العدد 4109 - الجمعة 06 ديسمبر 2013م الموافق 03 صفر 1435هـ

الطائفية مكوِّن للأزمة البحرينية

عبدالنبي العكري comments [at] alwasatnews.com

ناشط حقوقي

أثار خطاب أوباما في الأمم المتحدة، والذي قال فيه: «إن الولايات الأميركية تحاول الإسهام في حل التوترات الطائفية في سورية والبحرين والعراق...»، الكثير من الجدل المستمر حتى الآن، وكأن أوباما كشف سراً من الأسرار أو أنه افتعل مشكلة غير موجودة.

الحقيقة أن التمييز الطائفي والقبلي واقع معاش، واستخدام الطائفية كسلاح لتمزيق صفوف الشعب، هو تقليد للسياسة البريطانية القديمة «فرِّق تسد»، ولا حاجة لنا للتذكير باستمالة الزعماء الشيعة في حركة المجلس التشريعي 1938، لفك تلاحمهم عن الزعماء السنة، الذين جرى التنكيل بهم، لتفكيك الحركة الوطنية. وكذلك حركة هيئة الاتحاد الوطني في الخمسينيات، التي انبثقت لمعالجة الانقسام الطائفي الذي أثاره الحكم حينها؛ وخيار الشعب لدولة مستقلة وليس الالتحاق بإيران من خلال قرار لمجلس الأمن في العام 1970، اشترط وضع حدٍّ للتمييز الطائفي والقبلي، وإقامة دولة المواطنة المتساوية؛ وحركة التسعينيات طرحت ذات الأطروحات.

إن من أهم دوافع نضال شعب البحريني منذ العشرينيات حتى اليوم، هو التصدّي للتمييز ضد الأغلبية والامتيازات للأقلية، والهدف المشترك لكل انتفاضات وحراك شعب البحرين من العشرينيات حتى 2011، هو تحقيق نظام سياسي يضع حداً لنظام التمييز والامتيازات، وتُضمن فيه المواطنة المتساوية، والعدالة الاجتماعية، ويتمتع الشعب بثرواته، مع التقاسم العادل للثروة والسلطة، في ظلّ حكم العائلة الكريمة.

واتساقاً مع ذلك فإن المجتمع الدولي، وإن تجاهل ذلك لانشغاله بقضايا أهم، أو هدوء الأوضاع النسبي، فإنه أكد ذلك في مناسبات عديدة.

إن أول قرار صادر عن لجنة الخبراء لمجلس حقوق الإنسان في أغسطس/ آب 2005 أكد على ضرورة وضع حدٍّ للتمييز ضد أية فئة من السكان، وإدماج كافة مكونات المجتمع في قوى الأمن. وسبق ذلك قرار للبرلمان الأوروبي في يوليو/ تموز 2005. كما أن المناقشات غير المسبوقة في البرلمان البريطاني لدى وصول حزب العمال إلى الحكم في 1996، من قبل مجموعة من النواب يقودهم جورج جالاوي، مع وزير الدولة لشئون الشرق الأوسط ديريك فشت، تناولت الأوضاع المتردية في البحرين، ومن أهم عواملها التمييز الطائفي.

ونستطيع أن نعدِّد الكثير من التقارير، التي تتفق على تشخيص هذه الحالة مثل المقرّرين الخاصين، ولجان الاتفاقيات التعاقدية، والمفوضين الساميين لحقوق الإنسان في الأمم المتحدة، وعشرات التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية لحقوق الإنسان، مثل «هيومان رايتس ووتش» (HRW)، والعفو الدولية (AI)، والفيدرالية الدولية لحقوق الإنسان (FIDH)، والمنظمة الدولية لحرية التعبير (IREX)، ومراسلون بلا حدود (Medicine Sans Frontier)، وشبكة المدافعين عن نشطاء حقوق الإنسان (Frontline)، وحقوق الإنسان أولاً، وأطباء لحقوق الإنسان، ورابطة الحقوقيين الديمقراطيين العالمية، ومركز الحقوقيين الدولي، والمنظمة العربية لحقوق الإنسان في عهدها المستقل وغيرها، إلى جانب المنظمات الحقوقية البحرينية.

كما نستطيع الاستشهاد بمراكز البحوث الدولية، مثل مجموعة الأزمات (Crises Group)، وكارنيجي (Carnigie)، وتشاتهام هاوس (Chatham house)، ومبادرة الشرق الأوسط (POMED)، والعشرات من الأكاديميين، وهم متفقون على أن استراتيجية التمييز والامتيازات هي السبب الرئيسي لعدم استقرار الأوضاع في البحرين، وتفجرها كل عقد تقريباً منذ الخمسينيات حتى الآن.

إذاً، نحن لا نخترع البارود عندما نقول إن استراتيجية «التمييز» و»الامتيازات»، هي السبب الرئيسي لما يعانيه شعب البحرين. وليست اختراع أوباما أو أميركا أو الغرب الحليف الاستراتيجي، والذي يصنّف حالياً من قبل أبواق التأزيم ونواب وقوى الصدفة بأنه العدو اللدود.

وإنه لا يُعقل لشعب، أو لنقل أغلبية شعب، أن يخترع مشكلةً غير موجودة ويتخيّل ظلامة تاريخية، لأنها تخدم أجندات خارجية، وليس من المعقول لشعب أو أغلبية شعب أن تكون عميلةً لدولة خارجية، سبق أن رفض ذات الشعب الانضمام إليها باختياره الحر في 1970، رغم مكابداته لعقود، مع أمل بوضع حدٍّ لهذه المكابدة في عقد جديد لدولة الاستقلال ضمنته الأمم المتحدة والدولة الحامية، وهي بريطانيا، والدول الكبرى والإقليمية.

ليست البحرين وحدها المبتلاة بالتمييز بكافة أشكاله الطائفي والقبلي والجندري والعرقي، بل إن أعرق الأمم الديمقراطية والمتحضرة تعاني من هذه الظاهرة الملازمة للبشرية منذ نشأتها، ومستمرة معها بتجليات مختلفة. والمسألة هي: هل تعترف هذه الدول وهذه المجتمعات بهذه المشكلات، وتعمل على حلها كما تفعل الدول الديمقراطية، أم تستمر في الإنكار والمكابرة كما هو حال الدول الاستبدادية؟

لقد استغرق الأمر من أميركا مئتين وثلاثين عاماً منذ الاستقلال مع الحرية الموجودة في الدستور الأميركي والحقوق المتقدمة، حتى يصل أول رئيس أسود للبيت الأبيض. واستغرق الأمر من فرنسا رائدة الثورات والتنوير، والحقوق والمساواة حتى العشرينيات من القرن الماضي، لتعطي المرأة حقوقها السياسية، هذا على سبيل المثال لا الحصر.

ولذا، فإن الدول ليست هي المعنية وحدها بمكافحة التمييز بكافة أشكاله، بل المجتمع الدولي بأسره، ومكافحة التمييز والامتيازات غير المشروعة من صلب اهتمامات المنظمات الدولية للحكومات والمنظمات الأهلية والمختلطة، وفي مقدمتها الأمم المتحدة، والتي نصَّ ميثاق تأسيسها في 1945 على مناهضة التمييز وتحريمه بكل أشكاله، واستتبع ذلك إصدار العشرات من المواثيق والاتفاقيات، وإنشاء الآليات والأجهزة واللجان والمقررين الخاصين ولجان الخبراء، لرصد هذه الظاهرة الكونية، واقتراح الاستراتيجيات والسياسات والاتفاقيات، وتفعيل الآليات لتنفيذها.

لقد أكد تقرير اللجنة البحرينية المستقلة لتقصي الحقائق بقيادة البروفسور بسيوني بكل جلاء التمييز والتهميش بحق مكوِّن أساسي من الشعب، وأكّدت ذلك توصيات مجلس حقوق الإنسان في مراجعته الدورية لحقوق الإنسان في البحرين (سبتمبر/ أيلول 2012)، والبيان المشترك لـ 47 دولة ديمقراطية في دورة المجلس في يونيو/ حزيران 2013، وبيان البرلمان الأوروبي في يونيو 2013، والحبل على الجرار.

إنها مكابرة وإنكار لواقع التمييز، الذي تكتوي بناره الأكثرية، ويضرّ بشعب البحرين كله، وواقع الامتيازات غير المشروعة المناقضة لمصلحة الشعب والبحرين كوطن لكل أبنائه.

لن نخرج من هذه الأزمة المستحكمة منذ عقود، إلا بالاعتراف أولاً بهذه الحقيقة المرّة... ثم العمل الجدي للتخلص منها.

إقرأ أيضا لـ "عبدالنبي العكري"

العدد 4109 - الجمعة 06 ديسمبر 2013م الموافق 03 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 10 | 4:30 ص

      نكأت القرحة استأصلت الشأفة

      ديرتك الديه منذ متى لم يكن فيها اسكان اسأل وزارة الاسكان؟ والبعثات والتوظيف اسألهم ان يضعوا لنا الاسماء والدرجات او التقديرات لاصحاب البعثات؟؟

    • زائر 9 | 3:27 ص

      عندي سؤال

      لماذا لا تضع كل وزير اسماء من تم توظيفهم من سنة 2011 حتى 2013م؟ولماذا لا تضع زارة الصحة اسماء اصحاب البعثات وتقديراتهم من سنة 2011 الى 2013م ؟ لنرى حقيقة التمييز والطائفية أهي صدق ام كذب ؟

    • زائر 8 | 3:07 ص

      التمييز الطائفي في البحرين، زادت وتيرته في الازمه، وأصبح اكثر ما يكون للممارسة الممنهجة الرسمية وعلى جميع الاصعدة

      وأعتقد أن الجميع يعلم عنه خصوصا الدول الكبرى، وهذا ما أكده حديث اوباما. وأيضا كل المنظمات الحقوقية والانسانية في العالم على دراية به.
      طبعا الشعب البحريني يدكه ويعيشه. والكل في البلد أصبح على علم تام وعلى رأسهم المتمصلحون والمحنسون والعمال الاجانب والخدم، كلهم يعرفون جيدا أن هذه الشريحة في المجتمع البحرين هي شريحة مطهده، مهانه ويمكنهم يدوسون في بطن هذه الشريحة دون خوف من أي شئ.

    • زائر 7 | 2:38 ص

      فـي البحرين

      العجب العجاب "

    • زائر 6 | 2:35 ص

      لك الله يا شعبي المستباح

      فليس هناك من قانون وضعي ينصفك ولا من نصير ينصرك.
      ولكن الله يعلم وإن مكروا فهو خير الماكرين وهو العدل الذي لا يضلم مثقال ذرة وهو الحساب العسير الذي لن يضيع الحق عنده. ف........ فإن الله يمهل ولا يهمل.
      لا حوار المنامة، ولا جنيف ولا المريخ يستطيع ان يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم فهبوا إخوتي ننصر الله وننصر بعضنا بعضا ينصرنا الله وهو خير الناصرين.

    • زائر 5 | 1:56 ص

      تجول بنظرك على الوزارات

      التوظيف -توزيع الوحدات -توزيع البعثات وووو سترى حقيقة التمييز واضحة وضوح الشمس في رابعة النهار اننا نعيش غرباء في وطننا والوطن الى غرباء جاءوا من انحاء الارض مسكين مواطن البحرين الاصيل

    • زائر 4 | 12:53 ص

      لا عيب في ذكر حقيقة المشكلة العنصرية تمارس هنا

      نعم هنا وفي البحرين تمارس العنصرية الطائفية ولنكن على قدر من الشجاعة للاعتراف بالخطأ من اجل اصلاحه والا فلن يصلح الحال في ظل التكتم على لب المشكلة

    • زائر 3 | 12:28 ص

      استغلال الاختلاف المذهبي والعرقي من اسوأ الاستغلالات

      نعم هنا في البحرين استغلال سيء للطائفية وارض خصبة لاستغلالها من اجل استقواء على طائفة باخرى والسبب جهل البعض جعلهم اداة

    • زائر 2 | 11:25 م

      كان هناك خجل من التركيز على الشق الطائفي العنصري من قبل المعارضة

      خشية تفكك جبهة المعارضة لم يطرح فصيله الابرز التمييز الطائفي العنصري كأحد ابرز عناصر الازمة خشية الباس المعارضة بالطائفية و هذا تخوف يثير الضحك و الاستغراب فلو سود افريقيا فكروا بهذه الطريقة لما اباحوا بمشكلتهنم

    • زائر 1 | 10:31 م

      من أفضل مقالات العكري

      أتمنى أن يصل هذا المقال لكل المشاركين في حوار المنامة، فقد وضع الأستاذ العكري يده على الجرح فعلا.
      شكرًا لك وشكرا للوسط

اقرأ ايضاً