العدد 4024 - الخميس 12 سبتمبر 2013م الموافق 07 ذي القعدة 1434هـ

دروس وعبر المشهد السوري

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

هناك دروس وعبر في المشهد السوري تميّزه عن كل مشاهد ثورات وحراكات الربيع العربي. إنه مشهد متكامل في مآسيه وجنونه وبلاداته وحقارات بعض لاعبيه، وهو يصلح لأن يكون في المستقبل مُقرراً دراسياً في علم السياسة لإبراز تعايش الحقّ مع الباطل، وتناغم المتناقضات في رسم صورة سريالية عبثية أين منها تراجيديا الإغريق.

الملحمة في الساحة السورية هي في الواقع كارثة وطنية وقومية وإسلامية وإنسانية وأخلاقية بامتياز. أي تفاصيلها تحتاج إلى كتب، ولكن يهمنا أن نشير إلى بعض الظواهر كدروس وعبر.

أولاً: هناك موضوع الأحزاب التي يمارس الحكم باسمها في العديد من الأقطار العربية، ومن بينها سورية، لو أن هذه الأحزاب لها وجود فاعل مستقل لتدخلت في المراحل الأولى من الحراك الشعبي ضد الحكم ولوقفت بحزم ضد ممارسة انتهازية الحلول الهامشية والاقتصادية على تقديم الفتات من التنازلات، وممارسة أجهزة الحكم البطئ الشديد المتعمد في اتخاذ القرارات التي تهدّئ الأوضاع وتعطي الأمل في الإستجابة.

إن مأساة تلك الأحزاب هي في وصولها إلى حالة موت الحسّ المتفهَم لمطالب الجماهير الغاضبة وتشوُه الضمير الأخلاقي عند قادتها، وبالتالي انقلابها إلى واجهات صورية.

إن ما حدث في سورية وغيرها هو درس للأحزاب العربية في أن لا تسمح قط، نظاماً وتنظيماً وعلاقات مع قوى مجتمعاتها، بأن يخطف الحزب جيش يريد الحكم أو قائد يدّعي العبقرية أو طائفة تستدعي التاريخ والفقه المتخلّف أو قبيلة تدّعي التميز في معرفة ما هو صالح للأوطان. الحزب الذي لا يمارس الديمقراطية في حياته اليومية ولا الاستقلال عن بيروقراطية الحكم بصورة تامة والقدرة على قول لا للحكم الذي يتكلم باسمه، هذا الحزب يجب أن لا يكون له قط محلٌّ في الحياة السياسية العربية مستقبلاً.

ثانياً: هناك قوى في المجتمعات العربية التي إن سُمح لها بالانخراط في الحراكات والثورات، حتى ولو على الهوامش، فإنها ستسمّم الأجواء وتحرف العفوية الشعبية. من هذه القوى قوى الإسلام التكفيري الطائفي الممارس للعنف والقتل العبثي للأبرياء.

الثورات والحراكات التي لا تعرف كيف تتجنّب وضع اليد في يد المندسّين لتحقيق أهداف تخصُّهم ولا دخل لها إطلاقاً بالمطالب الشعبية العادلة، لا يحقّ لها أن تطالب أحداً بإسنادها. فإذا أضيف إلى ذلك ارتباط تلك القوى الدَخيلة بجهات غير ديمقراطية وغير معنيّة بشعارات الجماهير في الحرية والكرامة والعدالة الاجتماعية فإنّ الحراكات الجماهيرية ستسلّم نفسها ليد القدر المظلم.

ثالثاً: لقد كان السماح للمشهد السوري أن يصل إلى ما وصل إليه من موت ودمار مدن وتهجير للملايين وطائفية سوداء بغيضة حقيرة وتدخّّلات خارجية سافرة ووصول سورية إلى حافّة الخروج من التاريخ... كان السماح بذلك وصمة عار في جبين العمل العربي المشترك. لا الجامعة العربية ولا المؤسسات القومية المدنية ولا المحسوبون كعقلاء هذه الأمة فعلوا شيئاً أساسياً مفصلياً يذكر لمنع هذه التراجيديا السورية البائسة.

إذا كان الانتماء العروبي لا يساعد المنتمين في أوقات الشدّة والمحن، فما فائدة هذا الانتماء إذن؟ إذا لم يصلح النظام الإقليمي القومي العربي نفسه، وإذا لم يجر التفكير في وجود كتلة مدنية سياسية عربية قادرة على الفعل خصوصاً في أوقات الأزمات والكوارث الكبرى، فإن المستقبل العربي هو في خطر مظلم حامل للأهوال.

رابعاً: لقد عانت الأمة العربية ما عانت، منذ منتصف القرن الماضي، بسبب الانقسام والتناحر بين الإسلام السياسي المعقول وبين القومي العروبي السياسي المعقول بأشكاله المختلفة. لقد بذلت جهود هائلة لحلّ هذا الإشكال، على الأقل أثناء المرحلة التاريخية الحالية الخطرة التي يعيشها الوطن العربي، لكن الربيع العربي، بما فيه سورية، أظهر أن الطبع يغلب التطبّع.

ترى هل كان بإمكان المشهد السوري أن يتجنّب قضية الإسلاميين التكفيريين الشائكة لو أن أيادي الجهتين كانت ممدودة في أول أيام الحراك الشعبي؟ ما عاد بالإمكان تأجيل هذا الموضوع الذي يستغله كل فاجر أثيم على مستوى الاجتهادات الفقهية الطائفية، والإعلام المجنون، والخارج المتربّص المستفيد.

الآن وجريمة أميركية صهيونية على الأبواب، هل يستطيع شباب ثورات وحراكات الربيع العربي أن يدركوا بأن أمتهم، وسورية المثال الأسوأ، تعيش أحلك أيام تاريخها القديم والحديث، فيتمعّنوا بعمق شديد وبضمير أخلاقي وبحسّ قومي عروبي ملتزم، في الذي يحدث أمامهم ويتصرّفوا خارج تلك الأخطاء والخطايا، وهي كثيرة جداً ليعيدوا ألق الربيع العربي الذي تكاثرت عليه الذئاب نهشاً وتمزيقاً؟ النظرات المحدودة والحلول الصغيرة لن تنفع.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4024 - الخميس 12 سبتمبر 2013م الموافق 07 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 8 | 9:55 ص

      الى 7 مع جزيل الشكر يقال علمي وليس علماني لكن

      يقال لا يفسد الرأي للود قضية وقد لا تكون جديدة أن الدين لا ينفصل عن إدارة الدولة. فكيف تفصل المعاملة عن الناس أو عن المجتمع؟ فيقال أن الدين المعاملة وليس العبادة أو الحج والعمرة أو الصلاة في المساجد وقال فلان وقال علان. لكن عامل الناس كما أو مثل ما تحب أن يعاملوك – يعني تحترم الناس وتقدرهم وهناك حدود وقواعد وضعها الله ولم تتغير إلا أن بالسياسة والتجارة والدين او أفيون الشعوب – يعني ليس من ما قال الله لكنهم إتقفوا على دين غير دين الله.أووا ليس كل الأنبياء والرسل دينهم من عند الله، ولا دين إلا ..

    • زائر 9 زائر 8 | 11:40 ص

      البارباري

      ولو اني لم أفهم تعبيرك بالقول علمي لا علماني لكن أحب أن أوضح لك مقولة علماني والتي تختلف عن علمي حيث تعني بالعربي الفصيح فصل الدين عن الدولة فالدين لله والوطن للجميع والدين الأسلامي اركانه الأساسية هي الصلاة والحج والصوم والزكاة والايمان بالله واليوم الآخر أي العلاقة تكون بين الفرد والخالق أما السياسة فهي تعني العلاقة بين أفراد المجتمع بعضهم لبعض حيث يقتضي التوافق على مبادئ العيش المشترك ضمن اطار البيت الواحد وهو بالتحديد الوطن الجامع لمكونات المجتمع مسلم ومسيحي ويهودي وملحد ولا ديني شيعي وسني

    • زائر 7 | 6:32 ص

      علماني وطني ضد استدعاء التاريخ ومع فصل الدين عن السياسة

      لا أحب التعليق على المقالات لأنها ترف من أجل قتل الوقت لكن الدكتور أجبرني على ذلك بمقالته الرائعة والتي تعكس عقله وفكره المستقل ، ومن يعرف الدكتور يعي معنى الأستقلالية ، نعم استدعاء التاريخ والفقه المتخلف عن واقعنا في الحراك الجماهيري هو طامة ثوراتنا وربيعنا العربي ، ان عدم فصل الدين عن السياسة وابعاد رجال الدين عن المشهد السياسي هو الطامة الأخرى التي تسمم الأجواء والحراك السياسي وتبعده عن مرماه وهذفه فمتى نعي ذلك ونكون واقعيين ضد استدعاء تاريخ قديم متخلف وضد مزج الدين بالسياسة

    • زائر 6 | 4:21 ص

      شكرا دكتور مقالك هو اكثر المقالات واقعية عن الوضع في سوريا

      نعم كان على نظام الحكم والحزب الحاكم في سوريا تقديم المزيد لشعبه وهذا كان موقفنا متضامنا مع الشعب. ولو قدم المزيد لتلافى ما حصل.
      الموقف الثاني وهي الحركات الشعبية كان من المفروض ان تنأى بنفسها عن تدخلات الاجانب الذين اهدافهم معروفة ومكشوفة وهي تدمير سوريا وبحجة ان النظام ديكتاتوري وقمعي. وكأن الدول التي تبنت تلك الاطروحات قمة الديمقراطية بل ربما وضعها اسوأ من سوريا. المهم الطرفان في سوريا من نظام حكم ومعارضة
      رهنت نفسها للصهاينة والامريكان كلهم اجرموا في حق سوريا

    • زائر 5 | 3:10 ص

      سلام

      سلام علي اهل وارض الشام الحبيبه وحفظك من كل شر

    • زائر 4 | 2:02 ص

      نفوس مريضة

      هناك نفوس مريضة متعطشة لاستعجال الضربة القاصمة تتأفف كل صباح لماذا يا أمريكا هذا التأخير وكل المقصود فيه الرئيس ونظامه وقد عميت قلوبهم عن شعب اصيل عريق نهل العالم العربي من خبراته وخيراته فلماذا تطبلون الى الجريمة الامريكية الصهيونية وتدمير سوريا !

    • زائر 3 | 1:34 ص

      عروس البحر المتوسط وعروس الخليج

      قيل القدس عروس عروبتكم كما قيل البحرين عروس الخليج لكن عند ما تبجح الأعراب- (يعني يسمون نفسهم عرب لكنهم أشباه). أين كانت عروبتهم وفلسطين لسنين يقتل أبنائها وتسجن وتسبى نسائها وتباح أراضيها وتستوطن. بالأمس كانت الجزائر وبعده السودان ولحقتها العراق واليوم سوريا لكن متى دورة الألعاب الأولمبيه في الخليج؟ وهل الخليج بحاجة الى حكام كرة أرضية؟ أو تنس طاولة؟

    • زائر 2 | 1:25 ص

      قد يكون ما عملوا ودمروا في العراق صعب تكراره في سوريا

      ليس بسر أن إلإختلاف ليس كما المخالفات لكن من مكونات سوريا كدولة مستقلة ذات سيادة وإستقلال تختلف تماما عن بقية ما تسمى بالدول العربية الغير مستقرة وليست مستقلة. فمن مكوناتها جيش عربي سوري غير حر يحرس البلد ومجلس إدارة يرأسه بشار الأسد ولا يملكه أو يحكمه وإنما ممثل عن الشعب السوري. كما توجد شرطة لحفظ الأمن الأهلي يعني بين الناس حتى لا يتعاركوا ومحكمة تفصل الخلافات في معاملات الناس لبعضهم البعض. بالاضافة الى مؤسسات علمية ومؤسسات أخرى. فهل حسابات الأمر بمعروف صهيوني عربي جهودي باء بالفشل؟

    • زائر 1 | 10:33 م

      ستراوي

      العرب اصبحو من الغرب و ايران وروسياء اصبحو عرب مجلس الاعموم البريطاني عربي قومي رئيسى الجيش الايران عربي قومي اما مجلس الجامعه الصيونيه اقصد العريبه اصبح صهيوني ماسوني

اقرأ ايضاً