العدد 4146 - الأحد 12 يناير 2014م الموافق 11 ربيع الاول 1435هـ

هيومن رايتس ووتش: تصاعد القمع قبل الاستفتاء على الدستور في مصر

نيويورك - هيومن رايتس ووتش 

تحديث: 12 مايو 2017

قالت هيومن رايتس ووتش اليوم إن ما لا يقل عن سبعة نشطاء سلميين من حزب مصر القوية يواجهون تهماً جنائية، على ما يبدو بسبب تعليق ملصقات تنادي بالتصويت بـ"لا" في الاستفتاء المقبل على الدستور. اقتصرت الأسئلة أثناء استجواب النيابة والشرطة على الملصقات وآراء الرجال السياسية. وقد تقرر عقد الاستفتاء يومي 14 و15 يناير/كانون الثاني 2014.

اعتقلت الشرطة النشطاء في ثلاث وقائع منفصلة بعد أن وجدت بحوزتهم ملصقات تنادي بالتصويت بـ"لا" خلال الأسبوع السابق على الاستفتاء. قامت النيابة بتوجيه الاتهام إلى المجموعة الأولى المكونة من ثلاثة من النشطاء في 7 يناير/كانون الثاني، بموجب باب في قانون العقوبات يجرم "ترويج... تغيير مبادئ الدستور الأساسية... متى كان استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظاً في ذلك". ويواجه ناشط رابع تم اعتقاله في 10 يناير/كانون الأول تهماً تتعلق بالتورط المزعوم في الإرهاب. وسيمثل ثلاثة آخرون، تم اعتقالهم في 12 يناير/كانون الثاني بسبب "توزيع منشورات، ومحاولة قلب نظام الحكم، وتحريض المواطنين على رفض الدستور، والمشاركة في التحريض ضد الشرطة والجيش" سيمثلون أمام النيابة في 13 يناير/كانون الثاني لمواجهة اتهامات محددة.

قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في هيومن رايتس ووتش: "ينبغي للمواطنين المصريين أن يكونوا أحراراً في اختيار التصويت مع الدستور الجديد أو ضده، لا أن يخافوا من الاعتقال لمجرد إقامة حملة للتصويت بـ‘لا‘. إن حماية الحق في التصويت تستلزم ضمان الحق في حرية التعبير".

يأتي الاستفتاء وسط قمع متنام للمعارضة السياسية، تزايدت فيه الاعتقالات لمجرد ممارسة الحق في التعبير عن الرأي والتجمع السلمي. وبينما تغص الشوارع باللوحات واللافتات الداعية إلى التصويت بـ"نعم" فإن ملصقات "لا" قد اختفت تقريباً من المجال العام.

في 7 يناير/كانون الثاني اعتقلت الشرطة ثلاثة متطوعين من حزب مصر القوية، وهو حزب للوسط أسسه عبد المنعم أبو الفتوح، الذي كان قد ترك الإخوان المسلمين لخلافات أيديولوجية في 2011. تم اعتقال الثلاثة ـ إيهاب عبد الكريم، المحاسب البالغ من العمر 30 عاماً وأمين الحزب للاتصال الجماهيري في الجيزة، وإسلام العقباوي، طالب الحقوق بجامعة القاهرة البالغ من العمر 21 عاماً، وعلي محمد علي، طالب الحقوق بجامعة الأزهر البالغ من العمر 22 عاماً ـ في نحو العاشرة مساءً، بعد دقائق من انتهائهم من تعليق بضعة عشرات من ملصقات "لا للدستور" في حي جاردن سيتي بوسط القاهرة، كما قال عبد الكريم وأحد الشهود لـ هيومن رايتس ووتش.

اقتربت الشرطة من الرجال من الخلف بينما كانوا يسيرون معاً بشارع كورنيش النيل، وفي أيديهم رزمة من الملصقات، في الطريق لاستقلال ميني باص عام للعودة إلى منازلهم. وبعد توجيه بضعة أسئلة، اعتقلت الشرطة الرجال ونقلتهم إلى قسم شرطة قصر النيل القريب.

واحتجزت الشرطة ناشطا رابعا من الحزب، هو محمود إمام البالغ من العمر 35 عاماً، والذي يدير متجراً للعطور وأدوات الزينة، في الساعات المبكرة من صباح 10 يناير/كانون الثاني. قال إمام لـ هيومن رايتس ووتش إن عناصر الشرطة قاموا بإنزاله من ميني باص في أحد أكمنة الشرطة بالقرب من كوبري أحمد سعيد بمنطقة العباسية في شرق القاهرة، واكتشفوا ملصقات ومنشورات "لا" في طيات صحيفة كان يحملها. كان إمام في طريقه إلى منزله بعد ليلة قضاها في تعليق لافتات "لا" بحي الدقي في غرب القاهرة، ومروره على قسم شرطة قصر النيل للاطمئنان على عبد الكريم والعقباوي وعلي.

اعتقلت الشرطة أعضاء الحزب الثلاثة الآخرين، وهم سامي أشرف ومحمد أبو ليلة وأحمد بدوي، لدى انتهائهم من تعليق ملصقات من حي حدائق القبة شرقي القاهرة، في حوالي السابعة مساء في 12 يناير/كانون الثاني، وفقا لـ عبد الرحمن يوسف، المحامي بحزب مصر القوية الذي تحدث إلى الرجال في قسم شرطة حدائق القبة حيث تم احتجازهم لاحقا في تلك الليلة.

كان يظهر على الملصقات عبارتا "لا للدستور" و"2013 = 2012" من أعلى، واسم حزب مصر القوية بالعربية والإنجليزية من أسفل. أما القسم الأوسط فيتنوع بين واحد من خمسة شعارات بالعربية: "لا لمحاكمة المدنيين عسكرياً" و"لا لضياع هيبة الجيش وتسييسه" و"لا لمنع الرقابة على فساد المؤسسات" و"لا لضياع حقوق الغلبان لحساب رجال الأعمال" و"لا لاستمرار بلطجة الداخلية".

عند رؤية هذه اللافتة الأخيرة، اعتدى ضباط الكمين باللكمات على إمام عدة مرات، صائحين: "هنوريلك بلطجة الداخلية"، كما قال إمام لـ هيومن رايتس ووتش. قال كل من عبد الكريم وإمام إن الشرطة حين التقطت صورتيهما في قسم الشرطة الذي اقتيد إليه كل منهما، تم إرغامهما على حمل لافتات تقول "ملصقات معارضة للنظام".

استجوبت النيابة عبد الكريم والعقباوي وعلي في 8 يناير/كانون الثاني، وبحسب محمد عاطف وياسمين الشيخ، المحاميين اللذين حضرا استجواب كل واحد من الرجال الثلاثة، فإن النيابة استجوبت النشطاء بشأن المكان الذي أحرزوا منه الملصقات، وهوية ممول الفعالية، وسبب قيامهم بتعليقها. وحيث أن النيابة صادرت هواتف الثلاثة فقد استجوبتهم أيضاً بشأن مقاطع فيديو لتظاهرات وجدت عليها. لم تستعلم النيابة في أي استجواب عن استخدام القوة أو الإكراه، ولا اتهمت النشطاء بذلك.

وجهت النيابة الاتهام إلى الرجال الثلاثة بموجب المادة 98(ب) من قانون العقوبات، التي تنص على عقوبة الحبس لمدة لا تتجاوز 5 سنوات، وغرامات لا تقل عن 50 ألف جنيهاً مصرياً (7180 دولار أمريكي) لـ:

كل من روج في الجمهورية المصرية بأية طريقة من الطرق لتغيير مبادئ الدستور الأساسية أو النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية أو لتسويد طبقة اجتماعية على غيرها من الطبقات أو للقضاء على طبقة اجتماعية أو لقلب نظم الدولة الأساسية الاجتماعية أو الاقتصادية أو لهدم أي نظام من النظم الأساسية للهيئة الاجتماعية متى كان استعمال القوة أو الإرهاب أو أية وسيلة أخرى غير مشروعة ملحوظا في ذلك .

في البداية قامت النيابة باستجواب إمام يوم 10 يناير/كانون الثاني في غير وجود محام، كما قال لـ هيومن رايتس ووتش. وركزت الشرطة على ملصقات "لا" وآراء إمام السياسية، سائلة إياه عن سبب معارضته للدستور وعما إذا كان زعيم الحزب أبو الفتوح ينوي الترشح للرئاسة. في 11 يناير/كانون الثاني أعادت النيابة استجواب إمام، في وجود محامين هذه المرة. قال عبد الرحمن يوسف، المحامي من حزب مصر القوية والذي حضر الاستجواب، لـ هيومن رايتس ووتش إن النيابة قررت توجيه الاتهام إلى إمام بموجب المادة 86 من قانون العقوبات، التي تنص على عقوبات للتورط في أفعال إرهابية. قال يوسف إن الدليل الوحيد الذي قدمته النيابة هو الملصقات وانتماء إمام إلى حزب مصر القوية.

أمرت النيابة بإخلاء سبيل عبد الكريم والعقباوي وعلي وإمام في انتظار صدور لائحة الاتهام ضدهم، وغادر العقباوي وعلي قسم قصر النيل في الساعات المبكرة من يوم 10 يناير/كانون الثاني، بينما تم الإفراج عن عبد الكريم في نحو الخامسة من مساء ذلك اليوم. قال الرجال الثلاثة لـ هيومن رايتس ووتش إنهم قضوا ليالي الاحتجاز في زنازن حجز مكتظة في قبو قسم الشرطة، حيث بلغ التزاحم مع عشرات من المحتجزين الجنائيين درجة عدم وجود مكان للجلوس. أخلت الشرطة سبيل إمام من قسم الضاهر في نحو العاشرة والنصف من صباح يوم 11 يناير/كانون الثاني بعد ليلتين في زنزانة ضيقة تحت الأرض مساحتها 3 في 3 مترا مع 20 من المحتجزين الجنائيين، الذين مر عليهم هناك أكثر من شهر، بحسب إمام.

قال إمام وعبد الكريم لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة قامت قبل الموافقة على إخلاء سبيلهم بتسليمهم لضابط من الأمن الوطني لاستجوابهم. وقال عبد الكريم إن ضابط الأمن الوطني قال له إن عليه "أن يحمد الله على حسن حظه. لولا هدوء الوضع [في مصر] لجددنا احتجازك 15 يوماً وراء 15 أخرى وأبقيناك في السجن، في ظروف لا تخطر لك ببال. لقد دللناكم".

قبل الإفراج عن إمام بساعات اقترب منه ضباط الشرطة في الحجز وطلبوا منه خلع ملابسه الداخلية وتمزيقها أمام بقية المحتجزين، كما قال لـ هيومن رايتس ووتش. ثم قام اثنان من رجال الشرطة بعصب عينيه وإخراجه من الزنزانة. وتم إرغامه، وهو معصوب العينين ومقيد الحركة بين رجلي الشرطة، على صعود درج مكون من قلبتين بينما كانا يضربانه مراراً. وفي أعلى الدرج، قام ضابط مجهول باستجواب إمام بشأن آرائه السياسية، وسأله عن كيفية تصويته في الانتخابات السابقة، والأجزاء التي يعارضها من الدستور، وتوقعاته لما سيحدث في مصر إذا لم يتم تمرير الدستور.

ولم تكن الشرطة قد أفرجت عن أشرف وأبو ليلة وبدوي حتى كتابة هذه السطور.

في 11 يناير/كانون الثاني اعتقلت الشرطة عضواً ثامناً من حزب مصر القوية، هو محمد بهجت، طالب الهندسة البالغ من العمر 20 عاماً، في بلدة الخصوص بمحافظة القليوبية شمالي القاهرة، وهذا بحسب أحد أعضاء حزب مصر القوية في البلدة الذي تحدث إلى بهجت طلب من هيومن رايتس ووتش حجب هويته. وقال هذا الشخص لـ هيومن رايتس ووتش إن الشرطة احتجزت بهجت واعتدى عناصرها عليه بالضرب مراراً بعد مشاهدته وهو يكتب "لا للدستور" بالطلاء على جدار مدرسة حكومية، حيث كان يعقد مؤتمرا لتأييد "نعم للدستور". أُخلي سبيل بهجت دون توجيه اتهام في 12 يناير/كانون الثاني بعد ليلة في زنزانة حجز بقسم شرطة الخصوص، والاستجواب على أيدي ضباط من جهاز الأمن الوطني.

احتجزت الشرطة عضواً آخر من الحزب، هو محمد أحمد محمد محمد عبد الله، لعدة ساعات بقسم شرطة الخصوص بينما كان يحاول تأمين الإفراج عن بهجت، بحسب عضو الحزب الذي تحدث مع عبد الله وهيومن رايتس ووتش. وقال عضو الحزب إنه في أثناء احتجاز عبد الله اعتدى أفراد الشرطة عليه بالضرب المبرح، بما في ذلك ضربه في الرأس بكعب بندقية.

قالت هيومن رايتس ووتش إن اعتقالات نشطاء مصر القوية تتماشى مع ممارسة شرطية تزداد انتشاراً، وتتمثل في احتجاز النشطاء السياسيين لمجرد التعبير السلمي عن الرأي. وقد أفادت وكالة أنباء أونا في 9 ديسمبر/كانون الأول 2013، مع إيلاء اهتمام خاص للحملة المحيطة بالاستفتاء، بأن الشرطة اعتقلت سبعة نشطاء من جامعة الأزهر يحملون لافتات تدعو إلى "لا للدستور" و"لا لقانون التظاهر". وبحسب صحيفة الأهرام الحكومية فإن الشرطة في أسوان في صعيد مصر اعتقلت تسعة من أعضاء الإخوان المسلمين في 5 يناير/كانون الثاني 2013 لتوزيع منشورات تدعو إلى مقاطعة الاستفتاء.

في مؤتمر صحفي يوم 10 يناير/كانون الثاني، أعلن وزير الداخلية محمد إبراهيم أن "كل جمعة مش أقل من 500 إلى 600 بيتظبطوا... الأول كنا ننتظر لما يخرج عن سلميته، دلوقت إحنا بنواجه بمجرد التجمع. انت لما تيجي بتواجهه في بيجري، اللي بنقدر بنمسكه بنمسكه". وعلى مدار أيام الجمعة الثلاثة الماضية اعتقلت الشرطة 703 من المتظاهرين وقتلت 27، بحسب وزارتي الداخلية والصحة. حذر إبراهيم أيضاً من أن "موضوع إن انت تحاول تعرقل الاستفتاء أو انت تمنع مواطن من إنه يتوجه للاستفتاء، ده هيتم مواجهته بكل قوة وبشدة لم يروها من قبل".

كدولة طرف في العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، والميثاق الأفريقي لحقوق الإنسان والشعوب، تلتزم مصر بحماية حرية التعبير. وقد كتبت لجنة الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، وهي هيئة الخبراء التي تراقب التزام الدول بالعخد، أن حرية التعبير "ضرورية" للتمتع الكامل بالحق في المشاركة في الشؤون العامة وفي التصويت.

وتنص المادة 65 من مشروع الدستور المصري على أن "لكل إنسان حق التعبير عن رأيه بالقول أو بالكتابة أو بالتصوير أو غير ذلك من وسائل التعبير والنشر".

قال جو ستورك، "ينطوى تقييم أي تصويت من حيث الحرية والنزاهة على تقدير شامل للمناخ السياسي. وعلى النيابة القيام فوراً بإسقاط التهم الموجهة إلى نشطاء مصر القوية وضمان قدرة جميع المواطنين على التظاهر السلمي أثناء الاستفتاء".





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان

اقرأ ايضاً