العدد 4094 - الخميس 21 نوفمبر 2013م الموافق 17 محرم 1435هـ

ليس تطرفاً دينياً فقط... إنه أعم

علي محمد فخرو comments [at] alwasatnews.com

مفكر بحريني

دعا مؤخراً مركز الإمارات للبحوث والدراسات الاستراتيجية مجموعة من المثقَّفين العرب لمناقشة سبل مناهضة ظاهرة التطرف الديني في المجتمعات العربية. من بين النقاط المتعلقة بالموضوع، والتي تستحق الإبراز والمناقشة، النقاط التالية...

الأولى تتعلق بالسؤال التالي: هل أن ظاهرة التطرف في المجتمعات العربية تقتصر على المجال الديني أم أنها ظاهرة عامة متجذّرة في ثقافة المجتمع ومتجلية في تاريخه؟

بادئ ذي بدئ فإن علماء الاجتماع يختلفون حول أسباب هذه الظاهرة المركَّبة. فعند الفرد قد تعبّر هذه الظاهرة عن مرض نفسي أو حتى عقلي، وعند الجماعات هي في الغالب عبارة عن ردّ فعل عاطفي طاغٍ، بسب ماضٍ مليء بالظلم أو الاستغلال أو امتهان الكرامة. وأحياناً يكون التطرف أداةً في معارك القوة والسيطرة السياسية والاقتصادية والثقافية.

وهو ظاهرة تبدأ بالتعصّب الأعمى لتصبح بعد ذلك تطرفاً في القول والفعل، ولتنتهي بممارسة العنف أو الإرهاب.

ما يهمنا إبرازه هو أن التعصب للأفكار والمعتقدات والعادات قد قاد مجتمعاتنا في النهاية، وفي كثير من الأحيان، إلى توليد تجليات وممارسة العنف، لا في الدين فقط وإنّما في شتّى مناحي الحياة.

دعنا نأخذ مساحة محدّدة في تركيبة المجتمع، مساحة العائلة العربية، وندرس ظاهرة العنف فيها. ألا تصرّ الكثير من الأمهات ويصرّ الكثير من الآباء على كسر شوكة الكرامة في أطفالهم من خلال الصراخ الهستيري، وإصدار الأوامر التي لا تقبل النقاش، واستعمال قوة يد البطش ضد أطفال صغار ضعاف الجسد لا حول لهم ولا قوة للدفاع عن أنفسهم؟ ألا يستهزئ هؤلاء بفكرة العلاقات الديمقراطية، من أخذٍ وعطاء وتسامح وحلول وسطية، فيما بين الوالدين وأولادهم وبناتهم، ويعتبرون ذلك تدليعاً لا محلّ له؟

في العائلة العربية تنتشر ظاهرة العنف اللفظي المبتذل عند الأم وظاهرة العنف الجسدي عند الأب، ويتبارى بعض الآباء والأمهات فيمن يبزّ الآخر في «التربية» و»الانضباط» وانتزاع الاحترام الكاذب، من خلال المبالغة في استعمال شتّى أنواع العنف الجسدي واللفظي والنفسي القائم على الطاعة العمياء وعلاقات الزبونية والرشوة.

وأسوأ ما في كل ذلك أن العنف يمارس باسم الدين، وباقتطاع انتقائي لكلمات من الوحي الإلهي وأقوال الأنبياء، وتغليف ذلك بإعلاء شأن بعض العادات القبلية السلبية أو بعض الممارسات التسلطية التي عفى عليها الزمن وأصبحت خارج العصر وعلومه وأنظمته الحقوقية، وذلك من أجل عرض وتسويق بضاعة العنف كنظام تربية وتقويم.

ولا يسع المجال هنا لتفصيل عنف الأزواج ضد الزوجات، جسدياً وعاطفياً وجنسياً باسم الرجولة أو العنف ضدّ الخدم الفقراء المغلوبين على أمرهم باسم ضبط أمور البيت، أو عنف الإخوان ضد أخواتهم باسم الذكورة. كما لا يسع المجال لذكر عنف المعلّم ضد التلميذ، وعنف المدير ضد المعلّم، وعنف كل صاحب سلطة أو وجاهة أو مال في المجتمع ضد من دونهم في الرّزق أو في القدرة أو في امتلاك وسائل الحماية. ولا يحتاج الإنسان للتذكير بظاهرة العنف المعنوي واللفظي التي تمتلئ بها في أيامنا ساحات الإعلام بشتّى أنواعها.

نحن إذن أمام مكوّنات مجتمع تمارس الانغلاق على الذات والتعصّب، ثم تتبعه بالتطرف غير العقلاني، لتنتهي بممارسة العنف. من هنا فإن التطرف الديني هو جزء من ظاهرة ثقافية أعم وأشمل.

النقطة الثانية تتعلق بالوسائل المتاحة لمناهضة التطرف. لقد توجّه العديد من الحاضرين إلى مؤسسات التعليم والإعلام والمجتمع المدني والدّين يناشدونها القيام بأنشطة لمناهضة التطرف الديني، لكنَّنا ننسى أن جميع تلك المؤسسات، بما فيها كثير من مؤسسات المجتمع المدني، قد وُلدت من رحم الدولة العربية التي تميّزت أكثر سلطات الحكم فيها بممارسة أشكال لا حصر لها من أنواع العنف المعنوي والمادي. وهو عنفٌ لا تضبطه الدساتير ولا القوانين ولا الاتفاقيات الدولية في غياب الرقابة والمحاسبة الديمقراطية.

وإذاً فما لم يجرِ تغييرٌ جذري في تركيبة ووسائل عمل سلطات الدولة العربية فإنها لن تكون متحمّسة ولا جادّةً ولا كفوءةً في استنهاض مؤسساتها لمناهضة ظاهرة هي تؤمن بها وتفعّلها يومياً.

إن دولةً تبتلع مجتمعاتها في جوفها، وتقمع مكوّنات تلك المجتمعات في عوالم السياسة والاقتصاد والثقافة، وتقوم علاقتها مع قوى تلك المجتمعات من خلال الخوف المتبادل والتطاحن الذي لا يهدأ... إن مثل هذه الدولة ليست مهيّأةً لإعطاء الدروس في التسامح والأخذ والعطاء والتعايش مع الآخرين المختلفين معها في الرأي والتوجُّهات.

قلب هذه المشكلة وغيرها سيظلَّ في الدولة العربية أو التي وصفها عالم الاجتماع حليم بركات في كتابه «المجتمع العربي المعاصر» بأنها «كانت دائماً تمثل مصالح عائلات وقبائل وجماعات على حساب غيرها وعلى حساب الأمة، وما القول أنها تمثل المصلحة العامة سوى ضربٍ من التعمية والتسويغ». إنه حكمٌ قاسٍ ولكنه يقول الكثير. وقديماً قيل بأن فاقد الشيء لا يعطيه.

إقرأ أيضا لـ "علي محمد فخرو"

العدد 4094 - الخميس 21 نوفمبر 2013م الموافق 17 محرم 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 5 | 2:59 م

      شئ من الواقع

      العبارة وهو ظاهر تبدأ بالتعصب ألاعمى لتصبح بعد تطرفاً في القول و الفعل و لتنتهي بممارسة العنف و الارهاب دكتور من يمارس ما تقولة الان ؟

    • زائر 4 | 5:08 ص

      يقال التعصب من الجاهليه لكن اليوم الشركات الغربيه لا يقال لها مغربيه لكن

      ليس بسر لكن كن حرا وعادلا وصادقا وأمينا! فالتطرف أمريكي برجوازي - يميني أو يساري لكنه تجاري كما التطرف الملحق بالدين والتجاره – يعني ملاحق وملحقات لكون الدين عند الله الإسلام وأمة الإسلام وسط وليس فيها متطرف أو يعمل على هواه وعلى عيف الأمريكان. فقد كشفت الدراسات عن سرقت الذهب من الروضات – يعني من المشاهد في العراق كما سرق الذهب من البحرين وكلها مدانه في مركزيه المخابرات الصهيونيه أي إمراطورية إسرائيل المتهاويه لكن البعض قد لا يصدق يسقوطها. قال ويش جحا مجموع كراس وحكام يعني؟

    • زائر 1 | 1:27 ص

      الواقع يشرح نفسه

      بأنها «كانت دائماً تمثل مصالح عائلات وقبائل وجماعات على حساب غيرها وعلى حساب الأمة، وما القول أنها تمثل المصلحة العامة سوى ضربٍ من التعمية والتسويغ مثل هذه الدولة ليست مهيّأةً لإعطاء الدروس في التسامح والأخذ والعطاء والتعايش مع الآخرين المختلفين معها في الرأي والتوجُّهات "

اقرأ ايضاً