العدد 4129 - الخميس 26 ديسمبر 2013م الموافق 23 صفر 1435هـ

بين التنشئة الصحيحة والسلوك الخاطئ في التربية... الضرب ليس وسيلة للعقاب

الشيخ عبدالمجيد العصفور
الشيخ عبدالمجيد العصفور

قلوبٌ صغيرة وأوعِيةٌ خاليةٌ إلا من البياض، أبناؤنا فلذاتُ أكبادِنا، الطينة التي لم تتشكل بعد وأوكِلت إلينا مهمة تنشئتها وإصلاحها وزرعِ أفضلِ القيمِ والمبادئ فيها.

إلا ان بعض الآباء والأمهات في مجتمعنا يعتقدون أن الاسلوب الأمثل للتربية ولتصحيح سلوك ابنائهم الخاطئ هو معاقبتهم عقاباً يليقُ بما اقترفوه من جرم، فكلما كان جرمهم أكبر كان مقدار ما ينالونه من الضرب والإهانات أكبر دون مراعاةٍ لصغر سنهم وبساطة تفكيرهم.

إن سوء التصرف وإساءة المعاملة من قِبل معظم الآباء في مجتمعنا يتسبب في إلحاق اضرار نفسية كبيرة على الابناء تبقى آثارها شاهدة حتى الكبر على مرحلة طفولة قاسية ولو عرِف مُعظم الآباء قيمة أبنائِهم لأدبوهُم بلِسانٍ ناصِح لا بِعِقابٍ جارح.

ورغم أن معظم الآباء في وقتنا الحالي هم من فئة المتعلمين والمثقفين فإن قانون العقاب والضرب لايزال الأسلوب المعتمد لإسكات ضجيج الأبناء وتأديبهم.

وعندما بدأنا حديثنا في هذا الموضوع فإن أول سؤال وجهناه كان لطفل في السنة الخامسة من عمره قال بكل براءة: «أمي وأبي يضرباني لأنني لا أطيعهم ويقولون لي لا تفعل، ولكن عندما يضرباني افعل ذلك مرة اخرى، أنا احبهم ولا أريد أن يضرباني لأن ضربهم يؤلمني كثيرًا».

وعندما تسأل الآباء أو الأمهات عن الطرق التي يستخدمونها في تأديب أبنائهم ستجد أن غالبيتهم لا يستخدم إلا الضرب والعقاب، (ن،ع) وهي أم لطفلة واحدة تقول: «أنا أستخدم أسلوب الضرب والحرمان وأجد أنها وسيلة مناسبة للتأديب وهي تنفع في بعض الاوقات وأوقات أخرى قد لا تنفع».

وتعترف أيضا السيدة (ت،س) باعتمادها على الضرب كوسيلة للتأديب وتقول: «أنا في أغلب الأحيان أصرخ على أبنائي وبعد ذلك أوجه لهم ضرباتي في كل ناحية من أبدانهم ولكنني أتجنب أن أضربهم بشكل عنيف لأنني فعلت ذلك في إحدى المرات وندمت كثيرًا وبكيت بشدة أسفًا على ما فعلت، ولكن بشكل عام أحيانًا نحتاج إلى استخدام الضرب لتأديبهم».

في حين أن آخرين لا يعتقدون بأن الضرب وسيلة مناسبة لتأديب الطفل ولكنهم يستخدمونها حين لا يكون أمامهم خيار آخر لردع أبنائهم فيقول (ج،ع): «أنا أحرم ابنائي من الهاتف ومن مزاولة بعض الانشطة التي يحبونها ولكن بعض الأخطاء يكون الضرب هو الوسيلة الوحيدة لها وأرى أن الطفل عندما يُضرب يزداد إصراره ولكنني لم أندم يوما على ضرب أبنائي لأنني أفعل ذلك لمصلحتهم ومن غير أن يتضرروا جسدياً».

من جهتها، تقول إيمان السلمان وهي أم لطفلين: «إن الأمر يختلف من طفل لآخر فهناك طفل يستجيب للعقاب بينما طفل آخر قد لا يستجيب وبالنسبة للضرب فالطفل أحيانًا يحتاج لذلك كي يتأدب رغم أنها ليست الوسيلة المناسبة وأنا عندما أضرب أبنائي أندم على ضرب طفلي الكبير أما الصغير فلا أندم أبدًا لأن ابني الكبير مطيع وحساس ولا يتعبني ولذلك فإن ضربي له أقل أما الصغير فقد اعتاد على الضرب».

ولا ننكر أن هناك آباء وأمهات يرفضون رفضاً قاطعاً اعتماد هذا الاسلوب في تربية أبنائهم فزينب جاسم وهي أم لطفلين تقول: أعاقب ابني ذي الثلاث سنوات بالحرمان من قضاء وقت اللعب وأحياناً أحرمه من اقتناء لعبة جديدة ولا أستخدم أبداً اسلوب الضرب فالعقاب الذي أستخدمه مع ابني أكثر نفعًا وتأثيرًا وأعتقد بأن الضرب من أسوأ أنواع التأديب فمع مرور الوقت يعتاد الطفل على الضرب ويصبح هذا الاسلوب بلا جدوى وفي المقابل يصبح الطفل عدائيا وعنيفا والأطفال أحباب الله ومن غير اللائق إيذائهم بهذه الأساليب.

وتتفق حميدة عبدالرسول معها قائلة «أنا لا أستخدم الضرب كوسيلة للعقاب ولكي أؤدب أبنائي أنصحهم لأن الضرب يعقد الامور ويجعل الأبناء يفرون ويبتعدون، ولكن في بعض الأحيان تخرج الأمور عن سيطرتي وأضربهم فأشعر بالندم على ذلك».

كما أن ضرب الأبناء أمرٌ يرفضه العقل والفطرة فإنه مرفوض في الشريعة الإسلامية، يقول الشيخ عبدالمجيد العصفور «إن الأطفال أمانة عند ذويهم وإلحاق الأذى النفسي أو الجسدي بهم يستوجب سخط الله عز وجل، وقد حددت الشريعة ديَة لمستوى الأثر الذي يتركه الضرب على جسد الطفل، وتشتد الدية اذا كان الضرب على الوجه».

ويضيف قائلا «إن العقاب بشتى أنواعه ومنها الضرب، ليس الأسلوب الأمثل للتربية، والاسلوب الأمثل يكون بالموازنة في استخدام الثواب والعقاب والضرب من أسوأ الأساليب التربوية التي يلجأ إليها بعض الناس، فهي تكشف أن من يعتمد عليها شخصية غير سويَة، وتترك آثارًا سيئة على مستقبل الأطفال، حيث تجعلهم فاقدي الثقة بالنفس ومنعدمي القدرة على الإبداع، كما تحولهم الى أشخاص عدوانيين».

أما عن الطرق السليمة للتربية فأجاب قائلا «إن الأسلوب السليم في تربية الأطفال أن نجعل الثواب يقودهم نحو تحقيق ذواتهم، ونتوعدهم بأن العقاب سيقع عليهم في حال تخلفوا عن القيام بواجباتهم، ونتوقع منهم الفشل ونساعدهم على النهوض بتزويدهم بالثقة بالنفس».

وعند سؤاله عن طرق الحد من ظاهرة العنف مع الأطفال يقول العصفور «ينبغي أن تكون في المجتمع مؤسسات تعنى برعاية الأطفال وتتابع الأهالي في أساليب تنشئتهم وتزودهم بالمعارف السليمة في الشأن التربوي، وتوفر الارشاد الفوري للحالات التي تستخدم العنف، ويجب أن توضع تشريعات تحمي الأطفال من العنف، وتصمم برامج لتأهيل الأهالي تربويًا».

أيها المربي الفاضل، قبل أن تمد يديك لتصفع طفلك على وجهه اسأل نفسك: هل يستحق فلذة كبدي أن أُشوه ملامح الجمال في وجهه فقط لأنه غيّر ملامح الجدار بألوانه؟ وهل من اللائق أن تؤدبه بتلوين جسده ببقع حمراء وزرقاء لا يستوعبها جسده النحيل؟!

إن تعريض الطفل للضرب والتعنيف ينعكس على سلوكه وتصرفاته إضافة الى أنه يقتل الروح الملائكية الطاهرة بداخله، لذلك فإن المجتمع بحاجة إلى تثقيف كبير في مجال التربية لأن مرحلة الطفولة هي المرحلة الأولى لبناء شخصية الطفل ورسم مستقبله النفسي والاخلاقي والاجتماعي.

العدد 4129 - الخميس 26 ديسمبر 2013م الموافق 23 صفر 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 9 | 7:56 م

      بارك الله فيك وجعلها في ميزان حسناتك

    • زائر 8 | 1:03 م

      محمد

      هذا كلام مو واقعي الضرب والاهانات ؟ هي جاي من معتقدات هذه العائلة وعادتها وكل هدي العادات مرتبطه بالعقيدة وادا كان هناك من خلل فهو في العقيدة ؟
      انا كنت اشوف لو اننا قلبنا الموضوع والغينا العائلة والمجتمع وتعاملنا ويا الانسان بعيدا عن الاديان لكان الانسان مواطن وليس رب اسرة ؟ وبما ان اكثر المشاكل تاتي الناحية المادية وهو موطن له ما يصرف لكل مواطن من معونات ما اعتقد انه ايروح للرديلة او يحتاج للتاديب او الاهانه ؟ راح ايكون بعيد عن المشاكل

    • زائر 7 | 10:11 ص

      الطامة الكبرى

      المشكلة ليست في الضرب أو عدمه فهو قد يسبب مشاكل لكن الطامة الكبرى هي أن يكون الطفل غير مروّض ومتروك بلا تربية ولا يعاني من هذه المهزلة إلا معلم الفصل الذي حتى ولو استعمل الضرب فلن يؤثر في هذه النوعية من الأطفال وسيكون هذا الطفل متوحش أكثر من الطفل الذي تمت تربيته عن طريق الضرب.

    • زائر 2 | 12:11 ص

      أحسنت بوركت أناملك

      فعلا كلمات تحتاج الى تأمل وتفكر ......
      كل انسان يتدبر تلك المعاني سيجد أن الانسان في حالة الغضب قد يصد منه هفوه او تعنيف على طفلة سيندم عليها ان كان صاحب شفقة و ضمير حي ...
      يوجد أساليب كثيرة ( و آخر علاج كما يقال الكي )
      ولكن للأسفة نحن نقدم علاج الضرب على الحلول المتزنه و في كثير من الاحيال الحلول الاخرى أنجع و أكثر تأثيرا

    • زائر 3 زائر 2 | 3:39 ص

      بوركتِ

      ياترى من يسمع ويأخد الكلام بعين الأعتبار !!

    • زائر 6 زائر 2 | 3:40 ص

      بوركتِ

      ياترى من يسمع ويأخد الكلام بعين الأعتبار !!

    • زائر 1 | 10:32 م

      كلام لا يتصل بالواقع

      المقال مثله مثل بقية النصوص التي تتحدث عن نفس الموضوع .. انتقاد وانتقاد ولا حلول.. ما هو البديل لو تكرمتم؟؟؟؟ ماذا؟؟ هناك جنة وهناك نار ايضا.. الجنة قد لا تغري الجميع..

اقرأ ايضاً