العدد 4145 - السبت 11 يناير 2014م الموافق 10 ربيع الاول 1435هـ

قد تكون في السياسة الحالية حكمة نجهلها

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

يقال ان تعقيدات الحياة الحديثة هي التي خلقت مرض السرطان وانه مرضٌ يتوتر فيه العقل واحياناًَ يحدث بسبب مرض الكآبة، ويعتبر مرضا عقليا بالدرجة الاولى وقبل ان يتحول الى جسدي ويعوق حركة الانسان بالتمتع في الحياة.

وان الكآبة هي اهم المشاكل في العصر الحديث، وتختلف اسبابها من الاسباب الكيميائية في الجسد أو السيكولوجية، وانه تقل مستويات الكآبة في المجتمعات البدائية بسبب بساطة العيش وبساطة البشر، وانه كلما ازدادت المشاكل في حياتنا ومتطلباتها الحديثة ازدادت حالات الاصابة بالكآبة وبالسرطانات.

وحينما يسترخي العقل يلحقه الجسد والروح ولذا اصبح علاجه معقداً لأن الشفاء لا يعتمد على الادوية فقط اذا لم يُعالج الفرد في طريقة تفكيره ونظرته للحياة!

والغريب انه كلما تم ايجاد العلاج لمرض، ظهر ما هو اخطر منه واكثر تعقيداً في العلاج،

ويقول احد المصابين بالسرطان انه حينما عرف باصابته بالسرطان شعر بالهدوء التام وكأنه قد قرر ان يتخلى عن الحياة ومشاكلها بعقله وبات يعيش كل يومٍ بيوم ويستلذ به، ربما لأنه يتطلع الى حياةٍ اخرى اكثر ابدية من هذه الحياة التي يراها الكثيرون حياةً زائفة ومؤقتة، وانه يعيش فيها ويقوم باداء واجباته مجبراً! اما بسبب تدينه الذي يفرض عليه ان يواصل العيش باستقامة أو بسبب تواجده لمتابعة المسئوليات العائلية والتزامه بها!

كما تختلف انواع الكآبة فنوعٌ بسبب الكبت والمعاناة من الظلم والفقر وقمع الذات وعدم القدرة على تحقيق الذات والطموحات، والنوع الآخر في البلدان المتطورة حيثما حصل الناس على كل ما يحلمون به وفقدوا الحافز من اجل الحياة.

والغريب في الامر أو الذي يصعب تفسيره هو ان هذا النوع الثاني من الكآبة اكثر خطورة على الافراد لأسباب منها انه كلما ازداد المال قل الاستمتاع بالحياة ونرى الكآبة تزداد مع الرفاهية وانها تتسبب في ان يحاول الاغنياء شراء السعادة بالمال، فيكومون المقتنيات الفارهة والفخمة! ظناً منهم ان هذه الاشياء هي التي ستجلب لهم السعادة الى ان يصلوا يوماً الى طريقٍ مسدود وتمنيهم الموت لانه لم يعد هنالك شيء يمتعهم وهم يملؤهم الخواء واليأس رغم العيش الرغد والرفاهية!

وتنتشر في تلك الدول حالات الانتحار مثل بلاد السويد والتي اعطت شعبها كل ما تتمناه المجتمعات الاخرى من العدالة السياسية والاجتماعية والثقافية، وهي رغم ذلك تسجل اعلى نسبة في حالات الانتحار! بينما تنعدم تقريباً حالات الانتحار في الدول الفقيرة وبلداننا والتي يعيش الناس فيها ضنك العيش والتوترات السياسية والاحباطات اليومية، وعدم وجود العدالة أو توزيع الثروات!

وانني ارى سبب ذلك قد يكون الحماس والنظرة المتفائلة يومياً لحياةٍ افضل وبغدٍ مشرق، ما يقلل مستوى اليأس عند الافراد ويبقيهم مشغولين ذهنياً في الكفاح المتواصل وبذلك ترتفع معنوياتهم الوجودية ويضحى بقاؤهم فيها هو رمزٌ من انواع التفاؤل للتواصل مع الحياة والاضطرار لاعطائها معنىً وجودياً وعدم التفكير في الانتحار بتاتاً لعدم انسجامه مع حب البقاء.

فهل اذن للحماس والتطلع لدحض الظلم، وخاصةً مع موجات الربيع العربي والثورات التي باتت كالبراكين المتواصلة والتي ادخلت المئات الى السجون ومع كل من استشهدوا وقتلوا من الابرياء، كل ذلك للتطلع الى التغيير والحياة، ام يا تُرى وجود الحافز والحماس من اجل المجتمع الافضل ربما هو الذي يخلق حبنا للحياة والبقاء أو الاستمرار وفي مواجهتها وجهاً لوجه... اهو ما يقلل الكآبة وحالات الانتحار؟!

وهل لنا ان نشكر حكامنا اذن في مثل هذه المعادلة الغريبة، لقسوتهم واهمالهم للاخذ بأساليب العالم المتحضر في الحكم وانهم يرفضون مشاورة شعوبهم والاخذ بآرائهم وترك الحبل على الغارب، ومحاولة تأخير التقدم بالوسائل القديمة والقمعية من التزمت والاصرار على ذلك المنهج في ادارة البلدان، من اخذ الحقوق المشروعة والتقدمية السياسية، الخ وفي الحكم المنفرد والتصرفات الارادية في توزيع الاملاك والثروات والمناصب؟! وخاصة عند اعطاء المناصب المهمة الى افرادٍ عديمي الخبرة أو الدراية في مبادئ الحنكة السياسية كي يديروا عجلة الحياة وادارة الوزارات، وربما بذلك لا يريدون لنا فقد الشهية للحياة أو الاقدام على الانتحار لا سمح الله أو الاصابة بالامراض المستعصية. فهل نحن اذن غافلون عن ذلك؟

وربما عدم تطبيق الكثير من توصيات بسيوني، والذي جاء للمساهمة في حلحلة الاشكاليات القائمة في البلاد، وثم ايقاف عملية الحوار، بعد ان تعذرت التنازلات وعدم اطلاق السجناء السياسيين واستمرار مداهمت بيوت الناس ليلاً والقبض عليهم والاحكام بالسجن لسنواتٍ طويلة، مقابل بعض الاعمال الصبيانية، قد يكون كل ذلك من اجل رؤية وحكمة مستقبلية، ولمصلحة شعوبنا والتي هي من اجل ألا نُصاب بحالات الاكتئاب أو الامراض النفسية والتي تسببها المدنية الحديثة من الانتحار، ومن هنا نرى كيف بالامكان النظر الى البعد السياسي، في الاهمال للشعوب وكيف له ان يتغير من نقمة الى نعمة.

وقد يكون ذلك في خطة لصالحنا على المدى البعيد! ومن حيث لا نعلم أو غافلون عنها. الا تعتقدون ان نية حكومتنا قد تكون هادفة وصادقة وانما الاعمال بالنيات! وان الله اعلم بما في الصدور وهو على كل شيء قدير.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4145 - السبت 11 يناير 2014م الموافق 10 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 2 | 3:21 ص

      الحمد لله على كل حال وكن مع الله يكن معك

      وعساكم ان تكرهوا شيء ويجعل الله فيه خيرا كثيرا ، وها نحن رغم قسو ة الزمن علينا صابرون متوكلون على الله مدبر الأمور .فلو نقارن بأطيب الشعوب وتحملها فلنا المقدمة .

    • زائر 1 | 12:32 ص

      كل ذلك من اجل رؤية وحكمة مستقبلية

      لا شك أن سياسة التضييق تخلق شعباً قوياً يواجه شتى أنواع الصعاب و هذا ما تريده السلطة لهذا الشعب فجازاها الله على ذلك إذ ربما واجه هذا الشعب مستقبلاً أقسى من الخالي و يذلك يسنطيع الصمود أمامه. مجتمعنا قوي و مؤمن بربه و أن الله ينصر من ينصره لذلك ربما تصيب بعض الأفراد حالات إكتئاب مؤقتة أثناء الغفلة عن الله فقط

اقرأ ايضاً