العدد 4082 - السبت 09 نوفمبر 2013م الموافق 05 محرم 1435هـ

لا تحرموا الأطفال من دخول «دار الحكمة» !

فاضل حبيب comments [at] alwasatnews.com

.

تدريس الفلسفة للأطفال: الصعوبات والرهانات»، هذا هو عنوان الدراسة العلمية الحديثة للباحث الأكاديمي المغربي إسماعيل علوي، الذي يعتبر موضوع تدريس الفلسفة للأطفال مثيراً للدهشة والاستغراب؛ لأنه يرتبط بسنّ الطفل وقدراته الذهنية لجعله ينخرط في الفعل الفلسفي والتفكير الحر والناقد؛ وأنّ بإمكان الطفل تعلّم التَّفلسُف، أي فعل التفكير وفن طرح الأسئلة الذي يظهر عند الطفل منذ سنّ الرابعة كالسؤال عن الحياة والموت والحمل والولادة والحب والكراهية والصداقة والسعادة والحزن والصدق والكذب والحقيقة والخيال وما إلى ذلك.

بل وحتى الأسئلة المعمّقة ذات الصلة بموضوعات وجودية أو جنسية قد يعتبرها البعض محرجة، مثل: أين يوجد الله؟ أو عندما تسأل البنت أمها: لِمَ لا يوجد لدىَّ هذا الشيء (القضيب) مثل أخي؟ ولماذا تنامين يا أمي مع أبي في غرفة واحدة؟ وغير ذلك من الأسئلة التي عادةً ما يتمّ الإجابة عنها عن طريق الحوار، هذا الأسلوب القائم على المساواة والحق في المعرفة والتعليم والذي كان يمارسه الفيلسوف اليوناني سقراط.

وبإمكان المعلّم ـ حسب علوي ـ أن يبدأ المعلّم حصته الدراسية بقوله: «في هذا اليوم، سنفكر جميعاً في موضوع...»، ويبدأ بطرح بعض الأسئلة من قبيل: ماذا تعتقد في ...؟ ما رأيك في ...؟ بالنسبة لك، ماذا يعني ...؟

في العام 2005، اعتمد المؤتمر العام لمنظمة اليونسكو يوم الخامس عشر من نوفمبر/ تشرين الثاني يوماً عالمياً للفلسفة، وفي كلمتها بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة العام الماضي 2012، أشارت المديرة العامة لليونسكو إيرينا يوكوفا (التي أُعيد انتخابها الشهر الماضي للمنصب ذاته) إلى «أن ممارسة الفلسفة نشاط ديناميكي يعود بالنفع على المجتمع بأسره، فهي تساعد على مدّ الجسور بين الشعوب والثقافات».

كلام بوكوفا عن ديناميكية الفلسفة وضرورة تمثّلها، يذكرنا بمقولة مشهورة للفيلسوف الألماني كانْطْ: «لا يمكن أن نتعلّم الفلسفة، بل يمكننا أن نتعلّم التَّفلسُف».

ومن يطّلع على البيان الصادر عن اليونسكو بمناسبة اليوم العالمي للفلسفة 2012، يجد بأنه يدعو إلى من وصفهم بالشركاء ـ من حكومات وطنية ومؤسسات ومنظمات عامة تابعة لها كاللجان الوطنية لليونسكو والمنظمات غير الحكومية والرابطات والجامعات والمعاهد والمدارس وشبكات برنامج توأمة الجامعات، والكراسي الجامعية لليونسكو، والمدارس المنتسبة وأندية اليونسكو المعنية وغيرها من الجهات المهتمة بالفلسفة وبالفكر الحرّ والمستنير، إلى القيام بمسئولياتهم في تنظيم الأنشطة المتعلقة بهذا اليوم العالمي، مثل الحوارات الفلسفية والنقاشات والمؤتمرات وحلقات العمل والفعاليات الثقافية والعروض المختلفة، وذلك بمشاركة فلاسفة وعلماء من جميع التخصّصات المتصلة بالعلوم الطبيعية والاجتماعية ومربين ومعلمين وطلبة وصحافيين وغيرهم من ممثلي وسائل الإعلام والجمهور العام.

كما نقرأ في أدبيات اليونسكو عن العلاقة التاريخية الوثيقة بين التربية والفلسفة، رغم الاختلاف حول المرحلة العمرية المناسبة لتعليم الفلسفة، والاكتفاء بتعليم مادة الفلسفة لطلبة المرحلة الثانوية والجامعية، إلى مطلع الخمسينيات من القرن العشرين، عندما جاء ماثيو ليبمان (Matthew Lipman) وهو فيلسوف أميركي معاصر، وانتقد الممارسات التربوية والتعليمية التي تختزل تدريس الفلسفة في المرحلتين الثانوية والجامعية، كما لاحظ أن فكر الطلبة يكون قد تشكّل نهائياً مع دخولهم الجامعة ولا جدوى حينئذ من تعديله أو تطويره، داعياً إلى تدريس الفلسفة للأطفال لتعويدهم وهم تلاميذ صغار على التفكير النقدي الحُرِّ والمستقل.

ويقوم منهج ليبمان على أساليب تعليمية مناسبة يتم اختيارها ميدانياً، وتصلح أن تطبَّق من قبل جميع المدرسين، وهذا المنهج يرتكز على تنمية ثقافة السؤال في المدرسة اعتماداً على أسئلة الأطفال أنفسهم، واقتراح موضوعات سردية (قصصية) تيسِّر على الأطفال التماهي مع شخوص هذه الموضوعات، بحيث تحمل في طياتها مضموناً أنثروبولوجياً قوياً، وخلق أجواء داخل الفصول الدراسية تتيح للتلاميذ الصغار الكلام والحوار والمناقشة حول المسائل الإنسانية والرغبة في التجديد الديمقراطي، والتوجّه نحو تضمين المعاهدات ذات العلاقة بحقوق الإنسان، وبالخصوص حقوق الطفل في الفضاء المدرسي، وتنشئتهم وتربيتهم على قيم المواطنة والحوار والديمقراطية واحترام التنوع الثقافي وتجنّب العنف للتعبير عن الرأي.

لاقت دعوة ليبمان صدىً كبيراً وواسعاً، لدرجة أن بادرت اليونسكو بإجراء أبحاث للتعرّف إلى الدول التي تتبنَّى هذه الفكرة، وتبيَّن لها أن عدد هذه الدول آخذ في التنامي مع توجهها نحو التقدم والدولة المدنية الحديثة، كالولايات المتحدة الأميركية التي بدأت بالفعل تنفيذ هذه التجربة، إلى جانب كندا ودول غربية أخرى، مثل فرنسا وألمانيا والنرويج وبلجيكا والنمسا وأسبانيا، بالإضافة إلى دول أخرى مثل اليابان والأرجنتين والبرازيل وتشيلي وكولومبيا والمكسيك وغواتيمالا وباراغواي ونيكاراغوا، دعماً لمشروع تعليم الفلسفة للصغار، وغياب هذا التوجّه في الدول الأفريقية والعربية التي تعاني من الاستبداد السياسي جرّاء القيود التي تفرضها الحكومات على الأنظمة التعليمية وتوجيهها حسب مصالحها الضيّقة.

مثل هذه الدعوة الصادرة عن اليونسكو لابد أن تأخذ مداها في مجتمعنا البحريني، وأكثر ما شدَّ انتباهي ما ذكره الكاتب حسن مدن في مقال له بعنوان: «لماذا نخشى الفلسفة»؟، نقلاً عن أحد المثقفين التونسيين بأن تراجع أنظمة التعليم في السنوات الأخيرة من عهد زين العابدين بن علي أدى إلى ضعف التنشئة العقلانية للناشئة، ولذلك نمت اتجاهات التطرُّف والتعصُّب التي استحوذت على أذهان قطاعات واسعة من الشباب، خصوصاً أمام واقع التضييق على الحريات السياسية، وإن إهمال تدريس مادة الفلسفة يمكن أن يُوصف بـ «الفساد المعرفي»!

إقرأ أيضا لـ "فاضل حبيب"

العدد 4082 - السبت 09 نوفمبر 2013م الموافق 05 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 7:16 م

      هل يمكن الحصول على نسخة من البرنامج

      نلاحظ ان هناك نقص بالمعلومات عن هذه البرنامج وكسفة استجداهة وهل استخدم في البلدان العربية او اجريت دراسات عنه. هل من الممكن الحصول على نسخة من البارنامج باللغة الانكليزية أو العربية او الفرنسة؟؟؟؟؟؟

اقرأ ايضاً