاء مليء بالصقور الجارحة وهو ابداً لن يرحمنا.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 3992 - الأحد 11 أغسطس 2013م الموافق 04 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 5:50 ص

      أرجو ألا يستمر المجتمع على هذا الحال

      أنا أكره هواتف أفراد عائلتي لأنها تسرقهم مني .. اللهم غير سوء حالنا بحسن حالك

    • زائر 4 | 5:18 ص

      مقال جميل

      من اجمل المقالات لهذا اليوم ..

    • زائر 3 | 4:51 ص

      لفلفون أو تلفون أو مخلط تفاع أو معسل بحرين؟

      عاد يقولون الانعام من النعم ليش؟ أجاب جحا لأن خلقها الله، بينما التلفونات والتلفزونات من صنع الانسان فهل الآي فون من النعم؟ بس يقولون والعهده عن\\د الراوي إن من وسائل الاتصال النقال بينما أضيف الى الجهاز عدد من الخدمات والتسالي وصار للتسليه والتجسس على الناس والحش والعكره..و... عاد ويش ها التلفون النقال صار؟ وكالةأنباء أو إستخبارات أو...

    • زائر 2 | 3:54 ص

      الحضاره والاوجاع

      كلام واقعي ومريح اسلوب ودود في اظهار الحقائق

    • زائر 1 | 3:29 ص

      الحقيقه في مقال رائع

      نعم اهنئك على روعة هذه المقاله التي تمكنت من جمع كل مواصفات العصر الحديث فيها بتعبير جميل وانيق نحن نعاني من كل ذلك ومع الاسف لا توجد الحلول لهذا النوع من التقدم المفيد المزعج

اقرأ ايضاً