العدد 4144 - الجمعة 10 يناير 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1435هـ

الحلم الصيني من منظور حضاري (1)

محمد نعمان جلال comments [at] alwasatnews.com

سفير مصر الأسبق في الصين

ورد مصطلح «الحلم» للتعبير عن الآمال والتطلعات أو للتعبير عن أحداث بالغة الأهمية وقعت أو تحققت لم يكن من المتصور حدوثها. بل إن مصطلح الحلم ورد في الكتب المقدسة ومن بينها القرآن الكريم، ولعل أشهر الأحلام التي قدمت رؤية مستقبلية ومثلت تحدياً لصاحبها هما حلم سيدنا إبراهيم (ع) عندما رآى أنه يذبح ابنه إسماعيل، وكان ذلك إشارةً إلى مبدأ التضحية بأعز ما لدى الإنسان، وأدى ذلك إلى إنقاذ هذا الابن برحمةٍ من الله، وإطلاق شعيرة من شعائر الحج في رمي الجمرات.

أما الحلم الآخر الشهير فهو حلم ملك مصر في العصر الفرعوني الحديث، عندما رآى سبع بقرات سمان يأكلهن سبع عجاف، وعجز المفسرون عن تفسيره، ثم فسره سيدنا يوسف (ع) مما جعله أميناً على خزائن مصر لتدبير اقتصادها والعبور بالبلاد من أخطر أزمة اقتصادية، حيث سبع سنوات من الرخاء والازدهار، جاءت بعدها سبع سنوات من القحط والجفاف، ثم عام فيه يُغاث الناس وفيه يعصرون. تلك المحنة القاسية مرّت بسلام، والمعنى الرمزي هنا هو أهمية التنبؤ بالتطورات والتغيرات والتقلبات من ناحية، وضرورة الاستعداد لذلك بالتخطيط السليم من ناحية أخرى.

الأدب الصيني الكلاسيكي ورد فيه مصطلح الحلم كثيراً، سواءً من الأدباء أو المفكرين، ولكن أشهرها ما ورد في الرواية المشهورة باسم «حلم الغرف الحمراء»، للأديب الصيني تساو شي تشين في القرن الثامن عشر في عهد أسرة تشنج، وترجمت إلى عدة لغات. هذه الرواية عبرت عن أوضاع الصين في تلك الفترة وحللت جوانبها السياسية والاقتصادية والاجتماعية.

أما أشهر الإشارات الحديثة لمفهوم الحلم فكان إشارة مارتن لوثر كينج «الصغير» عندما أطلق صيحته أو شعاره «إن لدى حلماً» في غمار حملته من أجل الحقوق والحريات للسود في الولايات المتحدة في عقد الستينات من القرن الماضي، وقد تحقّق ذلك الحلم بعد أكثر من أربعين عاماً من اغتيال الزعيم الأميركي الأسود بوصول باراك أوباما إلى قمة السلطة في الولايات المتحدة العام 2008.

الحلم الذي نتناوله في هذا المقال هو حلم من نوع آخر... إنه حلم صيني حديث طرحه بعض الكتاب والناشطين الحقوقيين في الصين، ثم تبناه الرئيس الصيني شى جين بنج، الذي تولّى زعامة الحزب الشيوعي الصيني في نوفمبر/ تشرين الثاني 2012، ثم رئاسة الدولة في مارس/ آذار 2013. وكرّر هذا المصطلح الذي عبر فيه عن رؤيته الإستراتيجية لمستقبل الصين، واستخدم مصطلح «الحلم الصيني».

وفي هذا الإطار نشط الباحثون والمفكرون والإعلاميون المتخصصون في الشئون الصينية من مختلف مناطق الصين، ومن دول عديدة للاستجابة لدعوة من أكاديمية شنغهاي للعلوم الاجتماعية، ومكتب الدولة للإعلام، ودار النشر باللغات الأجنبية للمشاركة في مداولات مؤتمر بعنوان «حوار دولي حول الحلم الصيني». وطرح على المؤتمر عدة تساؤلات: هل الحلم الصيني هو حلم أفراد أم حلم أمة؟ وهل هو حلم حقيقي يعبّر عن رؤيةٍ أم إنه حلمٌ افتراضي؟ وهل هو حلمٌ للصين أو هو حلمٌ للعالم بأسره؟ وهل يعني توجه الصين للعمل في إطار المبادئ الدولية المرتبطة بسياسيات القوة، ومن ثم التوسع والسيطرة، أم هو يعني العمل في إطار المبادئ النابعة من الفلسفة الصينية بالاكتفاء الذاتي والانفتاح على العالم في الوقت نفسه؟ وهل من شأنه تدعيم صعود الصين السلمي أم سيؤدي إلى صراع قوى دولية قد تحبط آمال الصينيين وتطلعات القيادة؟

هذه بعض التساؤلات التي طرحها الخبراء والمتخصصون في الشئون الصينية في مداولات المؤتمر، وسعى كل فريق أو باحث لتقديم رؤيته ومنظوره وقراءته لهذا الحلم الصيني. وكان كاتب هذه السطور أحد المشاركين في المؤتمر، وقدم رؤيته لهذا الحلم الصيني في ورقة بحثية بعنوان «الحلم الصيني من منظور حضاري»، ونقدم في هذا المقال بإيجاز خلاصة تلك الورقة البحثية التي تضمنت ستة أقسام: التطور الحديث لمفهوم الحلم الصيني؛ عناصر الحلم الصيني؛ رؤية حول الحلم الصيني؛ الحلم الصيني كرؤية للدولة؛ ردود الفعل الوطنية والإقليمية والدولية حول الحلم الصيني، وأخيراً تحليل للآفاق المستقبلية للحلم الصيني.

عرض الباحث في القسم الأول للاستخدامات الحديثة لمصطلح الحلم، وأشهرها استخدام الناشطة الصينية بيجي ليو بطرح نشاط منظمتها المسماة «مشروع الحلم الصيني»، وهو مشروع صيني أميركي من منظمة غير حكومية يركّز على مفهوم التنمية المستدامة والبيئة والطاقة النظيفة، ثم صدور كتاب هيلين وانج بعنوان «الحلم الصيني»، وهو حصيلة مقابلات مع 100 شخصية صينية من أبناء الطبقة المتوسطة، وقد ترجم الكتاب للغة الصينية، إذ صدر لأول مرة عام 2010 باللغة الانجليزية، وتمحورت أحلام الذين جرى استطلاع رأيهم في اتباع الصين سياسة ليبرالية تحقّق الثروة والتقدّم الصناعي وتواجه ندرة الموارد وهجرة السكان والمشاكل الاجتماعية، وأن توفق بين القيم الصينية التقليدية في الثقافة والأسرة، وتحقق الوفاء بحاجات المواطنين في التعليم والإسكان والتقدم التكنولوجي، وملكات الإبداع والاختراع.

ودخل في الحوار شخصيات صينية وأميركية عديدة، وأشهرهم الصحافي الأميركي توماس فريدمان، صاحب مؤلفات وحوارات مع شخصيات دولية رفيعة المستوى، كما دخلت في الحوار مجلات تابعة للحزب الشيوعي الصيني، وهكذا تولّد زخم كبير حول هذا المفهوم، ثم تبناه أمين عام الحزب الشيوعي ورئيس الدولة شي جين بينج فتحوّل من أطروحات للمثقفين إلى رؤية تتبناه الدولة وهكذا.

وأحد المفكرين والخبراء الأميركيين هو روبرت لورنس كوهين صاحب كتاب «كيف يفكر قادة الصين»، قدّم الصورة للحلم الصيني، كذلك فعل مارتن جاك الأستاذ بجامعة لندن للعلوم الاقتصادية والسياسية في بريطانيا وصاحب كتاب «عندما تحكم الصين العالم ويتراجع الغرب»... (يتبع).

إقرأ أيضا لـ "محمد نعمان جلال"

العدد 4144 - الجمعة 10 يناير 2014م الموافق 09 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 1 | 2:09 ص

      الصين وماادراك ما الصين

      ماشاءالله بعد كل هذا التطورات واكلهم للخضر واليابس مازال لهم احلام لولاهم لكنا اخترعنه وصدرنه بعض من منتوجاتنا المحليه لا للمنتوجات الصينيه نعم لمنتوجاتنا المحليه في المستقبل القريب

اقرأ ايضاً