العدد 3994 - الثلثاء 13 أغسطس 2013م الموافق 06 شوال 1434هـ

أطروحة الدولة المدنية تصطدم مع مجتمعاتنا التقليدية

ريم خليفة Reem.khalifa [at] alwasatnews.com

إن المتغيرات السياسية التي تعيشها المنطقة العربية كثيرة منذ مطلع العام 2011 وحتى اليوم، وعدد من الشعارات الجذابة التي ارتفعت بشكل واضح تدور حول مطلب تحقيق الدولة المدنية، تلك الدولة القائمة على مفاهيم المواطنة الحديثة والملتزمة بحقوق الإنسان. ولكن، ورغم جاذبية هذا الشعار، إلا أن الكثيرين يشككون في مدى استطاعة مجتمعاتنا التقليدية في تطبيق مثل هذه الفكرة.

والإشكالية مطروحة في مجتمعاتنا الخليجية والعربية. ففي مصر وبلدان شمال إفريقيا هناك الجدال الدائر بين الإسلاميين والعلمانيين، ومدى إمكانية أي منهما الالتزام بنهج الدولة المدنية على أرض الواقع، وما حدث في مصر بعد تدخل الجيش وعزل الرئيس السابق محمد مرسي عن الحكم يثير التساؤل ذاته. وفي دول الخليج فإن الوضع أكثر تعقيداً، إذ إن التقاليد القبلية والمذهبية تسيطر على المشهد السياسي والاجتماعي والاقتصادي بما يثير السؤال ذاته في مدى تمكن القوى التقليدية، والمطالبة بالإصلاح في السير نحو تحقيق الدولة المدنية.

وقد يكون ما حدث ومازال يحدث من متغيرات في المشهد المصري نقطة تحول، فالإخوان المسلمون فازوا في الانتخابات الرئاسية في العام 2012 بعد أن طمأنوا الآخرين بأن مطالبهم تدور حول الدولة المدنية الحديثة، ولكن سرعان ما انتهجت جماعة الإخوان المسلمين منهجاً أثار شكوك الآخرين، بل إن الخطاب السياسي اندمج مع الخطاب الديني التحشيدي، ومن ثم تطورت الأوضاع إلى ما حدث في 30 يونيو/ حزيران 2013 مع خروج الملايين في الشوارع. وإذا كان الذين خرجوا على مرسي من القوى اللبرالية واليسارية والشبابية، فإنهم في نهاية المطاف وجدوا أن الجيش هو الذي حسم الموقف، وهذا يطرح تحدياً آخر، لأن الجيش لا يستطيع إقامة دولة مدنية، والدليل على ذلك ما حدث في باكستان التي سيطر عليها الجيش وأجهض مسيرتها السياسية نحو الدولة المدنية. فهل سيكون الجيش المصري أكثر عطفاً وحناناً وكرماً من الجيش الباكستاني.

المصريون يعيشون حالياً فترة ثورية، والتفاؤل يسود الشباب الذين قاموا بثورة 30 يونيو «التصحيحية» من أن الجيش سيسلم الأمر إلى المدنيين المنتخبين، وأن الدستور سيتم تعديله ليعكس طموح الشعب المصري الذي أثبت أنه ليس ضد الدين، ولكنه ضد من يحكمه باسم الدين بطريقة تضر بقيم التسامح والتعددية. الأحداث المستقبلية كفيلة بأن توضح لنا هذا الأمر، ولكن السجال سيستمر لأننا مازلنا بعيدين عن الوصول إلى مستوى الدولة المدنية الحديثة.

الموضوع أكثر تعقيداً في منطقة الخليج، إذ إن المجتمعات تعيش في ظل المفاهيم القبلية والمذهبية والأبوية. ولو أردنا أن ننظر إلى النظام الأبوي المعمول به داخل مجتمعاتنا الخليجية فهو لا يخرج من هذه العباءة، وبالتالي فإن هذا الفكر يصطدم مع فكر الدولة المدنية التي تتكلم بلغة التعددية وحقوق الإنسان البعيدة كل البعد عن هذه التراتبية. إنها إشكالية لا يمكن التحرر منها بسهولة، وستحتاج إلى تغيير في العقلية السائدة، لأن هذه العقلية فد تجد في الحديث عن دولة مدنية تستوعب الجميع على مبدأ المساواة والحقوق العادلة أمراً نظرياً إذا كان سيقارن الوضع مع ما هو مطروح في دول الغرب مثلاً، وعلى هذا الأساس يروج البعض لمفهوم الخصوصية، ويقولون بأن الخليجيين يختلفون عن العرب وعن باقي البشر وأنهم لا يرون في هذه المفاهيم حاجة واقعية لها. لعلنا بحاجة إلى مقاربات تتوسط الطموح المشروع بالسعي إلى تحقيق الدولة المدنية، وفي الوقت ذاته لا تستهين التعقيدات المتداخلة في مجتمعاتنا، إذ نرى أحياناً هو أن الدولة أكثر تقدماً من المجتمع في تحقيق بعض المنجزات العصرية، مثل تمكين المرأة في تسلم دور أكبر في الحياة العامة.

إقرأ أيضا لـ "ريم خليفة"

العدد 3994 - الثلثاء 13 أغسطس 2013م الموافق 06 شوال 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 8:38 ص

      كشفوفات ملك أو كش كش ها تزال دول ومماليكها

      يقال بالتعين ويقال بالتخمين ويقال من بنو عبد شمس مو خوارج لكن من أولاد بنات مرجانه أو سبائك ذهب سموهم أو خياش عاد عدله بتشوف.. والقوم مثل ما يقولون آباء أو أبناء وليسوا بنات ولا يشبهونها لكن.. بتعيين قاضي تها قالوا في أم الدنيا ما عندك ما تعمل إعمل قاضي وقالو في بنى عباس إعمل حاكم معتصم بالله أو حاكم بأمرا لله يمشي أمرك - أسماء يعني... مو بئس الإسم الفسوق بعد الإيمان ..بينما لا يقولون زور ولا يكذبون بس يطففوان ويحكموم بدون صفار إنذار للحريق يعني.

    • زائر 10 زائر 9 | 10:28 ص

      الدولة المدنية

      انا مع الدولة المدنية بشرط ان لايقودها الاسلام السياسي والاهدا حلال وهدا حرام وهدايجوز وهدالايجوز ونجلس علي حاني وماني ربما تستغربي من طرحي هدا يااختي المجتمع العربي ليس مدهب واحد اودين واحد ولاقومية واحدة لدا لايمكن ان اطبق تعاليمي علي المسيحين مثل الاقباط في مصر ومسيحي لبنان وسوريا والعراق ووبقيتهم في الوطن العربي ...

    • زائر 8 | 8:07 ص

      مشكلة تحرر من قيود عرقيه أو طائفيه أو مصلحيه أو من تهاوش أو تناوش؟

      رق قلب جحا بينما مخه طغى عليه الماء ومال ألعمال والإهمال زايد مو بن هيان ولا بن سلطان لكن جحا في غمرة من فكره في مسائل ومشاكل ها العالمي عربي أو عبري عابر للقارات والامم – وأمة محمد (ص) واحدة. يعني إشلون صارت دول وممرات وحدود؟ .. و .. و... لكن ناس ما تشوف الامه الا من منظور كل من يرى الناس عن عين طبعه.. فأمم أمثالكم عاد وثمود مو من طيور الجنه أو من دواب على الأرض. هذا العلم بالحديث أو العلم بالجديد أو العلن عند لله يقولون . إشلون تصير دوله أمنيه عسكريه حارسها أجانب؟ مو إجتنبوا كثيرا من الضن..

    • زائر 7 | 7:52 ص

      مدنيه مكيه أو كسكريه - تناصح أو تناصح في مجالس أو تناطح وتضاد في الصورة

      يقال الكل واحد والواحد كل كما يقال شيء له شيء يضاده ويعارضه كما يقال الكثير والكثرة تغلب الشجاعه ولم يكن الذين كفروا من أهل الكتاب. بينما وإنما كانون من من يتلون الكتاب لكنهم يتبعون ما تتلوا الشياطين على ملك سليمان. يتبعون الضن أو الشياطين أو يتبعون ملة إبراهيم في دولهم المدنيه؟. نداولها بين الناس .. لكن الناس يتداولون أحاديث ويقولون ما لا يعلمون حتى الصلاة يصلونها وهم لا يعلمون ما يقولون . فما بالك بالدوله المدنيه والدولة العسكريه. يعني طاش ما طاش أو طيش صبياني على كبر صاد بعض من الناس شوفوها؟

    • زائر 5 | 3:23 ص

      ميزان حكمه - عقل ولا عقل بلا علم ولا عدل وحريه شائعات

      حرية التفكير قد تكفل لكن حرية التفسير والقول بالرأي أو الوزن والحكم بلا حدود وقواعد وضوابط لتكون للعدالة طريق وتضيع الحريه. فحريتي تنتهي متى ما بدأت حرية الآخر. شيوع العدل في دولة إسلاميه شيوعيه ديمقراطيه إشتراكيه فيها الحياة المشتركةقائمة على علم وعمل وكل بعمله.. ولا يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلموا كما لا يستوي الذين يعملون من الجالسين في مجالس على كراسي وقابضين مناصب. عندما يشيع العد بين الناس أوسع بينما زيادة الجور والاعتداء على الحريه ليس مؤشرا الى الى غياب العداله في الدول العسكريه.

    • زائر 4 | 3:06 ص

      المصالح الفئوية هي التي تصطدم والا فلا يوجد تصادم

      هي الانانية والمصالح الفئوية والشخصية الضيقة والمبررات كثيرة

    • زائر 3 | 2:56 ص

      سيدتي الكريمة

      بسم الله الرحمن الرحيم، أعتقد سيدتي الكريمة أن تحقيق الدولة المدنية لابد أن يسبقه شيوع ثقافة هذه الدولة في المجتمع المراد تطبيقها عليه. والإشكالية التي ينبغي أن تُبحث: من يُشيع هذه الثقافة في المجتمع؟ وهل يتم إشاعتها قبل البدء بتطبيق المدنية أو بعد وضع تطبيقها على الأقل كقوانين؟
      ثم هل تمكين المرأة (قسريًا) من قبل النظام هو إنجاز أو هو فشل في بسط ثقافة تمكين المرأة، مما اضطر النظام لوضعها بالإكراه؟
      دعائي لك بالموفقية والتسديد..

اقرأ ايضاً