العدد 4037 - الأربعاء 25 سبتمبر 2013م الموافق 20 ذي القعدة 1434هـ

المفارقات لديهم ولدينا... بين حقول الحقوق وحقول النفط!

جعفر الجمري jaffar.aljamri [at] alwasatnews.com

-

في تناول يُناسب الطرْح في صورة أكثر اختزالاً وتعميقاً في تناول المفارقات التي تناولتها في موضع بعيد من الصحافة اليومية؛ لا أعمد هنا إلى أن أكون أكثر استفزازاً؛ بمعنى أكثر مباشرة ووضوحاً؛ ولكن التفاصيل، الصغير والكبير منها ملغّم بالاستفزاز، الجيّد والرديء منه.

الكتابة التي تخلو من استفزاز تؤخّر صاحبها، ولا تحمل إلى القارئ ما يضعه في المراتب المتقدمة من الوعي. القارئ اللمّاح الذكي الذي لا يقرأ كي يكرر حكايات مجالس العصر في الدكك أو توتّر المارّة والسائقين في ذروة شهر أغسطس/ آب؛ وخصوصاً إذا تزامن مع شهر الصيام؛ أو صيام تطوّع؛ أو حتى لم يُتح له تناول وجبة الإفطار قبل استئنافه لروتين العناء في درجاته الساذجة.

بين ما «لدينا» و «لديهم» كان تناول المفارقات. وحين نقول «لدينا» و «لديهم» نعني «نحن» و «هم». الحديث المباشر والمواجهة التي لا لبْس فيها مع حقيقة الذات؛ بل نذهب أبعد من ذلك. نعني موقع الـ «نحن» والـ «هُم» في التأثير والإضافة والإسهام في المنجز الحضاري البشري. تلك مقارنة ظالمة.

يحتجّ أحدهم. لكن ما الذي جعل المقارنة «ظالمة» دونك ما بعد التخلّف بمراحل، قبل العصر الجليدي وصولاً إلى قريش التي في التاريخ، وقريش التي نشْهد وبعمليات تجميل بحسب مقتضى الحال!

من الأمور التي عندهم وهذه المَرّة ليس في الغرب؛ كي لا يقال فيها (الكتابة) استجلاب وتشبّه بـ «الكفَرة والمشركين» بحسب تعبير «الإسلام المُدجّن والموجّه» في بعض البلاد، وله قنوات ليس بالضرورة فضائية بل منبرية كل جمعة في دعاء لا حرارة ولا دفء فيه لأنه اصطناعي؛ ومحرّض

ومشروع كراهية؛ فيما القوم وعبر أبسط الأدوات (مكبّر الصوت) من صنع «الكَفَرة والمشركين»! أقول من الأمور التي عندهم هذه المرة في الشرق نفسه. الشرق الذي باتت الولادة فيه إهانة للكائن البشري. والعيَش فيه رضا بالموت البطيء!

الصين في برنامجها الفضائي الأخير يضم رائدة فضاء. لديهم هناك. لدى بعض بلداننا يتعمّق التعاطي العنصري والذكوري الفارغ مع المرأة وإلى اليوم باعتبار صوتها ووجهها عورة! في تشبيه ومقاربة لأقبح ما في الإنسان من أجزاء في تكوينه الجسدي! هناك وصلت المرأة لاكتشاف الفضاء، وبعض بلداننا إلى اليوم محرّم على المرأة قيادة سيارة على الأرض؛ على رغم أن لفظ «سيارة» لم ترد في القرآن لفظاً إلا مرّتين: «قَال قَائِل منهُمْ لاَ تقتُلوا يُوسُف وَأَلقُوهُ في غَيَابَة الجُب يلتَقِطْهُ بَعضُ السَّيَّارَة إِن كُنتُم فَاعِلِينَ» (يوسف: 10)، «وجاءت سيَّارة فأرسلوا واردهم فأدلى دلوه...» (يوسف: 19).

وسيارة هنا صيغة مبالغة من السير، كجوّالة وكشّافة. ذكرت مرة بمعنى قافلة مارة والثانية بمعنى قافلة. وليست السيارة التي يطمح عديد من مكون الأمة أن يُفكَّ إسَار اختطاف الفهم، وتجيير التأويل ليتاح له أن يقودها من دون اجتماع كبار العلماء وجهابذة الأمة!

في بعض بلاد الشرق، والذي لا يمكن إجباره أن يكون إسلامياً بالفهم العبيط والسطحي؛ ولكنه في الممارسة من حيث الصدق والأمانة واحترام الإنسان بغضّ النظر عن جنسه ولونه واعتقاده، والالتزام بالمواثيق والعهود واحترام الوقت وعدم الغش والنفاق، والانشغال بالإبداع الذي يخرج الإنسان من شقاء تفاصيله اليومية إلى نعيم وراحة تواؤمه مع الحياة من حوله، يسْراً لا عُسْراً، اكتشافاً وتدبّراً واختراعاً، يتجاوز بمراحل ما نراه من ممارسات تبعث على الاشمئزاز

والنفور بِاسْم الإسلام وممن يتصدّون لأمر تقديمه من بعض المحسوبين عليه وهم أحطّ وأتفه وأبعد منه وهو بُراء منهم.

على سبيل المثال، مساحة كبيرة من العالم لديها «حقول» لا حصر لها من مراعاة الحقوق؛ ولدينا «حقول» نفط لا علاقة لنا بها؛ بدليل أن الذين يعانون من صُفْرة الملامح يتجاوزون عديد وعتاد الجيوش العربية «السياحية»!

وإذا أخذنا الحسد وتمنّي زوال النعم عنهم، في عادات وتقاليد وتراث نظل متمسكين به، نقول: لديهم كل ما «يُحلّق» – واقعاً - ولدينا كل ما «يزحف»؛ ولا نتحدث هنا عن حدائق فيها من الحيوانات والزواحف المختلف والمؤتلف منها. نتحدث عن بعض البشر الذين من المفترض أن يكونوا باثْنتين؛ ولكن المصالح الضيّقة والوهم والغرور والاتكاء على ما كان وإهمال ما هو حاضر وما سيكون، قُدّر أن يكونوا ظاهراً من البشر، وباطناً دونهم ودون سواهم بكثير!

وأبسط ما عندهم في بعض الشرق وغربه، أن المواطن بمجرد أن يصرّح بأنه مواطن؛ حتى في منافذ دفع الفواتير؛ والمطارات والمستشفيات وأجهزة الأمن والمواقع السياحية والرفاهية؛ لا يحتاج الشرطي أن يستعيد بنوداً في القانون كي يتعامل مع المخلوق الذي أمامه بغلظة وتفاهة وقلّة أدب، كما يحدث عندنا حتى في الاتصال بالإسعاف والدفاع المدني وخدمة دليل الهاتف بحيث يتم تحقيرك من اسمك ولهجتك ورقمك الهاتفي إذا كان بالشحن (سمسم) أو (GSM)!

الموجع والمؤلم في الأمر؛ وتلك من نعم الله على بعض البشر، أنْ ليس عندهم «صحاح» و «مسند» يتم تجيير ما يمكن تجييره في مواقف نفعية للذبح والنحْر وسفك الدماء واستباحة الأعراض والاحتقار، واعتبار نساء بعض الطوائف سبايا؛ لكننا اليوم نشهد جاهلية ما بعد رفع المسيح في عصر وكالة «ناسا» والخريطة الوراثية؛ من دون أن ننسى عصر أمراء الفتن في الشرق الذين يلعلعون بحيَّ على الجهاد؛ لتفضحهم آلات الغرب «الكافر» وهم يتسوّقون بعد الدعوة إلى النفير مباشرة في محلات «هارودز» و «ماركس أند سبنسر»!

المفارقات تتوالد وتتناسل كما توالدَ وتناسلَ على قرار ومصير وفهم الأمة من هم في حقيقة الأمر في غَيَابة جبِّ التواصل مع لحظتهم الراهنة، والزمن الذي لم يعودوا يملكون فيه القوة لفرض الشرْط عليه، في الجانب الساذج والمتخلّف الذي جعلنا منصّة استهزاء وتهكّم ممن يهيمنون على مفارقة «لديهم» و «لدينا»!

في المفارقات أذى؛ لكن للذين يتذكّرون حجم الأذى الذي سبّبوه وكانوا صنّاعه ومسوّقيه!

إقرأ أيضا لـ "جعفر الجمري"

العدد 4037 - الأربعاء 25 سبتمبر 2013م الموافق 20 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:39 ص

      تحفيز الفكر ليفكر الناس بينما سبال طار الى القمر لكنه رجع سبال!

      إستفزاز الناس بعضهم لبعض كي يتهاوشوا مع بعضهم البعض – يعني تحريض. فلذا يقال بالتفكر في خلق الله من طيور وحيوانات وأشجار ومن البشر كما من البقر- الدواب الدابة على الأرض لما خلقوا ولما خلق الإنسان؟ قد لا يكون الفرق بين الإنسان والحيوان أن أحدها ينطق بدون منطق بينما يعيش ويأكل وينام وينجب – أي يتكاثر فقط ويمدمر الأرض. الأرض هنا كوكب – تربة وهواء نقي وشجر وزرع وماء وخضرة ووجه حسن. اليوم من زيادة التلوث قد يلاحظ البعض أنها إنعكست في أخلاق الناس وتعاملهم مع البيءة والطبيعة وحتى مع بعضهم البعض.

اقرأ ايضاً