العدد 4073 - الخميس 31 أكتوبر 2013م الموافق 26 ذي الحجة 1434هـ

شرعيتان مطلوبتان في آنٍ واحد

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

لا يتعب الناشطون في الحياة السياسية العربية من وضع الأمة أمام خيارين، ومن الإصرار على أن تختار الأمة أحدهما. لقد ساهم هؤلاء في دفع الإنسان العربي نحو العيش في لعنة الثنائيات الأبدية.

على هذا الإنسان أن يختار بين الدّين والعلم، بين النَّقل والعقل، بين العروبة والإسلام، بين الوحدة العربية والقطرية المتزمّتة، بين القبلية والوطن. عليه أن يعيش مشدوداً إلى قطبين متعارضين لا يلتقيان ولا يتعايشان.

نتيجة كل ذلك كانت فوضى فكرية سياسية وصراعات مجتمعية لا تنتهي في ساحة إلا وتبدأ في ساحة أخرى.

اليوم في خضم سيرورة ثورات وحراكات الربيع العربي، يطرح البعض ثنائية جديدة تحت شعاري «الشرعية الثورية» و»الشرعية الانتخابية»، وعلى الأمة أن تختار أحدهما، وهذا طرح فيه الكثير من سوء الفهم الذي لا مبرّر له، إذ أن هناك حاجة ملحّةً للشرعيتين.

ذلك أن مجتمعات عاشت أشدَّ أنواع التخلف الحضاري عبر العديد من القرون، واستباح الاستعمار والاستبداد ثرواتها المادية والمعنوية بلا شفقة، وتواجه الآن الاستيطان الصهيوني في قلبها الجغرافي والمؤامرات الخارجية والداخلية لتفتيتها ولإذكاء الصراعات المذهبية والدينية والقبلية والعرقية في جميع أصقاعها، وتبتلع أنظمة الحكم الاستبدادية الفاسدة كل مكوّنات هذه المجتمعات لتبقيها ضعيفةً عاجزةً، وتصعد فيها بشكل مذهل وباسم الدين قوى تكفيرية عنفيَّة بالغة القسوة تجاه الأبرياء الغافلين من سكانها، ويتدخّل القاصي والدّاني في كل شأن داخلي من شئونها.

إنّ مجتمعات كهذه ستحتاج إلى شرعية نضالية شعبية سلمية ثورية في فكرها واستراتيجيات عملها، فالمشي كالسلحفاة لمواجهة كل تلك الأوضاع المفجعة لن يكون أكثر من علاجات جزئية مؤقّتة تتوجّه لتخفيف أعراض الأمراض وليس إلى اجتثاثها وشفائها.

إذن هناك حاجةٌ لتغييرات ثورية، بمعنى الحاجة لتغييرات جذرية في الكثير من مظاهر الحياة العربية الخاطئة والمتخلفة. وبالتالي فأي حديث عن التوجه العربي نحو المستقبل خارج إطار مثل هكذا شرعية تغييرية جذرية، أي ثورية، سيكون مسرحية أطفال لاعبين، لا ملحمة أبطال محاربين.

لكن هل يعني تبنّي تلك الشرعية رفضاً للشرعية الأخرى، «الانتخابية»؟ لو تّمت حماقة الرّفض تلك فإنّ أحد أهم أهداف ثورات وحراكات الربيع العربي سُيتخلَّى عنها، بل سيضاف إلى ذلك تخلٍّ عن وسيلة مفصلية من وسائل النضال الثوري.

نعم، لقد لاقت وسيلة الشرعية الانتخابية شتّى أنواع التشويه والاستغلال العبثي من قبل بعض القوى الرجعية والعسكرية العربية. نعم، هناك نقاط ضعف وعلل في ممارسات هذه الوسيلة حتى في البلدان التي تدّعي بأنها معاقل وحاضنات الديمقراطية. لكن، على الرغم من كل ذلك، أثبتت البرلمانات عبر عدة قرون من تاريخها الحديث بأنها كانت ساحات لتغييرات كبرى في الكثير من المجتمعات. ثم إنّ تحسين أدائها وإبعادها عن الإغواء يمكن أن يكون أحد الأهداف الثورية.

إذن نحن أمام خيار واحد وليس أمام خيار فيما بين ثنائيتين. المظلة الكبرى هي الثورية التي لن تتوقف حتى تنقل مجتمعات أمة العرب من وضعها الحضاري البائس إلى وضع تحقًق مشروع الأمة النهضوي في الوحدة والاستقلال والتنمية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية والتجديد الحضاري. لكن أحد أهدافها ووسيلتها في آن واحد، هو نظام برلماني ديمقراطي فاعل كامل الصلاحيات ومستقل الإرادة، ومدافع في الوقت ذاته ودائماً عن أهداف الشرعية الثورية التغييرية الجذرية.

إنّ أية مقابلة بين الشَرعيتين ستخلق البلبلة والشكوك كما فعلت أخوات لها من قبل في شتّى ساحات الأرض العربية. والمطلوب الآن، وفي المستقبل القريب هو إغناء وتعميق وتوضيح مفهومي الشرعية الثورية والشرعية الانتخابية، لإبعاد أولاهما عن جنون العنف وسفك الدماء العبثي الفاشي المبتذل، ولإبعاد ثانيتهما عن الوقوع في أيدي من يخطّطون لثورات مضادة، أو في أيدي من يحاولون بانتهازيةٍ، أكل صيد قام به وضحَّى من أجله غيرهم.

هذه ليست مهمةً أكاديميةً لمفكّري وكتّاب وإعلاميّي وقادة المجتمع المدني السياسي العرب. إنها مهمّة نضالية وفكرية يومية لإبعاد ملايين الربيع العربي عن من يحاولون ليل نهار إدخالهم في صراعات الولاءات الفرعية، ليبعدوهم عن الولاء الثوري الديمقراطي للوطن، وليس غير الوطن.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4073 - الخميس 31 أكتوبر 2013م الموافق 26 ذي الحجة 1434هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:06 ص

      تغيير المعادلة بيد الشباب

      لقوى التي تملك المال والمصالح والبترول لن تسمح بتغيير المعادلة في البلدان العربية وهو ما يزيد من الاعباء على الشباب العربي الذي قطع نصف الطريق للتحرر م الدكتاتورية حتى الان.

اقرأ ايضاً