العدد 4040 - السبت 28 سبتمبر 2013م الموافق 23 ذي القعدة 1434هـ

رسالة إلى الأمراض النفسية المختبئة

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

نعيش يومياً واقعاً يفوق الخيال بقسوته ولسنا نحن صناع تلك القسوة لكنها الحياة، لم اكن اتصور أن تكون التعليقات على المقالة السابقة بذلك الزخم على الانترنت! والتي هي لشكوى احدى الأمهات من اعتقادها بأن ابنتها قد تكون مصابة بمرضٍ نفسي، ما ادى الى مقاطعتها لأهلها، ومنع اطفالها من المدارس، وكانت التعليقات ساخنة وجيدة، وتمتعتُ بمشاركة القراء كثيراً، واشكرهم لتلك المشاركة!

وكلمني البعض تليفونياً يساندون الام الضحية في بلوتها بابنتها، ونصحها ببدء العلاج فوراً (ولو من باب التجربة) علها ترى الدنيا اكثر حلاوة وجمالاً حتى ولو على سبيل تبرئة ذمتها بألا تظلم اطفالها، أو أن تتأكد من انها سليمة 100 في المئة، وذكر احد الآباء مشكوراً وبحماسٍ ملحوظ ان ابنه البالغ ثلاثين عاماً كانت لديه المشكلة نفسها مع اطفاله وقد تعالج بدايةً في البحرين ثم الاردن وشفي تماماً، وناقشني آخرون عن تجارب مشابهة، وهم يحبذون سرعة العلاج وانقاذ دواخلنا من المرض النفسي الوحشي.

وما لا يدركه أو يراه المريض نفسه، قد يراه الآخرون من خلال التصرفات غير الطبيعية مثل الصراخ الهستيري دون مبرر أو الغضب والبكاء السريع والتكسير أو الزعل ولوم الآخرين على كل صغيرة وكبيرة وتوجيه اتهامات خاطئة لمجرد الشماتة من الآخر، والقسوة أو الانعزال وكره من كانوا يحبونهم واتهامهم بذنوبٍ لم يرتكبوها لتبرير كرههم لهم، عن المجتمع والخوف الزائد على الاطفال ومنعهم من ممارسة الأنشطة الحياتية لعدم ثقتهم بأحد وان الناس جميعهم سيئون ويريدون ايذاءه، الخ.

خاصةً اذا ما كان المريض على درجةٍ عالية من الذكاء، بحيث يكون كتوماً مثلاً أو خجولاً بأن يُبدي الغضب والصراخ للتعبير لعدم رضاه للاشياء التي لا يستوعبها اثناء التعاملات الانسانية، وبذلك يضع ضغوطاً عاطفية على الآخرين كي يتقبلوه كما هو وبأنه عصبيٌ مثلاً لحد الجنون، وبهذه الطريقة يلهيهم عن مرضه ويخيفهم ويبعدهم عنه ليغطي النقص أو المرض النفسي، إلى أن يهدأ ويتمكن من السيطرة على نفسه والتغطية على مرضه وقد يكون جاهلاً بمرضه في الكثير من الاحيان، وامثلة عديدة لا يسعني المجال لذكرها، واذا ما قارنا الأمراض العضوية والتي يتسارع فيها الناس للعلاج على عكس الامراض النفسية التي يتردد الكثيرين لزيارة الاطباء، وقد تكون لاسباب الجهل وانه ليس عضوياً ولا يرونه أو اعراضه، كالزكام ووجع الاسنان أو مغص البطن لدرء آثاره بالأدوية أو الجراحة وان ذكر المرض النفسي يرعب الكثيرين! أو ربما بسبب الخوف من التهمة بالجنون ونفور الناس من التعامل معه، أو لأنه مازال مفهومه غامضاً وعلاجه غير متداول بسهولة كالأمراض الاخرى وقلة العيادات، وعدم توافرها في المراكز الصحية، وأن العلاج المجاني مقتصر على المستشفى الوحيد في السلمانية (مستشفى الطب النفسي) حيث الاطباء والمساعدون للتحليل النفسي والأسرّة كما هي ولم يزدد عددها منذ اكثر من ثلاثين عاماً، ما لا يسعفهم الحال لعلاج الجميع وارجاع الكثير من المراجعين.

عدا الازدحام الشديد والمواعيد المتباعدة وتمطيط العلاج لسنواتٍ، بما يتسبب في خذلان المرضى، واما بتوقفهم عن اخذ العلاج أو فقدان الامل وانتكاس الحالات، اما العيادات الخاصة والتي هي ايضاً قليلة ومتناثرة على مساحة البحرين والكشوفات المرتفعة، والتي تتجاوز الثلاثين ديناراً للساعة الواحدة، ويصبح العلاج نوعاً من الرفاهية المستحيلة لذوي الدخل المتوسط والمحدود، وقد تكون بعض الامراض النفسية كالوباء احياناً في البلاد الواحدة اعتماداً على الظروف المشتركة التي يعيشونها، وكم رأينا من الرعب في المجتمعات الغربية حينما يهاجم معتوه تجمعاً مثل مدرسة أو بنك أو مول، ويقتل برشاشه العشرات، واباء وامهات يقتلون اطفالهم واحياناً ينتحرون بعدها، وجرائم الاغتصاب في كل مكان، ويتضح بعدها انها بسبب اضطراباتٍ وامراضٍ نفسية أو عقلية وقد تتشابه الامراض النفسية في القرى ومع الوضع السياسي المحتقن والمزعج الذي يعيشه الناس من رعب المداهمات الليلية للبيوت وتكسير الابواب ومسيلات الدموع التي توقظهم ليلاً ومن سجن افراد عوائلهم وفراق اعزائهم.

كل هذه الحوادث لا تورث الامراض النفسية فقط بل قد تنقلب احياناً الى نوعٍ من الجنون والانفلات الحضاري، ما قد ينعكس لإيذاء الآخرين ومثلما يحدث في الغرب.

وختاماً وللأمانة العلمية، كم من حاكمٍ ومتسلطٍ مجنون قام بقتلِ وتدمير شعبه بسبب لوثةٍ عقلية ربما كانت وراثية أو بسبب ظروف التربية ومثال المضطربين عقلياً من الرؤساء، هتلر الذي قتل ما يزيد على المليون ثم انتحر، لجنون عظمته أو صدام حسين ومعمر القذافي والذي أذلوا بعد كل جبروتهم وأُعدموا بعدما دمروا شعوباً وحضارةً انسانية رائعة، هؤلاء لو أن احداً تدارك امراضهم النفسية لانقذوا العالم من كل ذلك القتل والدمار علنا نتعظ ونساهم بضرورة توفير العلاج لكل من هو بحاجةٍ اليه من قِبَل الدولة وتطويره وان تتناسب والزيادة السكانية، وبذلك نحمي مجتمعاتنا من العنف والحالات الهستيرية لايذاء الآخرين المطمئنين ممن لا ذنب لهم.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4040 - السبت 28 سبتمبر 2013م الموافق 23 ذي القعدة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 3:12 م

      هتلر و صدام

      انتى ذكرتى هتلر\\ صدام حسين\\ا لقذافى و لكن نستيى تذكرين حافظ الاسد مجزرة الحماه و ابنه بشار الذى قتل خلال عامين اكثر من 120000 و مجزرة الغوطة الكيماوى راح ضحيتها 1430 خلال الساعات ظاهر ان حافظ الاسد كان مريض نفسيا و ورث نفس المرض لبشار و هو يحتاج الى العلاج ممكن انتى اتساعدينه واتخلاصينه من هذا المرض و يفتك شعب السورى من شره

    • زائر 9 | 12:14 م

      الايام دروس بين البشر ومواعظ

      الاطفال والرعايه الاوليه لكنهم يتغيرون حينما يكبرون وينسون كل ذلك الحب والحنان واذا لم يتعالجوا قد يضرون الاخرين وهم في سنوات الشباب لايعرفون انهم في الطابور وجاي لهم يوم ويكبرون واولادهم يتنكرون لهم مثل ما تنكروا لآهاليهم ومثل ماتُدين تُدان والله حِحكم

    • زائر 8 | 12:08 م

      الهي لايُبلى هذا القلم الانيق

      الزمان غير الزمان والناس تبدلت وركبها الغرور والاهالي المساكين اللي ربوا ضاعت حهودهم واللي رابوهم خذلوهم وابتعدوا عنهم لكن يجب الاهتمام بالطب النفسي كي يصبح المجتمع اكثر استقراراً واماناً دكتوره مشكوره على التحليل وازيدنا علماً من شواطئك الخصبه

    • زائر 7 | 12:03 م

      شكراً دكتوره على التوضيح

      ماذا نقول ونحن نعيش في بلادنا الحن النفسيه واحده تلو الاخرى ولايوجد دواء لهم فهم حتى لا يدركون ان لديهم اامراض مثل اللي حابسه اولادها ومقاطعه اهلها وين الوزاره تاخذها تعالجها وتحمي ابرياء من التشرد

    • زائر 6 | 8:24 ص

      حافظ اسد

      كثير منا يتذكر مجزرة حماة المدينة الجميلة الأثرية احاطها الجيش وقوة الدفاع والمدافع والطائرات قتل 10 الى 40 الف بين شاب وشيخ وطفل واسر فقدت الى اليوم لا يعرف مصيرهم فجنون القادة اثره مدمر وممتد للكثير من الماس وامراض ابنائنا قد تتعدى لأذية الاخرين ولكن بشكل محدود فهم يحتاجون لرعايتنا واهتمامنا ليس فقط لمطالبهم المادية فجلوسنا معهم وحديثنا هو علاج يعطيهم الحب والحنان والانسانيات

    • زائر 5 | 3:58 ص

      ضحايا الزعيم هتلر فاق عددهم السبعين مليون، اما سر تخلف مستشفى الطب النفسى فيكمن في ادارته..

      عندما كان يأمر هتلر قواته بتفيذ هجوم (برباروسا) كان واقعا تحت تأثيرmetamfetamine
      حقن طبيبه الخاص .........Theodor G. Morell........ ان الوضع فى المستشفى يتطلب ضبط جودة اسوة بالجامعات في البحرين، فالجينات والمورثات ليس هما فقط الأسباب انما يمكن ان نظيف العلاج والدواء لهما ايضا..نقترح ان تقوم الوزارة بأستفتاء يشارك فيه الأطباء ومن يتلقون العلاج وذويهم حتى نكتشف من اين ياتى الحزن في مستشفى الأمراض النفسية.....

    • زائر 3 | 2:02 ص

      شهادات وكراسي غير دراسية ويقولون مُلك!

      يقال ما توصل اليه العلم الحديث والمعاصر ليس كثير لكن ما توصل اليه العلم والعلماء قديما أكثر. اليوم الكثير من الناس يحملون شهادات كما أمراض أو مرضى في أنفسهم المريضة. مثل الحسد الطمع الجشع وحب الدنيا وحب الأولاد وحب المال..و .. ولا ننسى التجسس العكرة والبقرة والسوالف البطالية في الشاردة والواردة وتمس أعراض الناس وسمعتهم.. هنا كيف يتعامل جحا مع أمراض مستعصية تكاد تكون من المعاصي لا من معصية واحدة وإنما.. اليس كذلك؟

    • زائر 2 | 1:52 ص

      أمراض نفسيه مزمنة

      وما اكثرهم في مجتمعاتنا مرضى من نوع خاص ذو جاه ومال منتفشيين كالطواويس يغطون بها على عقد نفسية مترسبة في اعماقهم تنعكس على المحيطين بهم يثيرون سخريتهم ويتبادلون الرياء والنفاق

    • زائر 1 | 1:51 ص

      من اجمل المقالات

      لاحول ولاقوة الابالله رايحين تستجن من معاملات اولادنا معانا نرجو زيادة العيادات النفسيه. اوافق الدكتوره

اقرأ ايضاً