العدد 4089 - السبت 16 نوفمبر 2013م الموافق 12 محرم 1435هـ

البيوت الزجاجية الباردة والانفصال العاطفي

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

كلَّمني أحد الزملاء من الأطباء النفسيين يشكرني لجرأتي على خوض هذا الباب من المشاكل الاجتماعية في الحلقات السابقة، وعرضها على الملأ.

وذَكر لي أن البعض من مرضاه يشعرون وكأنني أُمثلهم في الكتابة عن مشاكلهم، وفي طريقة تحليلها للتوصل إلى الحلول المناسبة والمساهمة في أن يستفيد الآخرين من تجاربهم، وعدم الوقوع في نفس الأخطاء.

كما طلب مني بعض قرائي الأعزاء الكتابة عن هذه الزوايا، والتي لا يتطرق لها الكثيرون لمحاولة حلحلتها وربما حلها، والتي قد يعتبرها البعض مشاكل يُمنع التصريح أو الجهر بها، واعتبارها نوعاً من المحظورات أو المحرمات.

وسأتناول في هذه الحلقة إحدى المشاكل التي سمعتها ولمستها، والتي قد يعتبرها البعض من الأشياء الممنوع التصريح بها، واعتبارها نوعاً من المحظورات...

هي بيوتٌ ككل البيوت، من جدران وأبواب، ولكن البرود العاطفي يغلفها. وقد احتل البرود المكان الأوسع ما بين الأزواج، وعلى عكس حرارة الجو الشديدة خارجها.

وسببها أن بعض المتزوجين، والذين مضى على زواجهم عدة سنوات، قد تقاعدوا عن انتماءاتهم الزوجية العاطفية، وأصبحوا يتعاملون مع هذه المؤسسة بشكلٍ روتيني كآباء وأزواج، وكأنهم موظفين بشركةٍ أو حكومة.

وقد يؤدون واجباتهم المادية على أحسن ما يكون، ولكنهم في واقع الحال ليسوا سعداء أو منسجمين مع الطرف الآخر؛ ولذا لا يمكنهم إسعاد من حولهم.

والغريب في الأمر أنهم قد يقضون حياتهم كلها بهذه الطريقة، ولا يحاولون تغيير أو تجديد الحب القديم وبث الحياة فيه من جديد.

لا لشيء إلا للكسل وعدم المحاولة أو وضع أي مجهود لمعرفة الخلل في سبب ما حدث، أو التنازل عن بعض الأخطاء التي قد تحدث مع طول العِشرة.

وقد تتطور الأمور وتصل مع الزوجة إلى طريقٍ مسدود ملؤها الألم والملل من نمطية الحياة، وقد يتم الزعل بينهم والقطيعة لدرجة أن ينام كل واحد منهما في غرفةٍ منفصلة، وتنقطع خطوط الاتصال اليومية، ومع ذلك هما صامدان فيما هما فيه.

وتنتهي العلاقة، ويكبر الأبناء وهم يعيشون بين والدين لا يطيق أحدهما الآخر، ويمثلان دور الأزواج والآباء.

ويزداد بروده هذه العلاقة، ومع ذلك لا يفكران في إيجاد مخرجٍ لتغيير نمطية الحياة أو العيش بطريقة أكثر شغفاً وشوقاً وحُباً.

وقد يكون أحد الأسباب هو خوفهم من المجتمع وكلام الناس، والمواجهة أكثر من خوفهم على أنفسهم وسعادتهم، ويصبح ما سيقوله الناس همهم الأكبر، وبذا يستمروا في المؤسسة الزوجية رغم أنهم غيرُ سعداء، غير مدركين مدى الضرر الواقع عليهم وعلى الأطفال بالاستمرار في ذلك النوع من العلاقة، مستمرين بالعيش النكدي، مع المشاكل والتذمر على مدار الساعة.

والغريب أنهم بالرغم من كل تلك الاختلافات والظروف البيتية المؤلمة التي تلفهم في تلك البيوت الباردة والمُغلقة وانتهاء صلاحيتها يبقون بنفس العناد على الاستمرار، وعلى تسيير سفينة الحياة في طريقها المعوج، وقد يتحول المنزل العائلي إلى فندق أو نُزلٍ للأكل والراحة الجسدية والمنام فقط.

وأضحوا يبحثون عن الفرح والسعادة بعيداً عن بيوتهم، وبين «الرَبع» والأصدقاء، أو في السفرات على مدار العام، وبحججٍ مختلفة من المؤتمرات، إلى «البيزنيس»... إلخ، أو أن تكون هنالك علاقة زوجة ثانية في الخفاء.

هذا بالنسبة للرجال طبعاً، حيث تتلاشى الحياة العائلية تدريجياً بما فيها اهتماماتهم بما يدور في أرجائها من ضجيج الأبناء والبنات.

وقد ينسون أطفالهم في خضم الاختلافات والقطيعة، وأنهم قد كبروا وأصبحوا في سنوات المراهقة، وقد يحتاجون إلى المزيد من الاهتمام والرعاية قبل أن يسطوا عليهم أصدقاء السوء، أو أنهم على وشك الارتباط والزواج.

وقد تكون الأم بحكم نشأتها اجتماعياً أكثر التزاماً بسبب أمومتها الطاغية وحنانها أولاً، وعدم قدرتها أو تمتعها بنفس قدرات الرجل في حرية الحركة أو الزواج بآخر بالخفاء كما يفعله هو.

هذا بالرغم أنه يوجد بعض النساء ممن لا يحتملن انشغال الزوج ومقاطعته لهن، فيبدأن في رسم حياتهن كما تروق لهن، ويتغيبن عن المنزل وترك الأمر للشغَّالة، وترك الحبل على الغارب في محاولة للحصول على الحنان من جهاتٍ أخرى.

وتريْنَ أنهن من حقهن أيضاً العيش بطريقةٍ أفضل قبل أن تفوتهن الفرصة في الحياة، وتحاولن أن تمتِّعن أنفسهن أيضاً بالحب والحنان، أو الانشغال بالعمل في الخارج لنسيان معاناتهن مثل ما يفعله «سي السيد».

ويضيع الأبناء في الحياة مع عناد الطرفين وبحثهما عن السعادة، وقد يدخلا بعدها في متاهاتٍ مع الأبناء لا أول لها ولا آخر بسبب كل ذلك التسيّب والعيش في البيوت الاصطناعية والباردة، وخوف الإثنين من المواجهة سواء بالالتزام إما بتعديل المسار أو الاتفاق على الانفصال، بسبب الخوف من مواجهة المجتمع وكلام الناس، خاصةً إذا كانا من الأُسر المعروفة، أو أن يكون أحد الطرفين من المشاهير؛ مما قد يؤثر على سمعته، ويقلل من احترام المجتمع له، أو يؤثر على سمعة الأبناء.

وقد تتفاقم المشكلة إن كان ذلك الزواج عن حُبٍ وتعلُّق، أو لعدم رضا الأهل على ذلك الزواج حينها.

ويقع الاثنان في فخ مأزق الكرامة، وفي القلق من شماتة العذَّال والحاسدين.

إنني أعرض هذه المشكلة، ولا يوجد لديَّ الحلول القاطعة لها، إلا بأن يتنازل الطرفان ويجلسان معاً لرؤية الحلول التي تناسبهما، ويستحسن أن تكون في بداياتها للوصول إلى ما ينقذهما وأطفالهما من تعقيدات الحياة المبهمة والمعقدة، بحيث يوفران الحماية للجميع، ويتحتم تقديم مصالحهما الشخصية قبل الاعتبارات الاجتماعية، والتي قد تكبلهما وتمنعهما من العيش السوي وإنشاد الفرح والسعادة التي يتمناها كل البشر في هذه الحياة.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4089 - السبت 16 نوفمبر 2013م الموافق 12 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 18 | 4:33 م

      الحياه تغيرت

      انا معاك بالبرود المنتشر يمكن الانترنت شغلنا وجنن عقول اولادنا او يمكن اناس شافت واختارت رفقه بدون شروط او بشروطهم هم مع بعضهم البعض رجاءً تكتبي اكثر ترا كلام السلس السهل هذا مطلوب ومريحة وشكراً

    • زائر 17 | 3:55 م

      البرووووود ! وم الحل ؟؟؟؟

      يشعر الكثير منا بالبرود في العلاقات مع والديه ، وزوجته ، وإخوانه وأخواته ، لكن لماذا ؟ لا ادري . تحسبهم جميعا وقلوبهم شتى .

    • زائر 16 | 2:36 م

      الانزلاق سهل

      الله يساعدنا في تعقيدات الحياة والامومه اللي بدون رجال والله كلمج كله ينطبق ععلى حياتي وزوجي خارجًالمنزل وانا في وجه المدفع واعتقد عنده صديقه او زوجه الله يستر وانا احيانً اتمنى لو كان عندي احد عشان احصل شوية حنان او حب او احرگ روحي فيالشغل واشك تحليلك الرائع

    • زائر 15 | 1:25 م

      اعلينا لوم الزمان

      لو ان الزمان ينصفنا ويزيل عنصر الملل والواجبات لكنا جميعاً اكثر سعاده وفرحاً

    • زائر 14 | 1:21 م

      الكلمه الحلوه سعاده

      ان الكلمه الحلوه تحيي الحياه والجميع عليهم اعتبارها المدخل لكل الاشياء الحلوه الاهتمام بالعائله واحب وهو الذي يذهب الحب لان الواجب غير مرغوبٍ فيه وهاي المشكله الكبرى ،،! فمن لايحب الواجب عليه ان لا يتزوج لان كل الطرق تؤدي الى الملل مهما طالت او قصرت العلاقه فعلينا التعرف على انفسنا قبل ان نكوم زوجه وعيال ومسؤلييات وفشل

    • زائر 13 | 10:08 ص

      هذه حقيقه

      حقيقة بيوتنا نعم معظم من نعرفهم هم هكذا بيوتٌ بارده وبل مثلجه والسفينه قد تسير لوحدها او مع الخدم وفيها ملل الدنيا كاه هذه مؤسست الزواج الفاشله والحل صعب والتضحياتكبيره والعيال مهما تعمل مايستاهلون لانهم يتركونك ويقولون كان واجبكوسواء اهتميت او لاء هي كده الدنيا غلط وربنا يستر وكريمو

    • زائر 12 | 9:59 ص

      الحياة قصيره

      كلام جميل وكل الاشياء الحلوه ناقصه وهكذا نحن البشر ناقصون ولا نتعض او نرى مابايدينا الا بعد فوات الاوان شكراً لتنبيهنا

    • زائر 11 | 7:40 ص

      كلام في الصميم

      رائعه في اختيار مواضيع الساعه الله يزيد من الهامك ونتمتع بقلمك الفني الجميل

    • زائر 10 | 7:24 ص

      الدنيا مزالق

      اعجبني الكلام ونحن نتكلم مع الاصدقاء نرى كل ماتقوله صح ولكن عاداتنا يصعب تغيرها ونتزوج ونحن لا نستحق ان نكون ازواج او آباء وندخل مقلب ومطبات ونخرب الدنيا ونعفسها الله يساعد نسوانا والله هم الخير والبركه واحنا اللي نضيع البيوت نحتاج دوروس في المدرسه عشان نعرف اشلون نكون اهل للثقة ومشكوره يالبدره

    • زائر 9 | 7:19 ص

      فرص ولوعه

      اعجبتني التعليقات وهى تعبر عن لوعة في الداخل ونيران كثيره يصعب علاجها مع اهمال اوضاعنا فنحن نعيش ولا ندرك ان الحيات مليانه مطبات ومافيش اصعب من مطب الزواج والله

    • زائر 8 | 12:22 ص

      البيوت البارده

      خطاب جميل وكلام متعوب عليه وربما من خلال التجارب التي رأتها الكاتبه وهو شيء طبيعي والعالم نليء بها ولكنها تزيد هنا من الخوف من العادات والتقاليد المجبورين بيها لنا التر والله يساعدنا ونشكرك على الجرأه في التعبير وحلحلة الكلام الذي في الفم

    • زائر 7 | 12:17 ص

      السعاده قصيره جداً

      كل شيئ جميل سرعان مايتغير وتتضح الصوره مع صراعات الحياة المؤجله وننبهر بها في البدايه ولكن سرعان مانكتشف انها اكبر كذبه وندم على الزواج والابناء وكلها كالمخدرات ننتقل فيها محاولين ان نهداء ولكن احياة لا تعطينا ذلك كتابه سلسه ومريحه حقاً

    • زائر 6 | 12:08 ص

      مشاكل المال تعمي الحب

      كانت تحبني واحبها ولكن بعد مجيىء الاطفال تغيرت حياتنا واصبحنا نتهاوش كثيرا بسبب طلباتهم وانا امكانياتي محدوده راحت تشتغل وضاع البيت وانا والاولاد اتغربلنا واشلون نحل هاي المشكله موعارفين وينهم الاخصائين ومنوين نجيب لهم الفلوس يبدو انه راح تنضيع والله كريم شكرا للتركيز حتى نشوف مشاكلنا على الاقل

    • زائر 5 | 12:03 ص

      صعوبة الحيات

      الحيات احياناً تضعنا في متاهاتٍ لانعرف ان نتصرف فيها كيفية التوازن ويضيح الحب والموده بين لهاث الجري وراء المسؤليات وتتكوم المشاكل وتضيع اسس حياتنا وينهر البيت صعبه صعبه ان نحقق مانريد خاصه اذا كان الآخر لايتجاوب كفايه احسنتِ الكتابه والتحليل دكتورتنا العزيزه

    • زائر 4 | 11:57 م

      صغر المجتمع بلوه

      هذه البيوت تنتشر بكثره في البحرين نتيجةً لصغر المجتمع وتلاصق الناس يصعب الاختيار بين الفشيله في الانفصال او البقاء وبين نارين سلمت يداك

    • زائر 3 | 11:50 م

      البيوت بارده خاليه من الحب خير من بيوت ساخنه مليئة بالكره

      اسأل الله العون والستر والمغفره

    • زائر 2 | 11:37 م

      جميل

      طرح جميل جداا
      1-ربما مشاهدة الافلام الرومنسية سوف يعطي نوعا من الروح الجديدة
      ونرجو جميع من يجرب أن يعطينا النتيجة

    • زائر 1 | 11:21 م

      أهمية الحياة فى إستمرارها

      كل فرد مسئول ليفعل كل ما يتمكن لإستمرار الحياة على هذه الكرة، حيث كل فرد زائل. مع الأسف الكل و فى كل العالم نسى هذا الدور و غدى وسيلة تدور لكى تنتج المال. لم يقف الفرد ليسأل ثم ماذا؟ يدرس و يتدرب لتعلم مهنة دون أن يتعلم المهنة الأصلية التى خلق من أجلها. المهم : كيف يكون أو تكون زوج و زوجة؟ كيف يكونوا أبا و إما؟ لذلك كل المشاكل و الأزمات تنتقل من جيل الى آخر دون تغيير. بقدر ما يفكرون و يخططون لمراسيم الزواج لا يفكرون بما سيحصل بعد إنتهاء الإحتفال و مغادرة الضيوف.

اقرأ ايضاً