العدد 4049 - الإثنين 07 أكتوبر 2013م الموافق 02 ذي الحجة 1434هـ

غاندي... المعلّم... والسلام

سليم مصطفى بودبوس slim.boudabous [at] alwasatnews.com

-

تتزامن بعض التواريخ والمناسبات العالميّة فتبدو في الظّاهر متنافرة، ولكن بعد التّمحيص وتقليب النّظر فيها نجد بينها من الوشائج ما يقربّها إلى بعضها البعض، بشكل أو بآخر؛ فالثّاني من أكتوبر/ تشرين الأول من كل سنة يوافق، في الأيّام الدّولية والعالميّة التي أقرّتها الأمم المتحدة، اليوم الدوليّ للاّعنف، احتفاءً بميلاد المهاتما غاندي صاحب فلسفة اللاّعنف، والذي ولد يوم الثاني من أكتوبر 1869. يتزامن مع هذه الذكرى العالميّة موعد الخامس من أكتوبر من كلّ عام، والذي يوافق الاحتفال السنويّ بيوم المعلّم العالميّ. فإذا كان غاندي هو «المعلّم» فهل يصبح كل معلّم «غاندي»؟

غاندي هو ذلك السياسي الهندي، «المهاتما» أو «الروح العظيمة»، وأبو الأمة أو «البابو» كما يحلو للهنود تسميته، نحت تاريخ ميلاده في الذاكرة الإنسانية فأصبح يوم 2 أكتوبر من كل سنة عطلةً وطنيةً يحتفل بها الهنود، ويوماً دولياً للاّعنف. أسّس غاندي ما عرف في عالم السياسة بـ»المقاومة السلمية» أو «فلسفة اللاعنف» (الساتياغراها)، وهي مجموعة من المبادئ السامية تتلخّص في الشجاعة والحقيقة واللاّعنف، وهي تهدف آنذاك إلى إلحاق الهزيمة بالمحتلّ عن طريق الوعي الكامل والعميق بالخطر المحدق وتكوين قوّة قادرة على مواجهة هذا الخطر باللاّعنف. حقّاً إنّه زعيم «المقاومة السلميّة»، وعاشق الحقيقة، وصاحب مقولة «يتجاوز حبّي للاّعنف حبّي لأّيّ شيء آخر دنيوي، أو يتجاوز هذه الدنيا، لأنه يعادل حبّي للحقيقة التي هي بالنسبة إليّ رديفُ اللاّعنف الذي بوسعي عن طريقه فقط بلوغ الحقيقة».

أمّا المعلّم فمهما كتبوا فيه فلن يوفوه حقّه، ومهما تصاغر شأنه في نظر الجاهلين ومهما وصموه بنعوت دنيئة وقلّلوا من قيمته، فلن يستطيعوا تغيير صورته في الوجدان الإنسانيّ ولا في عقول العالمين والعارفين؛ فله يبقى فضل إخراجنا من الظلمات إلى النور وله، له وحده، الفضل كلّ الفضل، في بناء كيان الطفل حين يشمله برعايته وعنايته قصد تعليمه وتربيته وتدريبه وتأهيله للحياة كما يجب أن يكون. فالوزارات تخطّط وترسم السياسات وتوفر الإمكانيات المادية والبشرية والوسائل التعليمية من أجل إنجاح عمل المعلّم في المدارس، وبذلك يكون المعلّم مؤتمناً على الأجيال القادمة.

إنّ المعلّم مثلُه مثلُ غاندي؛ عاشق للحقيقة؛ والحقيقة هنا هي المتعلّم. نعم هي حقيقتنا المستقبليّة في هذا العالم الذي تطغى فيه اليوم لغة الدمار والعنف. إنّ أملنا معقودٌ في طفل المستقبل أن يعشق حقيقة نادت بها الديانات السماوية وردّدها غاندي، أن يتبنّى فلسفة اللاّعنف في معالجة الأمور. وهذه الفلسفة يتربّى عليها الطفل في المدارس حيث يشتبك مع الواقع المدرسيّ في الصفّ مع المعلّم والأصدقاء وفي ساحات المدرسة، وفي طابور المقصف وفي ملعب الرياضة، وفي حنفيات مياه الشرب وفي قاعة مصادر التعلم وفي المختبرات وغيرها من الفضاءات المدرسية التي تخلق بين المتعلمين نزوعاً إلى العدوان والاستقواء على بعضهم بعضاً، فيلتجئون إلى العنف اللفظي الذي قد يتجاوز مداه فيصير عنفاً جسدياً.

نعم السلام يُبنى في المدارس وعلى أيدي المعلمين والمعلمات، والسلام والتسامح والديمقراطية والتربية على المواطنة تترسّخ في سلوك طلابنا ولا نريدها مجرّد معارف تنتهي بانتهاء الدرس والامتحان يفرغها المتعلم في ورقة الامتحان لينصرف بعد ذلك إلى سلوك العنف وممارسات بعيدة كل البعد عن الحقيقة التي يجب أن نعشقها مع غاندي ألا وهي السلام والتعايش في هذا الإطار. قال المهاتما: «»إذا أردنا أن نعلِّم السلام الحقيقي في العالم وأن نشنَّ حرباً حقيقيةً على الحرب، علينا أن نبدأ بالأطفال»، وهو ما يستدعي بالضرورة توفير تعليم شامل من أجل السلام والنمو الذاتيّ.

ويبقى غاندي وتبقى معه القيم التي حملها وتبناها: اللاعنف والتسامح والسلام والحب والحرية وقبول جميع الناس مع اختلافاتهم ودياناتهم وطوائفهم... كذلك يبقى المعلّم نبراساً في ظلام الأمم. نعم، يبقى المعلّم عاشقاً للحقيقة يعلّم الطفل السلام والتعايش والمسامحة لأنها صفة الأقوياء، فالعالم اليوم ما عاد يتسع للكراهية والتباغض. إننا في العالم كما لو كنّا في قرية يطلّ كلّ منا على الآخر، فما بالك بأبناء الوطن الواحد: ما عادت تحتملنا الخصومات ولا عادت تتسع لنا الفتن والحروب الداخلية ولا الخارجية. نعم، نحن في حاجةٍ إلى قلب المعلّم كي يعلّمنا بصدق نبضه، الحبّ «فأينما يتواجد الحب... تتواجد الحياة» كما قال غاندي.

إنّ التعريف بتجارب إنسانية وشخصيات سعت إلى نبذ العنف والتأسيس لثقافة الحوار والمساواة من أجل بناء مجتمعات ديمقراطية وبلوغ الحقيقة، واجبٌ على المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية خصوصاً في ظلّ فورة الدمار العالمية الراهنة، وتجربة غاندي تجربة استثنائية لمناضل استثنائي على كل المدارس والمدرّسين أن يعرّفوا به وبموروثه الإنساني في إطار الانفتاح على التجارب العالميّة والاستفادة منها من أجل بناء مجتمعات ديمقراطيّة وبلوغ الحقيقة باعتبارها غاية الإنسان الأولى.

ويمكن أن يتحوّل هذا التزامن الاعتباطي بين ذكرى يوم المعلم واليوم العالمي للاّعنف إلى يوم واحد حتّى يتذكّر المعلم أن رسالته هي السلام وأنه «ليس هنالك طريق للسلام، بل أن السلام هو الطريق» على حدّ تعبير غاندي.

إقرأ أيضا لـ "سليم مصطفى بودبوس"

العدد 4049 - الإثنين 07 أكتوبر 2013م الموافق 02 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 6:16 ص

      غاندي

      غاندي قال عن الرسول صلى الله عليه وسلم (أن الرسول محمد يحتل بلا منازع قلوب ملايين الناس)

    • زائر 9 | 12:57 ص

      فإذا كان غاندي هو «المعلّم» فهل يصبح كل معلّم «غاندي»؟

      طبعا مستحيل

    • زائر 8 | 3:45 م

      شكرا: غاندي... المعلّم... والسلام

      مقال جميل

    • زائر 6 | 6:43 ص

      مبادئ سامية ولكن .............

      اللاعنف والتسامح والسلام والحب والحرية

    • زائر 5 | 3:31 ص

      هذه غاية المقال

      إنّ التعريف بتجارب إنسانية وشخصيات سعت إلى نبذ العنف والتأسيس لثقافة الحوار والمساواة من أجل بناء مجتمعات ديمقراطية وبلوغ الحقيقة، واجبٌ على المؤسسات التعليمية والثقافية والإعلامية خصوصاً في ظلّ فورة الدمار العالمية الراهنة، وتجربة غاندي تجربة استثنائية لمناضل استثنائي على كل المدارس والمدرّسين أن يعرّفوا به وبموروثه الإنساني في إطار الانفتاح على التجارب العالميّة والاستفادة منها من أجل بناء مجتمعات ديمقراطيّة وبلوغ الحقيقة باعتبارها غاية الإنسان الأولى.

    • زائر 4 | 1:40 ص

      الهند ومشاكل البحرين لا تحل ليش قال جحا؟

      من غير الأسرار أن مشكلة الهند لم تكن في الديانة لكن في عدد الطوائف فيها. بينما يقال إن الدين عن الله الإسلام كما لن يقبل أي دين غيره! لكن البعض يضن أو يشك في وجود ديانات أخرى منها من قال بالمسيح عيسى إبن مريم عليهما السلام بأن دينهم مسيحي نسبة للمسيح وهذا غير صحيح ولا سند أو برهان له.

    • زائر 3 | 1:31 ص

      من أين جاء السلام؟

      ليس بسر أن غادي تعلم من سيد الشهداء الإمام الحسين عليه وعلى آله أفضل الصلات والسلام. هنا في البحرين لا يقال أنه شعبها أو أهل من غير محبي آل البيت وبالتحديد الأسباط ومنهم الشهيد بأرض كربلاء. هنا سؤال لما تجمعوا أهل الأرض ومنهم من أم الدنيا على أهل البحرين؟

    • زائر 2 | 1:22 ص

      النبي المصطفي ( هو المعلم والسلام)

      لم يسبق نبينا محمد احدا هو المعلم وهو السلام بئذن الله علمنا وسوف نتبع هداه على مر السنين فلا غاندي او غيره مثلا لنا غير نبينا صلي الله عليه واله وسلم.

    • زائر 1 | 12:29 ص

      صدق غاندي

      ليس هنالك طريق للسلام، بل أن السلام هو الطريق»

اقرأ ايضاً