العدد 4159 - السبت 25 يناير 2014م الموافق 24 ربيع الاول 1435هـ

أكذوبة تجارة الأسهم وإدمان المال

سهيلة آل صفر suhyla.alsafar [at] alwasatnews.com

كاتبة بحرينية

سأتناول اليوم هذه الأسطر عن بعض رجال المال والأعمال، والموجة الحديثة من سيدات الأعمال، والإدمان على جمع الأموال؛ وذلك إثر مشاهدتي لأحد الأفلام المعروضة حالياً the wolf of wall street، لترون الخطيئة التي يمارسها البعض من فرسان المال.

ولا يهم إن كان حلالاً أم حراماً، المهم هو المال للعيش الرغيد، وكيف يبيع الإنسان نفسه للشيطان واللعب بالأسهم واكتساب الملايين على حساب البسطاء والمساكين، وعمل كل الرذائل من الخيانة لأقرب المقربين إلى تعاطي المحرمات وإلى الكذب والنذالة.

وكيف أن الإنسان، وبعد أول عملية تنازلٍ عن الذات والكرامة، يقوم ببيع كل شيء وأي شيء في سبيل البقاء، والشيء الأوحد والذي أدمن عليهن وهو حب المال والشهوات.

إن هذا الفيلم الهوليودي هو حلقة الوصل ما بين آدمية البشر البسطاء واللعنة التي تركب الإنسان الشيطان بكل مواصفاته، والذي يُصبح مُدمناً على كل الأشياء الدنيوية الهابطة لجمع المال. وحينها لا يهمه أي شيء، سوى أن يجمع ويجمع أقصى ما يستطيعه، ولمجرد التخزين.

من يجمعون المال، ورغم اكتفائهم، ورغم ما يُقال بأنه بالحصول على المليون الأول لا يزيد ولا يُضيف صُنع المليون الآخر أية سعادة للإنسان، وهي حقيقة ثابتة، فلن يكون الإنسان بحاجة للأكل أكثر أو اللباس أو النوم في بيتين أو سريرين في آنٍ واحد.

دعونا نرى كيف يتصرف هؤلاء، وكيف يفقدون توازنهم في الحياة، وكيف يزيد قلقهم وحيرتهم، وكيفية تعاملهم مع الأشياء، وطريقة حملهم لذواتهم في الحياة؟

وكيف أصبحت الهواية المحببة، التي أضلتهم طريقهم السبيل المؤكد للمتعة، وإيجاد الطرق البديلة لمضاعفتها، ولا يرون الحياة بمنظارها الحقيقي والواقعي، وإنما ينظرون إليها بنظراتٍ تنموية بحتة.

ولا يصادقون إلا من أجلِ المنفعة الاقتصادية، وهم لا يبقون على علاقاتهم إلا من أجل المصلحة، وفي محاولات دائبة للتقرب من الآخرين ومراكز السلطة المادية، ولا يتكلمون أو يشغلوا أوقاتهم، ولا توجد لهم مواقف مشرفة من أجل الحق أو العدالة في المواضيع السياسية، والتي غير واثقين من أنها ستجلب لهم المال.

وقد يتعاون البعض منهم، ويدافعون عن الحق بكل ما يملكون، أو أن يتبرعوا للمؤسسات الخيرية والطبية لخدمة الفقراء، ولكنهم قِلة أو يعملونها في أواخر أيام حياتهم، وحينما يتعبون من الجمع، وهم المميزون ويذكرهم أهاليهم والتاريخ.

وعموماً، يجلسُ الكبار على مكاتبهم الفخمة، وهم يتبادلون الصفقات ما بين الموبايل والإنترنت الطائر، ويتابعون به أحدث الطرق لزيادة الأموال.

وبانشغاله لا وقت للأب لأبنائه ومشاكلهم، ولا لزوجته أو زوجاته، وينقلب أداء الحب للعائلة، غالباً، بتأدية الواجبات المادية، بل والتمادي في العطاء لتغطية عيوب الوقت في الغياب المتواصل عن المنزل كي يتركونه يعمل ويبتعد ويسافر كما يريد.

وقد يترك الحِمل كله على الزوجة، وهو وحظه إذا ما تمكّنت من مجاراته وتحمّل كل الأعباء، أو أن ترميه هي الأخُرى على الخدم إذا ما وجدت نفسها مُهملة، وصاحب الدار مشغولٌ عنهم، وقد تبحث عن الحميمية في مكانٍ آخر.

ويجد الأطفال أيضاً آخرين كي يملؤا الفراغ العاطفي، الذي تركه الوالدان أو أحدهما. وقد يتسبب ذلك أيضاً في انعدام الحميمية حتى لأهله أو أخوته كالزيارة للوالدين بانتظام، وربما يؤديه كواجب أيام الجمعة للغداء. ناهيك البعد عن الأصدقاء وما يمتّ لكل هذه الأشياء بصلة، فقد شغله المال بملذاته عن الأقربين، وما أكثر الملذات الشيطانية مع المال!

وأما ربّات البيوت اللواتي أصبحن سيدات أعمال، وعلى وجه الخصوص الشابات منهن، ممن يريدون تكوين العائلة، فلم يَعُدن حائرات، فقد وجدن الطريقة المُسعفة، ولضرب عصفورين بحجرٍ واحد.

وذلك بأن لجأن إلى تغطية غيابهن بأنواعٍ متعددة من (Baby siter) والممرضات -الأجنبيات طبعاً- واللواتي قد تزيد رواتبهن على الأربعمئة دينار، وهن الحاضنات ليلاً، واللواتي يعملن بالساعة، إضافةً إلى الخادمات بالنهار.

أما نهاراً، فقد انتعشت دور الحَضانات، التي تأوي الأطفال من الأعمار ما دون الستة أشهر، فتقوم السيدة هذه بإرسال الطفل مع المربية والسائق لضمان سلامة الطفل الجسدية، متناسيةً الظروف أو الأمراض المعدية التي قد تُنقل إليه من الآخرين بهذه الأعمار الغضة، أو الحالة النفسية، والتي قد يُعاني منها الطفل بابتعاده صباحاً ورحلته بالسيارة، وجلوسه في مكانٍ آخر، ومع نوع آخر من البشر الغرباء، ما بين الانتقال بالسيارة، وما بين أيادي هذه وتلك، وهو في عُمرٍ لا يستطيع التعبير عمّا يُعانيه أو لما يجري له في كل رحلته اليومية أو سهر الأغراب معه ليلاً،

والله وحده يعلم ما الذي يجري له، وتأثيرات ذلك على هؤلاء الملائكة من أطفالنا مستقبلاً.

وبذلك يعتمدن على الآخرين لتربية الأطفال، ويتابعنهن عن بُعد بالهاتف النقال والإنترنت والكاميرات المنزلية، ويعتقدن بذلك أنها الطريقة الحضارية لتنشئة الأطفال الحديثة.

وبذا تحيا الأمومة وتنتعش تحت هذه الظروف الحديثة، ويتربى عليها أطفال «الريموت كنترول»، كل ذلك في سبيل المكاسب المادية والجمع لتغطية النفقات للمتطلبات الحديثة، بدءاً من البيوت الفخمة إلى النقال و»الآي باد» والإنترنت والسيارات والخدم والحشم... إلخ، وعلى حساب العائلة والطفل وحاجاته الإنسانية.

وهذا لا يمنع أيضاً أنواع المُتع الحديثة، سواء في زياراتها للترفيه في الصالونات ثم السفريات المتكررة، والعزائم والصديقات... إلخ.

و«الله يخلي الناني» لعمل الباقي من التربية، فهي من حقها أن تحقق لذاتها مثل الآخر، ويُترك المنزل للموظفين بعقود سنوية، وكله بثمنه من الخراب والانهيار في العلاقات المنزلية للأسرة عموماً.

ودعونا نرى أي مثَل يحتذيه هؤلاء الصغار في مثل هذه الأمثلة المجسّدة التي يرونها في الوالدين، غير الضياع وعدم التوازن في الحياة.

وبغض النظر عن الِعشرة مع الأطفال والقرب أو الحميمية التي يترجاها الطفل أو لمّة العائلة على الوجبات، وخلق الأجواء البريئة للعب مع الأطفال، ليجد الطفل نفسه وحيداً، ويعيش مع الأغراب، الذين قد يتغيرون ويرحلون عنه للأبد عند نهاية عقودهم.

إنها الأجواء الحديثة، التي يفهمها هؤلاء لتربية أطفالهم، وهنالك أطفال بالكاد يتعرفون على أمهاتهم، وأعرف طفلة تنادي جميع النساء «ماما»، لكثر تنقلها بين الأيادي، ظناً منها أن لكل من هؤلاء جميلاً عليها، وتستحق الكلمة.

علَّنا قد وضعنا بعض النقاط على الحروف الضائعة، وأن ينتبه هؤلاء قبل فوات الأوان، ولا أدري إذا ما كانت أموال الدنيا كلها تستحق التضحية بطفلٍ واحد أو ابتسامته وشوقه لحضن والديه، والذي سيذوي في التُراب يوماً، ولن ينال حينها سوى متر في مترين، حيثُ لن يتذكره أطفاله ولا غيرهم؛ لأنه عاش لنفسه ونزواته.

إقرأ أيضا لـ "سهيلة آل صفر"

العدد 4159 - السبت 25 يناير 2014م الموافق 24 ربيع الاول 1435هـ





التعليقات
تنويه : التعليقات لا تعبر عن رأي الصحيفة

  • أضف تعليق أنت تعلق كزائر، لتتمكن من التعليق بـ3000 حرف قم بـتسجيل عضوية
    اكتب رمز الأمان
    • زائر 7 | 5:11 م

      انه غفورٌ رحيم

      من يريد ان يلهث قبل الذهاب الى المقبره التي يدفن فيها مع كل ما جمعه من مال لاحد سيأخذ معه شيئاً للعلم عن اغافلين وزعوا ماستطعتم وانه غفورٌ رحيم

    • زائر 6 | 8:45 ص

      فيلم فظيع

      افلم يستحق المشاهده وانا اعجبني جداً ومخيف بتجارة الاسهم المخيفه والمرعبه اما الما السائب بالطبع يشجع عى السرقه حتى ولا كان في البنوك وهي اكبر لانها تسرقن بالنسبه التي تعطينا اياها وتاخذ النسبه الاكبر هي

    • زائر 5 | 8:20 ص

      صدقت يادكتورة، وها نحن نرى ان التكالب على حمع الثروة غطى جميع النشاط الأنساني

      نشاهد ونسمع في وطننا البحرين ان ملاك الجامعات الخاصة انخرطوا في هذة الممارسات الخاطئة وهم حري بهم ان يكونوا قدوة الأشراف..الأن المال والبنون زينة الحياة الدنيا..!

    • زائر 4 | 5:05 ص

      الاشطر يغلب حتى لو كان كذاب

      امور الدنيا الغلط واللي الاخضر ياكل فيها اليابس والحكومات تتفرج ولاتحمي الا الحراميه والغلابه ياعيني الهم الله

    • زائر 3 | 5:03 ص

      مقاله موفقه

      اي والله الدنيا ورديه عند هؤلاء وهم ياكلون الاخضر واليابس ولكن لا تخافي حياتهم كلها بؤس شديد والمال عمره مايجيب السعادة مقاله حلوه

اقرأ ايضاً